حقوق الانسان- السابق

الإصلاح السياسي هو الأساس وهو البداية؟

 


د. أسامة نعيسة


إن كل المظاهر التي تتوالد هنا أو هناك من قبل الجهات الرسمية تدل علي أن محاولات الترقيع الحاصلة ناتجة عن عدة معطيات وظروف محلية ودولية.. بينما تقمع فيها السلطات تجمعا صغيرا حاول أن يحتفل في اليوم العالمي لحقوق الإنسان كان هناك تحضير لمؤتمر تنموي تشارك فيه السلطة مع الأمم المتحدة وبما يتطلب ذلك من إضفاء مسحة من التوافق الحضاري الدعائي اكثر مما هو موجود علي أرض الواقع أو يحاول منسقوه أن يوهمونا بأنهم يجارون متطلبات العصر والموضة من خلال ما يلاحظ أخيرا ترديد لتعابير الحقوق الإنسانية التي أخذت كليشاتها حيزا كبيرا في الخطاب السياسي الرسمي للنظام وحتي أن أحد أصحاب الامتياز الذي ندد قبل فترة بإلغاء المادة 8 من الدستور واعتبر المطالبة بإزالتها ارتدادا ونوعاً من الخيانة اخذ يجاري هذه التحولات في قطر من فترة قريبة جدا ومطالبا بالإصلاح وضرورته مع أهمية تبني كل المعاهدات الدولية في حقوق الإنسان؟؟


يرافق هذا كله تطبيل رسمي بهذا الإنجاز الرائع والحضاري الذي وصلناه مع تصوير أي فعل خطابي أو اجتماعي أو سياسي بسيط بأنه بداية للتجربة السويدية التي تتوالد عندنا مع كل ما تعنيه من اعتبارات العدل والمساواة وحرية الرأي والتعبير والحقوق الاقتصادية والثقافية التي ستعم علي كل المجتمع؟


لكن الواضح أن كل الطروحات التي تنادي بتطوير المجتمع في كل مجالاته الحيوية… مصادرة من قبل السلطات التي لم تسمح حتي الان بتواجد المجتمع المدني… إلا تلك المنظمات التي تطلق علي نفسها الشعبية وهي حكومية أو التي تدور في فلك المؤسسات الحكومية والحزبية الرسمية وأما باقي تشكيلات المجتمع المدني وتجمعاته… نشاهد فقط عمليات النط دائما من فوقه وهو بالمطلق غير مرخص لهم حتي الان ومتجاهل ويتم تجاوزه… وبما لا يفسح مجالا للشك بان السلطات تحاول أن تبني لنفسها هياكل معصرنة تجاري فيها التطورات والاستحقاقات في مجالات الديموقراطية وحقوق الإنسان مع المحافظة علي كل أدواتها وآلياتها ورموزها وامتيازاتها في القوالب والأسس التي تعودت عليها متمسكة فيها…. ومهما ترافق ذلك من استهجان عام سياسي وحقوقي محلي أو عالمي؟


تفرض الظروف الخاصة والعامة نفسها علي النظام في تكتيكه مع التعامل السياسي وبطريقة شد الخيط وعلي مبدأ شعرة معاوية… ترخيه عندما يتم شده من الأطراف الأخري أو العكس…. حاليا علي ما يبدو يلعب توقيع الشراكة الأوروبية دورا في بعض التحركات السياسية والاقتصادية التي يقوم بها النظام ولكن أي منها لم يكن شاملا وعاما وأصيلا وإنما يذكرنا بغلق بعض الرقع بجراحات تجميلية بدائية في نتائجها وأساليبها؟


في الوقت الذي نري أن هنا أو هناك انفراجات بدئية غير أساسية نجد بالمقابل ظواهر لنكسات وتراجعات لأسباب غير مفهومة تقوم بها السلطة تبدأ بتضييق الخناق وإزعاج – رموز المجتمع المدني أو كما يصفونهم -بالمشاغبين – من دعاة ونشطاء المجتمع المدني… المسالم بطبعه وآلياته… وتعتقل هنا أو هناك البعض منهم….وبعضهم تبقيهم تحت رحمة محاكم الطواريء… أو البعض ترميهم في السجون… أو تقوم بتلفيق بعض التهم وتحولهم إلي المحاكم الجنائية… مثلما حدث مع عضو مجلس أمناء لجان الدفاع عن الحريات الديموقراطية وحقوق الإنسان في سوريا أو كما حدث أيضا مع رئيس اللجان… أو تقوم بمضايقات لباقي رموز الجمعيات والمنظمات الحقوقية والسياسية الأخري؟


