بقلم – سليم عزوز:
قبل عدة شهور، بدا السيسي في خطابه، كما لو كان يفكر بصوت مسموع، وهو يقول إنه يستطيع بكتيبتين أن يسيطر على مواقع التواصل الاجتماعي ويجعل منها دائرة مغلقة، ولم نكن نعلم أنه قد أقدم على هذه الخطوة، بيد أن الفشل كان حليفه، قبل أن ينتهي الأمر إلى فضيحة يتغنى بها الركبان!
الإعلام يؤرق قائد الانقلاب العسكري في مصر، رغم أنه أغلق الصحف والقنوات التي من المحتمل أن تعارضه، ولم يبق إلا على إعلام الموالاة، لكنه مع هذا دائم الشكوى منه، وإذا كان الناصريون قد ابتهجوا بقدومه، وقدموه على أنه عبد الناصر، فإنه لم يذكر قائدهم على طرف لسانه، إلا عند الحديث عن تجربته الإعلامية، وتمكنه من أن يكون الإعلام تابعاً له. والذين يتابعون خطبه يعلمون أنه يعيش في أرق، من مواقع التواصل الاجتماعي، التي وصفها بأنها تمثل حروب الجيل الرابع، وقال المتحدث العسكري في التفسير والتوضيح، إن حروب الجيل الرابع هذه تقوم على فكرة مفادها كيف تجعل خصمك يستيقظ ميتاً، لينضم هذا التصريح إلى كتاب التصريحات العبقرية للجنرالات في مصر، وليس أولها الاختراع العبقري بمواجهة الفئران بالبراغيث، أو معالجة الإيدز بالكفتة، أو مواجهة الجفاف بزراعة الموز، أو ترك سد النهضة بدون اعتراض عليه، لأنه سينهار من تلقاء نفسه!
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي، تمثل شيئاً أكثر من أنها أداة تنفيس، عن الشعب المغلوب على أمره، والذي يعلم أنه إذا خرج يعترض على السياسات الرعناء، التي تقود للإفقار، فإنه سيواجه بعنف السلطة، ومدرعات الجيش، فكان اللجوء لهذه المواقع لـ “فش الغليل”، والتنفيس عن الغضب حتى لا يموت المرء كمداً من جراء الضغوط، وإذا كانت هذه المواقع أفقدت السيسي هيبته، فقد قدم هو المادة الخام لمن يتعاملون معها، حتى أصبحت السخرية منه تحتل المرتبة الأولى عالمياً، مثلما حدث مع الهاشتاج الأخير الخاص بثلاجته!
لقد هدد السيسي بأنه يتابع هذه المواقع بنفسه. ولو انشغل بالعمل انشغاله بمراقبتها، فربما نفخ الله في صورته وأمكنه أن يزايد على خصومه بنجاحه. كما هددت وزارة الداخلية بأنها تراقب “الفيس بوك” و”تويتر”، ولديها من الأجهزة الحديثة ما يمكنها من التوصل إلى أصحاب الصفحات، حتى وإن كانوا يدخلون بأسماء مستعارة، ذلك بأن تهديدات سابقة، صدرت ضد أصحابها دفعت كثيرين للكتابة بغير أسمائهم الحقيقية، وبالفعل ألقت الوزارة القبض على عدد من أصحاب هذه الصفحات ووجهت لهم الاتهام بالعمل على تعطيل الدستور، وقلب نظام الحكم!.
وربما توقف البعض عن الكتابة بالأسماء الحقيقية أو المستعارة، فتأسس ما سمي بجيش مصر الإلكتروني، الذي حقق انتصاراً عظيماً باختراقه لمواقع بعض الثوار، وتم نقل الموقعة على الهواء مباشرة، في بعض برامج “التوك شو” في الفضائيات الموالية للانقلاب، وإذ سألت بعض هؤلاء الذين تم اختراق حساباتهم على الهواء، فقالوا لي إن جيش عبد الفتاح السيسي الإلكتروني صنع صفحات بأسمائهم ثم قام باختراق ما صنع!
كان واضحاً أن الجيش الإلكتروني، مكون من مجموعة تقدم نفسها لأن تكون في خدمة أولي الأمر، لكنهم وجدوا أنفسهم مع من لا يثق إلا في من يختارهم بنفسه، فانتهى أمرهم عند هذا النصر الزائف، في موقعة “الفيس بوك” الكبرى، وإن ظلت صفحة تحمل اسم جيش مصر الإلكتروني تنشر دفاعات عن الحكم، وتبريراً لسياساته وفشله.
لقد كان السيسي وهو يتحدث عن عملية “تقفيل” المواقع بكتيبتين، يتحدث عما يفعله فعلاً، فقد تأسست الكتيبتان، لكن “الفيس بوك” ليس مقهى في منطقة وسط البلد، أو شارعاً في حي شعبي، يمكن لفرقة من قسم الشرطة بالمنطقة، أن يغلق المقهى، أو يقفل الشارع، مع التذكير بأن الاصطلاح “يقفل” مستدعى من ثقافة الشبيحة، وقد جرى في خطاب السيسي الدمج بينه وبين مفهوم الكتيبة، وهي اصطلاح عسكري.
