كتب – علي بدور :
أظهر أحدث مسح أجري بدولة قطر لمعرفة نسبة تعاطي التبغ بين الأطباء في عينة شملت 603 أطباء أن 8ر7% منهم يدخنون أحياناً وأن 5ر4% منهم يدخنون يومياً في حين أن ما نسبته 7ر19% من الأطباء كانوا مدخنين وتوقفوا عن التدخين وبأن معدل التدخين بين الأطباء المدخنين كان حوالي 12 سيجارة يومياً.
وأوضح د. أحمد الملا مدير برامج مكافحة التدخين بالهيئة الوطنية للصحة أن 80% من الأطباء في قطر من المدخنين وغير المدخنين يؤيدون أن يكون هناك خطة موسعة لمكافحة التدخين تشترك فيها كل القطاعات الصحية ومشيراً إلي أن مسؤولية مكافحة التبغ لا تقع علي عاتق السلطات الصحية وحدها بل هي مسؤولية الأفراد والمؤسسات الحكومية الأهلية والجمعيات الوطنية لما فيه من الخير لأفراد المجتمع وحماية لحصتم صيانة لبيئتهم.
وأضاف قائلاً: إن التدخين وإلي جانب أضراره الصحية الجسيمة يشكل استنزافاً كبيراً للموارد المالية للأفراد والحكومات، ليس فقط علي صعيد ما يصرف لشرائه بل وعلي صعيد ما ينفق للتداوي من علله وأمراضه، فقد أشارت دراسة للبنك الدولي حول الفوائد الاقتصادية للتبغ والاستثمار فيه أن تكاليف الرعاية الصحية للمصابين بالأمراض الناجمة عن تعاطي التبغ تكلف العالم ما يزيد علي مائتي مليار دولار في السنة.
وأشار الملا إلي أن منظمة الصحة العالمية أوضحت أن دولة الكويت احتلت المرتبة التاسعة عشرة علي مستوي العالم في استهلاك التبغ والعربية السعودية في المرتبة 23 حيث بلغ معدل استهلاك الفرد فيها حوالي 03 سيجارة سنوياً وتنفق دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة حوالي 800 مليون دولار أمريكي في السنة علي التبغ.
وأوضحت نتائج المسح العالمي الذي أعدته منظمة الصحة العالمية حول التدخين بين أرباب المهن الصحية أنه قد استكمل 11 ألفاً من أرباب المهن الصحية في خمسة بلدان بإقليم شرق المتوسط لمنظمة الصحة العالمية ومن ضمنها قطر كان 9ر97% من المشاركين في المسح في دورته الثانية أقروا بأن التدخين ضار بالصحة، وعلي الرغم من هذا فقد تبين أن 33% من أرباب المهن الصحية من أطباء وممرضين يدخنون، وأن 67% من المستجيبين للدراسة أنهم لم يدخنوا قط، فيما أبلغ 10% منهم أنهم نجحوا في الإقلاع عن التدخين وأبلغ 23% منهم أنهم يدخنون حالياً.
ومن بين المستجيبين للدراسة كان 7613 70% من الأطباء و701 6% من أطباء الأسنان و1394 13% من الممرضات و1226 11% من العاملين في المهن الطبية المساعدة. وقد اشتملت العينة علي 66% من الذكور و34% من الإناث، وكان متوسط العمر لديهم 39 عاماً.
وكانت النسبة المئوية للمدخنين من بين المستجيبين 32% ومن بين المستجيبات 5% ومن بين الذكور شكل العاملون في التمريض أكبر نسبة من المدخنين، أما بين الإناث فقد شكلت الطبيبات أكبر نسبة من المدخنات. وذلك بمتوسط استهلاك للتبغ بلغ 16 سيجارة يومياً، وكان أدني متوسط للاستهلاك في المملكة العربية السعودية 11 سيجارة وأعلي متوسط للاستهلاك في الأردن 19 سيجارة .
وأظهر المسح أن تدخين أرباب المهن الصحية يؤثر سلباً علي دورهم كقدوة ومثال للمرضي فقد قال 83% من أرباب المهن الصحية، من غير المدخنين، إنهم يعتقدون أنه من غير المرجح أن يقوم الطبيب المدخن بنصح مريضه بالإقلاع عن التدخين. وقد أكد 70% من أبراب المهن الصحية من المدخنين المنتظمين علي هذه الحقيقة. وعموماً، أعرب 53% فقط من المستجيبين عن شعورهم بأنهم مستعدون تماماً لتقديم التوعية حول الإقلاع عن التدخين، في حين أعرب 30% آخرون عن شعورهم بأنهم مستعدون إلي حد ما . ومن بين من يشعرون بأنهم مستعدون تماماً كان أكثر من 94% منهم يمارسون التوعية.
