د. ريو يونج يول*
تكمن بذور الديمقراطية في مبدأ مؤداه ان شرعية السلطة في صنع القرارات التي تمس حياة الشعوب، ومجتمعاتهم وبلدانهم، تستمد من قدرة من ترتد عليهم آثارها علي الاختيار.
وعلي مدي قرون عدة، اقتصرت أسس تلك الشرعية علي حدود معينة، كما تم اقصاء الكثيرين من عملية الاختيار، وذلك علي غرار العبيد، وغير المتملكين، وغير الحاصلين علي تعليم رسمي، وغير المتحضرين وممن لا ينتمون الي الثقافة والدين السائدين في المجتمع، والملونين، أو أعضاء بعض الجماعات العرقية، وسكان البلاد التي استعمرت وضمت بقوة السلاح، وقبل كل ذلك تجيء المرأة.
ولقد اكتسب حق الاقتراع من خلال الكفاح في المجتمع، أما عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، فقد نجحت حركات التحرر والنضال ضد الاستعمار في انتزاعه في العديد من الدول، وهكذا فقد فاز اليوم أغلب من كانوا مستبعدين في الماضي بحقهم في الاختيار وفي الانضمام الي عضوية المؤسسات الحكومية، كما تم الاعتراف بالاقتراع العام في ظل أجواء انتخابية حرة ونزيهة باعتباره أبسط معايير الديمقراطية في المجتمع.
إلا أنه – وبالرغم من ذلك – فقد بدا واضحاً ان الاقتراع العام في الدول الوليدة او حديثة العهد بالديمقراطية، لم يكن كافياً في حد ذاته ليسفر عن تأسيس سلطات تشريعية تمثيلية، فقد استمرت عملية استبعاد العديد من القطاعات، وبوجه خاص الفئات الريفية الفقيرة، والأقل تعليماً، والمرأة ايضاً.. والأكثر من ذلك ان نسبة تمثيل المرأة في المجالس التشريعية منخفضة للغاية، ومن هنا يطرح السؤال حول الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ وما هو الفارق بين أن تمثل المرأة في المجالس التشريعية عن غيرها من المؤسسات الحكومية.
ومن الأهمية بمكان أن ندرك أن القضية لا تقف عند حدود الأرقام، فإذا كان الهدف من القرارات السياسية التي تتخذ والقوانين التي تسن هو تحقيق مصلحة كافة أفراد المجتمع، فإن المدي الذي يستطيع جهاز صنع القرار – وفقاً له – ان يضع في حسبانه الخبرات العريضة والمتفاوتة للمجتمع، هذا المدي هو الذي من شأنه ان يحدد درجة صلاحية تلك القرارات وقدرتها علي تلبية احتياجات المجتمع بأكمله وليست جماعة واحدة بعينها او بعضاً منه.
وفي الوقت الذي غالباً ما يتركز الجدل الدائر حول حق المرأة في الاقتراع ومشاركتها في عملية صنع القرار علي قضايا العدالة، والمساواة، وحقوق الإنسان، فإنه قد يكون بوسع مسألة تمثيل المرأة، وتطعيم عملية صنع القرار بما لدي المرأة من مدركات وخبرات، ان يؤديا حتماً الي ايجاد حل أكثر عملية وإرضاء لقطاع أوسع من المجتمع، وفي هذا جواب شاف حول الدافع وراء أهمية ان تكون المرأة جزءاً من عملية صنع القرار والنتائج المترتبة علي ذلك، وهنا يمكنني القول بأن تقدم وتطوير المرأة يعمل بمثابة معيار حاسم للديمقراطية في الدول كافة.
إن الديمقراطية كلمة شائعة جداً صارت هدفاً للأفراد والأمم في كافة أنحاء العالم بالرغم من التعريفات المراوغة للمصطلح في حد ذاته.. وكما نعلم فإن الديمقراطية غالباً ما تأتي في اطار التعريف التقليدي للسياسة، والذي اتسم بدوره بسيطرة الرجل، وخاصة فيما يتعلق بالنطاق الشعبي العام الذي لا يحمل بالضرورة مشاعر ودية تجاه المرأة، ولهذه الأسباب وبالرغم من تزايد شعبية مفهوم الديمقراطية وممارساتها، فما يزال السؤال الخاص بوجوب ربط الديمقراطية بالنوع مطروحاً، وما تزال هناك حاجة للإجابة عليه.. وفي هذا الصدد، فسوف ألقي الضوء علي بعض الحجج الرئيسية التي غالباً ما تتكرر في هذا الشأن:
أولا: ان الحقوق السياسية للمرأة – ووضعاً في الاعتبار اتساع نطاق تعريف السياسة ليشمل كافة نواحي الحياة اليومية – تعد جزءاً متكاملاً ومتلازماً لحقوقها الإنسانية، وفي المقابل فإن حقوق الإنسان تمثل سمة جوهرية لأي إطار ديمقراطي.