منع رئيس المنظمة العربية في سوريا من السفر لحضور مؤتمر… ومنع رئيس الجمعية السورية لحقوق الإنسان أيضا من السفر إلي اوروبا…. وكذلك منع رئيس لجان الدفاع من السفر لحضور المنتدي الموازي لمنتدي المستقبل في المغرب وتترافق هذه كلها أحيانا مع مضايقات علي المستوي الشخصي والعام؟


قد يكون من المفضل لو أن كل القضايا التي ينادي المجتمع فيها تتم مناقشتها ضمن إطار المساواة بين الجميع وليس بين سادة ومسودين أو إرغام الآخرين بتقبل أساليب الطرف السلطوي الأقوي…وإنما بالاتفاق علي الأسس التي لا يمكن للمجتمع أن يتراجع عنها أو يساوم عليها…. وان مرور الكرام عليها ومحاولة طمسها لن تؤدي إلي أي نتائج إيجابية ومقبولة… ولن تكون فاعلة ومنتجة مالم تتضح معالم رؤوس أقلام وعنوانين مشاكلنا… وأهمها قانون الطواريء وملفات المعتقلين والمنفيين والمفقودين والمحرومي الجنسية والحقوق المدنية وكلها ملفات عالقة لم يتم البت أو التطرق إليها علي أهميتها وإذا ما تطرق إليها سهوا يكون المساس بها باهتا وغير فاعل….. وفي هذا السياق يقول رئيس هيئة تخطيط الدولة:


أهم محاور السياسة السورية المقبلة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر برنامج متكامل للإصلاح والانفتاح الاقتصادي وتوسيع المشاركة الشعبية في الحياة السياسية…. في نفس الوقت نفهم المقصود من هذا الحديث عن الانفتاح هو المشاورات التي تمت ضمن نطاق النهج الواحد والمعروف منذ عقود… ومنها الحزب الشيوعي- خالد بكداش وهو تلك المجموعة التي أصبحت تملك امتيازات مثلها مثل بقية أعضاء الجبهة…. وهي ملكية اكثر من الملك نفسه… وقد تكون اكثر تشنجا من السلطة نفسها في مواقفها من الرأي الأخر وحرية التعبير والإصلاح السياسي؟


إن التطرق إلي إصلاحات اقتصادية واجتماعية وتنموية وغيرها وتجاهل الإصلاح السياسي هو عقبة جدية… وخاصة أن مدلولاتها تبين أن النظام مازال يراهن علي آليات العمل السياسي السابقة ولا ينوي التخلي عنها… ومازالت بالنسبة له الرأي الأخر يعني ما يطلق عليه – الجبهة الوطنية التقدمية – بينما الواقع يصنف هذه الجبهة علي أنها نسيج متكامل ومتضامن وجزء لايتجزأ من مؤسسات النظام وأجهزته الشبه الرسمية؟ ويتابع رئيس تخطيط الدولة كلامه:


توسيع المشاركة الشعبية في الحياة السياسية من خلال تطوير عمل الجبهة التقدمية وتوسيع الحرية الإعلامية؟….. لم يقل توسيع مشاركة الأطياف السياسية الأخري وإعطاء حرية تعبير كاملة لكل المجتمع؟؟ في ورشة العمل المشرفة عليها الأمم المتحدة يلاحظ تجاهل تام ومقصود لكل حركة المجتمع المدني وتغييب لكل فعالياته؟


الاعتصام في اليوم العالمي لحقوق الإنسان اعتمد النظام حجة واهية لمنعة وهي أن القائمين عليه لم يحصلوا علي الرخصة المطلوبة…. ويبادرنا سؤال؟… لو طلبت الجمعيات والأحزاب غير المرخصة بالسماح.. هل كانت السلطة ستعطيهم الموافقة علي ذلك؟


عدنا مرة أخري إلي الجدل الأزلي من كان مخلوقا أولا البيضة أم الدجاجة؟


إن التعبير السلمي مكفول دستوريا للمواطن وكذلك تشكيل الجمعيات الأهلية…. وإذا كان قانون الطواريء هو الشماعة التي يرمي عليه كل التجاوزات والانتهاكات والمخالفات والقمع…… فهي تعيدنا إلي نقطة الصفر… أن كل الحلول تبدأ وتنتهي بإلغائه ولن يتم إلغاؤه إلا بقرار سياسي وان الإصلاح السياسي الأساس والاهم قبل أي حديث عن أي إصلاح آخر وإذا ما تم ذلك… وعلي المدي المنظور من المرجح لن نسمع عن تباشيره شيئا.. فإن مشاركة كل أطياف المجتمع في الحراك السياسي والحد من القمع والاستهتار بالقانون ومكافحة الفساد.. ستنطلق وبحماية القانون وسترسخ خطوة وراء خطوة بوادر الديموقراطية الحقيقية وليست المركزية وغيرها.. عندها لن نسمع ونشاهد طحنا بدون طحين؟



 


[email protected]


* موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان


 

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X