الدكتور خالد رفعت، الأستاذ بجامعة قناة السويس، كشف عن اللجان الإلكترونية لعبد الفتاح السيسي، وقد كان هو واحداً من هذه اللجان، ولا نعرف أسباب خروجه منها، وتجريس من فيها، فقد أكد أنها تشكلت باسم صحفي يدعى إبراهيم الجارحي!
لا أعرف الجارحي هذا، وأول مرة أسمع باسمه كان بمؤتمر الشباب في شرم الشيخ، عندما حرض في حضور السيسي على حرية الصحافة، وتصدى له إبراهيم عيسى، وسط حالة من الضحك الهستيري للسيسي، غير المبرر، فلم يكونا في منافسة في فقرة حول “أحسن نكتة”. وعندما سألت عنه بعد فضيحة ترؤسه للجان الإلكترونية؟، قال أحد الأصدقاء: لقد كان يقدم برنامجاً في راديو المخابرات “9090”، أو شيئاً من هذا القبيل، وهي المحطة الإذاعية التي حصلت على الترخيص القانوني في عهد حكم الإخوان، وإذ كان الترخيص حمل اسم أحد الإعلاميين الذين أخرجتهم الثورة من مبنى التلفزيون، وهو عبد اللطيف المناوي رئيس قطاع الأخبار، وهو من اختيار صفوت الشريف وجمال مبارك، قبل أن يكون اختيار المجلس العسكري، فقد استنكرت هذا في حينه، فقيل لي إن المخابرات هي من تملك المحطة، وبالتالي تمت الموافقة على الترخيص لها، ورفض الترخيص لعشرات الطلبات الأخرى!
لا بأس، فالبأس الشديد أنه عندما تفجرت الفضيحة، أعلن الجارحي أنه لا يعمل تحت إمرة النظام فهو جزء منه، فقد وصلنا لمرحلة المجاهرة بالإثم، فأي صحفي محترف هذا الذي يقبل على نفسه أن يعمل في لجان إلكترونية موجهة، من ضمن مهامها نشر الشائعات، وشرف الصحفي في مصداقيته، فإن فقدها فإنه يفقد صفته الإعلامية، ولا يكتسبها ولو بعملية ترقيع لغشاء البكارة، كما يحاول صاحبنا أن يفعل الآن بالقول أنه شريك في الحكم!
“الجارحي” ليس موضوعنا، فلسنا أمام صحفي له اسم في سوق القراءة، فالفضيحة هي للنظام الفاشل، الذي يمتلك ترسانة من وسائل الإعلام، ومع ذلك لا تسعفه فيكون البديل هو لجان إلكترونية، تعمل على الدعاية له، بنشر الشائعات والأكاذيب، كما كشفت التعليمات التي سربها “خالد رفعت” من الصفحة المغلقة لأعضاء هذه اللجان، حيث الأمر: “بعمل موجة كبيرة على الفيس بوك بمعلومات إيجابية وإشاعات لإضعاف الدولار”. وقد تابعنا هذه الحملة التي رفعت شعار الدولار ينهار أمام الجنيه، والتي لم تلبث سوى ساعات، قبل صدور قرار تعويم الجنيه، لنفاجأ بخرس اللجان، فقد اختفت في ظروف غامضة، ولم يظهر أحد من هؤلاء الكذابين للناس متحدثاً عن انهيار الدولار!
كما رأينا الأمر من الجارحي نفسه لأعضاء اللجان الإلكترونية بألا ينتقدوا السياسات الاقتصادية التي اتخذها النظام، وقوله: “مش علشان القرارات وصلت لجيوبنا فنتهم الدولة بالفشل”، والمعنى أن هذه اللجان التي ينفق عليها من أموال الدولة المصرية، أحياناً ونتيجة أنها تفاجأ بالقرارات الفاشلة فإنها تفقد قدرتها على التحمل، فينطلق بعض المنخرطين فيها يهاجمون القرارات ويتهمون السلطة بالفشل!
ثم أي سلطة هذه التي ترعى لجاناً إلكترونية تدعم قراراتها بنشر الشائعات، وباختراق صفحات الخصم السياسي، بدلاً من الرد عليه وإفحامه بالحجة والمنطق، والدعوة للاحتشاد بالريبورتات ضد هذه الصفحة أو تلك من أجل إغلاقها، أو بالاحتشاد بدعم “طارق عامر لأن الإخوان نازلين تقطيع في الرجل”.
ومع هذه الرعاية من قبل السلطة للجان، فإنها تفشل في مهمة الدعاية، وتبرير القرارات الفاشلة، سواء بالحقائق أو الشائعات!
لقد قيل قديماً: ماذا تفعل الماشطة في الوجه العكر!
كاتب وصحفي مصري