وقد أعرب 97% من أرباب المهن الصحية المشاركين في المسح عن تأييدهم الكامل لحظر التدخين في الأماكن العامة المغلقة، كما أعرب 87% من المدخنين و93% من غير المدخنين عن تأييدهم لوضع عبارات تحذير صحية بحروف كبيرة علي أغلفة السجائر، وأعرب 97% عن تأييدهم لحظر بيع السجائر لغير البالغين، وأعرب 92% عن تأييدهم لحظر رعاية شركات التبغ للأنشطة الرياضية، و97% عن تأييدهم للحظر الكامل للإعلان عن التبغ، و96% عن تأييدهم لحظر التدخين تماماً في المستشفيات.
أما الإجراء الوحيد المتعلق بالسياسات الذي اختلف عليه المدخنون غير المدخنين فهو الزيادة الكبيرة في أسعار التبغ. فقد أيد 84% من غير المدخنين الزيادة الحادة في الأسعار كإجراء لمساعدة المدخنين علي الإقلاع، ولمنع الصغار من الإقبال علي التدخين. وبرغم التأثير المباشر لزيادة السعر علي المدخنين، إلا أن 66% من أرباب المهن الصحية من المدخنين قد أيدوا أيضاً الزيادة الحادة في السعر.
ومن النتائج التي انتهي إليها المسح أن مساعدة أرباب المهن الصحية الذين يدخنون علي الإقلاع عنه، والذين تزيد نسبتهم قليلاً علي 23%، قد يؤتي ثماره مرتين: تحسين صحة الأطباء الذين يقلعون عن التدخين، وزيادة قاعدة مقدمي الرعاية الصحية الذين يقدمون القدوة في مساعدة الآخرين علي الإقلاع عن التدخين.
وعلي الرغم من أن 72% من المستجيبين أقروا أن هناك نقصاً في المداخلات التي تستهدف المرضي المدخنين (غير مداخلات التوعية)، إلا أن بإمكان الأطباء تقديم طيف من المداخلات الفعالة التي تستهدف إقلاع مرضاهم عن التدخين. فمن شأن توسيع فرص الحصول علي الأدوية، والمجهود الشخصي، مع تحسين التدريب المقدم للأطباء حول التوعية بسبل الإقلاع عن التدخين، أن توسع التغطية بالمداخلات الفعالة للإقلاع عن التدخين في البلدان التي شملها المسح.
وأقر ما يزيد علي أن 75% من أرباب المهن الصحية في بلدان المسح بالحاجة إلي تنفيذ عناصر المكافحة الشاملة للتبغ. وباستثناء زيادة السعر، كان التأييد بالإجماع لجميع عناصر المكافحة. ومن ثم فإن أرباب المهن الصحية يمكنهم الدعوة لتنفيذ المكافحة الشاملة للتبغ ومساندتها.
ويوضح د. أسامة الحمصي استشاري ورئيس قسم أمراض الدم والأورام بمستشفي الأمل أن التبغ هو عبارة عن أوراق نباتية المركب الرئيسي الفعال فيها هو النيكوتين وقد عزل من التبغ أكثر من 4700 مركب كيميائي. من ضمنها 43 مادة مسببة للسرطان ويقول لقد أثبتت التجارب المخبرية ضرر التبغ علي الصحة، فبعد تكثيف دخان التبغ وإذابته في الأسيتون ووضعه علي جلد فأر التجربة لمدة طويلة ثبتت علاقته بحدوث سرطانات موضعية وأورام حليمية علي جلد الفأر، كما ثبت أن سموم دخان السيجارة تؤدي إلي تكسر في مادة ال DNA في الخلايا المستنبتة من رئة الإنسان، وبالتالي تسرع بشكل كبير في معدل الطفرات في الخلايا المنقسمة والتي تؤدي إلي تشكل الأورام. ولقد ثبت أن عدد سنوات التدخين يزيد بشدة من مخاطر حدوث الأضرار الناتجة عنه، وهو أهم من عدد السجائر التي يدخنها المدخن في اليوم الواحد.
كما ثبت طبياً أن التدخين يزيد بشدة من نسبة حدوث أمراض عديدة منها: سرطان الرئة: فالتدخين هو العامل المسبب ل 85% من الحالات . وإذا علمنا أن معظم حالات سرطان الرئة تتكون وتتطور بشكل خفي ولا ينتبه إليها إلا بعد وصولها إلي مراحل مستفحلة يصبح فيها العلاج غير فعال، ورغم تطور الطب الهائل في السنوات الأخيرة وتقدمه في فروع الجراحة والعلاج الشعاعي والعلاج الكيماوي إلا أن ذلك لم ينجح في تقليل نسبة الوفيات ا لعالية للمرضي المصابين بسرطان الرئة، ولا يبقي لدينا من وسيلة لمكافحة هذا الداء الخبيث إلا محاربة التدخين، ويعتبر سرطان الرئة من أكثر السرطانات انتشاراً في العالم، وكذلك في هذا الجزء من العالم، فعلي سبيل المثال: يعتبر سرطان الرئة ثالث أكثر السرطانات شيوعاً في دولة قطر، والأول في دولة الكويت، سرطان الفم والبلعوم والحنجرة، من الأسباب الرئيسية في حدوثها التدخين، وكلها سرطانات تؤدي إلي انزعاج شديد للمصاب بها، حيث علاجها يتطلب إجراء جراحات غالباً ما تكون مشوهة للمريض، وقد تتطلب استئصال الحنجرة بشكل كامل، وإذا ما كان المرض مستفحلاً فإن المرض يقضي علي المريض تدريجياً بشكل مؤلم.
