القاهرة -محمود فهمي :
بين الفينة والاخرى يعود الحديث عن يهود مصر سواء كان من النظام الحالي او من المعارضة ولكن في كلتا الحالتين كانت التصريحات تقابل من غالبية الشعب المصري بهجوم حاد ففي الوقت الذي واصل فيه التيار الاسلامي هجومه على الدكتور محمد البرادعي بعد تصريحاته عن الهولوكوست والتي قال فيها ان هذه المحرقة جريمة ضد البشرية رحب الدكتور عصام العريان القيادي بجماعة الاخوان المسلمين بعودة اليهود المصريين الذين تركوا مصر في الخمسينيات وما قبلها وذلك من خلال لقاء تليفزيوني، قائلاً: “يا ريت اليهود بتوعنا يرجعولنا بعد كده، عشان يفسحوا مكان للفلسطينيين بقى، يعني الفلسطينيين يرجعوا بلدهم، واليهود العرب يرجعوا بلادهم.
هذه الدعوة التي لاقت ترحيبا من قبل اليهود في جميع انحاء العالم خاصة بعد ان طرحت تل ابيب ملفا يطالب باسترداد ممتلكاتهم في مصر على الامم المتحدة .
اعتبرها سياسيون سقطة جديدة لجماعة الاخوان المسلمين بإتهامات صريحة بتنفيذ مشروع أمريكي لحل الصراع العربى الاسرائيلى على حساب الامن القومى المصرى .
واليهود المصريون هم الطائفة اليهودية التي سكنت مصر قديما، وكانت من أكبر الطوائف اليهودية في العالم العربي وأكثرها نفوذا وانفتاحا وتأثيرا ومشاركة في مختلف المجالات في المجتمع المصري الحديث. و يشكل هؤلاء أقدم مجتمع يهودي حيث يعود تاريخ وجود اليهود في مصر إلى بداية أول أسرة يهودية، وهي أسرة يعقوب بن إسحاق وهجرتها بعد وصول النبي يوسف إلى منصب هام في حكم مصر ولحاق إخوته به إثر المجاعة التي عمت الشرق الأوسط.
وانقسم المجتمع اليهودي المصري إلى ثلاثة أقسام مختلفة هم اليهود المصريون من أبناء البلد …
والجزء الثانى اليهود “المتمصرون” وهم من أصل أجنبي هاجروا إلى مصر وتخلوا عن جنسيتهم الأصلية وتجنسوا بالجنسية المصرية…
اما الجزء الثالث هم اليهود الأجانب أي يهود من جنسيات مختلفة اختاروا الحياة في مصر ولكنهم احتفظوا بجنسيتهم الأصلية ….
وفي عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ارتفعت حدة الصراع بين ثوار يوليو وإسرائيل خاصة بعد دعوة الدولة العبرية لليهود من جميع أنحاء العالم للهجرة إليها، فبدأ يهود مصر بالتحول إلى إسرائيل، ولوحظ زيادة انتمائهم إليها عن مصر، وقد تم كشف العديد من شبكات التجسس الإسرائيلية فى هذا الوقت ، كان أعضائها من يهود مصر، وبعد احتلال إسرائيل لسيناء بدأت إسرائيل فى استخدام بعضهم للتجسس على نطاق واسع.
وبعد انتصار مصر في حرب أكتوبر 1973، في الثمانينيات تم رصد بعض محاولات النزوح لمصر من قبل عدد قليل جدًا من العائلات، ولكن طبقًا للدستور المصري، بحصول هؤلاء اليهود على الجنسية الإسرائيلية فإنه تم تجريدهم من الجنسية المصرية نهائيًا، وتم رفض طلبات النزوح وتم ترحيلهم من أمام الحدود المصرية.
وتُشير التقديرات إلى أن أعداد اليهود بشكل عام فى مصر حتى عام 1947 كانت تتراوح ما بين 64 و75 ألفًا، وأصبح عددهم حاليًا لا يتعدّى مائة شخص متفرّقين بين القاهرة والإسكندرية ومعظمهم من الطاعنين فى السن. وعمومًا لا تُوجد إحصائيات دقيقة تُوضّح عدد اليهود في مصر في الوقت الراهن.
قال الدكتور أحمد دراج القيادي بحزب الدستور إن تصريحات العريان بشأن عودة اليهود المهاجرين إلى إسرائيل للعيش في مصر، عبثية وسقطة جديدة للإخوان الذين هاجموا الدكتور محمد البرادعي رئيس الحزب، بعد إدانته للهولوكوست، وهم الآن يدعون يهود إسرائيل للعيش في مصر، وأعتقد أن مثل تلك التصريحات جاءت لتغازل الغرب وأمريكا، وإظهار الإخوان كما لو أنها متسامحة، في الوقت الذي حرمت فيه بعض قياداتها تهنئة الأقباط شركاء الوطن بعيد الميلاد .