ثانياً: ان الحجة التي يستند إليها عند الربط بين الديمقراطية والنوع تتمثل في أنه في الديمقراطيات ينبغي أن تؤخذ رؤي كافة الجماعات ذات الصلة في الحسبان، وذلك عندما يتعلق الأمر بصياغة القرار أياً كان، أو المضي قُدماً في أية استراتيجية وبعبارة أخري، فإنه يتعين ان تشتمل الديمقراطية علي آراء ومدركات المرأة أسوة بالرجل، وقد استخدمت هذه الحجة ايضاً لتبرير الحاجة الي إدراج الأقليات في عمليات صنع القرار.
ثالثا: ربما يكون السبب الوحيد الأكثر منطقية لربط الديمقراطية بالنوع هو ان المرأة تمثل بالفعل نصف سكان العالم ونصف تعداد كل دولة به، إن دراسات المرأة والخبرات العملية المتراكمة قد أوضحت ان المرأة ليست ولا ينبغي ان تعتبر أقلية، وفي الواقع فإن عدد النساء – كشأن الرجال – أكبر من أن ينظر إليه كأقلية من حيث المفهوم.. وهكذا، فلم يعد إدراك القضايا، وتطوير السياسات التي تؤثر – بصورة مباشرة أو غير مباشرة – في حياة المواطن دون وضع المواقف، والمناظير والحقائق المتعلقة بكل من سيتأثرون بذلك في الحسبان، لم يعد يحظي بالمصداقية في عالمنا اليوم.
وبالتالي، فإن وضع المنظور النوعي في الاعتبار، ومشاركة الرجل والمرأة في عمليات صنع القرار يعد شرطاً لازماً لأي نظام ديمقراطي، ومن ثم فلا يمكن للديمقراطية – وفقاً لهذا المعني – أن تغض الطرف عن مسألة النوع، وإنما يجب ان تناضل من أجل تحقيق المساواة وتمثيل النساء والرجال في عمليات صنع القرار، ولأجل خلق الفرص لتحقيق هذين الهدفين.. وبإيجاز، لن يكون بمقدورنا أن نصف دولة ما بالديمقراطية إلا اذا كانت تضمن المرأة داخل إطارها.
وبالرغم من كل هذه الخطب المثالية، فإن الحقيقة غالباً ما تسير في الاتجاه العكسي، فسيادة الروح الأبوية، وتبعية المرأة، والإدراك المتأصل عن كون حقل العمل العام محجوزاً للرجل، وان العقد الاجتماعي يتعلق بالعلاقة بين الرجل والحكومة، وليس بين المواطنين والحكومة، كل تلك العناصر مجتمعة قد أدت الي إقصاء المرأة، وذلك بالرغم من الحقوق التي يكفلها القانون وما يطلق عليه ديمقراطية المشاركة.
فما تزال المرأة في العديد من الدول تواجه عقبات في ممارسة حقوقها السياسية لتختار وتختار، وذلك بفعل المعوقات الثقافية، والأبوية والاقتصادية، كما أنها ما تزال تجد صعوبة في دخول المؤسسات الحكومية، بالاضافة الي فشل الأحزاب السياسية في اختيار المرأة كمرشح لها، هذا الي جانب ما تعكسه الانتخابات من قوالب نمطية قائمة علي النوع داخل المجتمع، تتمثل في وقوع الاختيار علي الرجل.. ومرة أخري، تجد المرأة داخل المؤسسة معوقات جديدة تحد من قدرتها علي العمل، فقد جرت العادة علي أن تتطور مؤسسات الدولة – كغيرها – وفقاً للمجتمع الأبوي، وتتشكل وفقاً لفرضيات قائمة علي علاقات نوعية غير متساوية، وعلي أرضية أن الرجل وحده هو القادر علي العمل ضمن تلك المؤسسات.
كل هذه العوائق الاجتماعية ينبغي ان يعاد ضبطها وتحويلها لتضمن المرأة في النظام السياسي والاجتماعي، فلن يكون بمقدورنا ان نصف نظاماً ما بالديمقراطية قبل ان تختفي كل العوائق الاجتماعية من أمام المرأة، وانطلاقاً من حقيقة قبوع المرأة في أسفل التصنيف المجتمعي، فإنه يجب علينا ان ننظر إليها كحكم وكمعيار لديمقراطية المجتمع، وهذا يفسر السبب في تضمين تقارير أغلب التنظيمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة للتنمية UNDP ومنظمة التعاون الاقتصادي OECD تصنيفاً لوضعية المرأة سنويا، وذلك بغرض تشجيع التنمية الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية للدول الأعضاء.
أخلص من ذلك الي انه باستطاعتي القول بأنه يمكن النظر الي الديمقراطية من خلال وضعية المرأة.
* رئيس مجلس إدارة المعهد الكوري للشرق الأوسط وأفريقيا
ألقيت في مؤتمر قطر للديمقراطية والتجارة الحرة