والذي يلفت النظر أن المرضي المصابين بهذا النوع من السرطان يكونون من الذين كانوا يدخنون لمدة تزيد علي الأربعين سنة.
كما أن سرطان المريء وسرطان المعدة وسرطان البنكرياس كذلك من أحد أسبابه المهمة هو التدخين.
وكذلك سرطان الكلية والحالب والمثانة حيث ثبت أن التدخين مسؤول عن ثلث الإصابات.
سرطان القولون وسرطان الرحم من بين أسبابه التدخين.
كما أن هناك أمراضاً يعتقد أن تدخين السجائر يسببها.. مثل اللوكيميا سرطان الدم 14% وحسب الاحصائيات العالمية فإن تدخين السجائر مسؤول عن 30% من الوفيات بالسرطان، وبهذا فإن تدخين السجائر هو أهم مسبب للسرطان يمكن تجنبه، وباقناع الناس بأخطار التدخين يمكن أن تنخفض نسبة الوفيات بمعدل 30%.
وتدخين السجائر يزيد من مخاطر الإصابة بالأفات الوعائية مثل: السكتة الدماغية أو الفالج الشقي، السكتة القلبية أو ما يعرف بالجلطة القلبية أو احتشاء عضلة القلب، خناق الصدر، وتضييق الشرايين المحيطية في الأطراف أو ما يعرف بالعرج المتقطع: وينتج عن تأثير التدخين وإحداثه لتضيق شديد في شرايين الأطراف، مما يؤدي إلي الألم أثناء المشي فيضطر المريض المصاب بهذا المرض إلي الوقوف حتي يخف الألم، ثم يتابع سيره ليقف من جديد بعد عودة الألم من جديد ولذلك سمي بالعرج المتقطع، ومع تزايد التضييق في الشريان المصابة فإن الدم الذي كان يصل إلي تلك الأنسجة يصبح غير كاف لإيصال الدم حتي أثناء الراحة، فيحدث تموت تدريجي في الأطراف وهذا ما يعرف بالغانغرين الذي غالباً ما يتطلب بتر الساق المصاب.
ويشير الحمصي إلي أن دراسة بريطانية حديثه عن التدخين أظهرت أن نصف عدد المدخنين يموتون بسبب التدخين. وإحصائياً فإن كل سيجارة تسلب من المدخن خمس دقائق ونصف دقيقة من حياته، لذلك فإن العمر المتوقع للمدخنين أقصر منه لدي غير المدخنين.
وفي دراسة إحصائية أمريكية أخري تبين أنه من أصل حوالي مليونين وفاة عام 1990 كانت الأمراض المرتبطة بالتدخين هي سبب الوفاة في 400 ألف حالة وإذا أضيفت إليها الوفيات الناجمة عن التدخين السلبي وصل العدد إلي 500 ألف ونتيجة لحملات التوعية انخفضت نسبة المدخنين من 41% إلي 25% من السكان ورافق ذلك انخفاض في نسبة سرطان الرئة بين الرجال، إلا أن نسبته عند النساء آخذة في الزيادة لازدياد عدد المدخنات.
أما تأثير التدخين علي الاقتصاد فيوضح د. الحمصي أن المدخن يدفع جزءاً من دخله ثمناً للتبغ، وقد يجعل لذلك أولوية للانفاق وذلك بسبب إدمانه التدخين كما أن العناية الصحية المقدمة للأمراض المرتبطة بالتدخين تكلف المجتمع أموالاً كثيرة. وفي دراسة حديثة تبين أن المدخنين يأخذون من المجتمع علي شكل تكاليف العناية الصحية أكثر بكثير مما يدفعونه للمجتمع من ضرائب.
ويبين الوضع في الدول النامية حدوث ازدياد عدد المدخنين بمعدل 3% سنوياً ويتوقع حدوث زيادة حالات الوفاة التي يسهم فيها التدخين في العالم من 2.5 مليون حالة، إلي حوالي 12 مليون في عام 2050 وتحاول شركات انتاج السجائر زيادة مبيعاتها في الدول النامية حيث لا توجد قيود صارمة علي الاعلان عن السجائر فيها، وحيث لا توجد ضرائب علي بيعها، كما هو الأمر في الدول الغربية التي تحارب التدخين.