كما استنكر القطب اليساري عبد الغفار شكر وكيل مؤسسي حزب التحالف الشعبي الاشتراكي والقيادي بجبهة الإنقاذ الوطني تلك التصريحات مبديا دهشته وصدمته الشديدة، مضيفا” أنا مندهش حقيقةً، فمصر تعانى أزمات اقتصادية وسياسية، ويأتي العريان فجأة ليتذكر اليهود المصريين؟، وعلى الرغم أنه ليس وقته وليس الأمر مطروحا للنقاش على الساحة من الأصل، فأنا ليس لدي تفسير لتلك التصريحات وعلى العريان أن يوضح مغزاها “.
واتهم أبو العز الحريري المرشح السابق لرئاسة الجمهورية جماعة الإخوان بتنفيذ مشروع أمريكي لحل المشكلة الصهيونية العربية على حساب الامن القومى المصرى …
وأضاف الحريري “تلك التصريحات في ذلك التوقيت تتفق مع المادة 145 في الدستور الجديد والتي تتيح لرئيس الجمهورية الحق في مباشرة المعاهدات التي تتعلق بحقوق السيادة وتغيير حدود مصر باعتبارها من حقوق السيادة، بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلسي الشعب والشورى، مما قد يترتب عليه تنفيذ المخطط الأمريكي المزعوم تحت مسمى “الشرق الأوسط الجديد”.
واعتبر الحريري أن تصريحات العريان حول اليهود المصريين في ذلك التوقيت وبعد خطاب الرئيس مرسي الذي أعلن فيه إقرار الدستور تكشف عن نية الجماعة تجاه التفريط في الوطن عبر التجاوب مع أمريكا وإسرائيل وحل القضية الفلسطينية على حساب الأراضي المصرية، “على حد قوله”، بعد اطمئنان الجماعة لتلك السلطة وتمرير الدستور، معتبرا تلك التصريحات أسوأ بكثير من التطبيع مع إسرائيل الذي ناضلت ضده قوى المعارضة “الشريفة” في السنوات الماضية.
وتساءل الحريري لماذا لم يوجه العريان نداءه بالعودة لمصر لكل المصريين المهاجرين في الخارج؟ ولماذا خص منهم اليهود تحديدا؟، مضيفا كان حريا به أن يدعو كل يهودي للعودة إلى بلاده الأصلية وترك فلسطين حتى يعود اللاجئين الفلسطينيين لأراضيهم، لكن دعوته بعودة اليهود المصريين تساهم في تدعيم موقف الصهيونية وهى دعوة مريبة وغير وطنية لأن اليهود المصريين رحلوا وحصلوا على كل حقوقهم ولم يعد لهم شيء بمصر”.
وقال حافظ أبو سعدة الناشط الحقوقي إن المطالبة بعودة اليهود المصريين إلى مصر بعد طردهم في عهد الرئيس جمال عبد الناصر كلام خطير جدا لأن القيادي الإخواني يعبر عن اتفاقيات سرية أو اتجاهات ما لحل المشكلة الفلسطينية على حساب مصر.
وأضاف أبو سعدة .. أن تصريح العريان هو جهل بالتاريخ بشكل غير عادي لأن هجرة اليهود المصريين إلى خارج مصر تمت أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها وهذا بفعل الوكالة الصهيونية للتهجير وأخر أعمال هذه الوكالة تهجيرهم ليهود روسيا ويهود الفلاشا في أثيوبيا من خلال مفاوضاتهم مع رؤساء هذه الدول.
وأوضح أبو سعدة :” بخصوص اليهود المصريين الذين تبقوا عقب الحرب العالمية الثانية وعقب ثورة 1952هاجروا أيضا بسبب الهجمات الإرهابية التى نفذتها عصابات صهيونية ضدهم والتي تمثلت في حرق محلاتهم ومنازلهم لإجبارهم على الهجرة إلى إسرائيل وترك مصر حتى لا يستفيد نظام عبد الناصر من استثمارات اليهود المصريين بالإضافة لتعزيز وجود اليهود في إسرائيل ليكون على حساب العرب”.
من جهة أخرى أشار أبو سعده إلى أن تصريحات العريان قد تتسبب في مساءلات قانونية دولية لمصر ينتج عنها عقوبات دولية، حيث أنه من الممكن أيضا استغلالها قضائيا فى الخارج ويتم الحكم بتعويضات مالية على مصر باعتبار العريان هو أحد مستشاري الرئيس مرسي، والكيان الصهيوني بارع في مقاضاة أي دولة يثبت أنها أهانت اليهود .
نادر بكار، المتحدث الرسمى لحزب النور السلفي، قال إنه لا بد أن يحرص السياسى فضلا عن صاحب الموقع التنفيذى على مراعاة تصريحاته للسياق العام ولحال السامعين، وكلاهما كان غائباً فى تصريحات عصام العريان عن عودة اليهود …
وأضاف بكار، فى تغريدة له عبر حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعى “تويتر”، أن الدين حرم الظلم ضد أى مخلوق متسائلا ما مناسبة الحديث الآن عن يهود كانوا فى مصر؟ قائلا،” فارق بين تصريحاتك كمسئول حزبى وبين كونك مستشارا للرئاسة”.
وأشار بكار إلى أن التسوية بين من أجبر على مغادرة أرضه بعد احتلالها وبين من هاجر إلى أرض مغتصبة محتلة أمر لا يقبله عاقل، مضيفا أنه يتفق مع كل من يقول إن هذه التصريحات لو كانت خرجت من البرادعى أو موسى لقامت الدنيا، ولم تقعد لكننى كما انتقدت تصريح البرادعى عن الهولوكوست انتقد هذا التصريح أيضا.
الكاتب الصحفي عزازي علي عزازي، محافظ الشرقية السابق وعضو مجلس أمناء التيار الشعبى، قال للراية :” اليهود خرجوا من مصر بكامل إرادتهم ودون ضغط من أحد كما ادعي العريان للمشاركة في بناء المشروع الصهيوني،مشيرا إلي أن عودتهم لمصر سيعطيهم حقوقا مادية ومعنوية ليست من حقهم “.
وأوضح محافظ الشرقية السابق أن العريان لم يدل بتصريحه هذا من تلقاء نفسه ولكن الجماعة علي علم تام بكل شئ لأن الإخوان يعرفون أنه لولا الدعم الأمريكي لما وصلوا للحكم،لافتا إلي أن دولة العدو الصهيوني هي المفتاح الملكي للموقف الأمريكي
أما الشيخ عبود الزمر، أحد مؤسسى الجماعة الاسلامية فكان له رأي مخالف وقال :” إنَّ عدد اليهود الذين كانوا موجودين بمصر أيام الرئيس جمال عبد الناصر قليل جدلاً”وأوضح أنَّ تصريح العريان عن إمكانية عودتهم لمصر مرة ثانية هدفه إبراز الاعتدال في المنهج الإسلامي مع أتباع الأديان الأخرى”، مشيرًا إلى أنَّه يعبر عن حزبه وليس وجهة نظر المؤسَّسة الرسمية.
وأكَّد الزمر أنَّ العريان كان ينبغي عليه أن يتبع تصريحه بتوضيح لكي يغلق الباب أمام الاجتهادات الخاطئة في ظلّ تربص البعض بالتيارات الإسلامية والسعي لاصطياد الأخطاء إليها.
وأضاف أن دعوة العريان خطيرة للغاية وكأنه يريد مكافأة اليهود على صهيونيتهم وجرائمهم بحق الشعب الفلسطيني، معتبرا الدعوة بمثابة فتح أفق جديد للتطبيع مع العدو الصهيوني وهو الأمر الذي ترفضه جميع القوي السياسية.
وعبر الدكتور خالد سعيد،المتحدث الرسمي باسم الجبهة السلفية،عن رفضه لدعوة الدكتور عصام العريان لليهود المصريين بفلسطين للعودة لمصر مرة أخرى ،قائلا”عودة اليهود لمصر أمر مرفوض لأنهم تركوا البلاد بمحض إرادتهم للحصول على الشرف والهوية الصهيونية”.
واعتبر سعيد دعوة العريان لليهود المصريين بالعودة إلى مصر بأنها محاولة لحل القضية الفلسطينية على حساب الشعب المصري،لافتا إلى أن المصريين لم ولن يقبلوا بأي حلول على حساب وطنهم،لافتا إلى أن دعم القضية الفلسطينية مطلب شعبي للجميع ولكن ليس على حساب الوطن.
وقال المتحدث الرسمي باسم الجبهة السلفية”مش ناقصين عودة اليهود لمصر وتدنيسهم للبلاد مرة أخرى،والعريان لا يمثل سوى نفسه وأدعو جماعة الإخوان المسلمين بإعلان موقفها واتخاذ الإجراءات ضد القيادي الإخواني .