معاق يملك أشهر شركة لخدمة ذوي الإعاقة
صَنَعَ أوّل سكوتر يعمل ببطارية ورافعة كرسي متحرك
بنى إمبراطورية قيمة مبيعاتها 200 مليون دولار
بدأ عمله بمرآب منزل العائلة ووصل للعالمية
إرادته أثبتت خطأ الأطباء بعدم استطاعته الاعتماد على نفسه
مثال حيٌّ على أن المعاقين يمكنهم المشاركة بفعالية في الحياة
يقطع 50 ألف ميل سنوياً لمتابعة أعماله رغم إعاقته
ترجمة وإعداد – كريم المالكي:
قبل أن يصبح رالف براون طفلاً مُقيّداً في كرسيّ مُتحرّك كأيّ شخص من ذوي الإعاقة، أخبره الأطباء وهو في السادسة بأنّه لن يكمل الثالثة عشرة، لكن لم تمنعه إعاقته أو توقّعات الأطباء من تحقيق تطلّعاته في أن يقدّم خدمة للبشريّة لا تقدّر بثمن، فضلاً عن بناء إمبراطوريّة وصلت قيمة مبيعاتها 200 مليون دولار.
ولا يعرف الكثيرون في أمريكا من هو رالف، ولكن الآلاف من ذوي الإعاقة، وممن يعيشون في بلدة وناماك الصغيرة في إنديانا، يقولون إنه أُسطورة حقيقيّة. وإذا ما شُوهدت أي سيارة أو ميني باص فيهما رافعة كرسيّ مُتحرّك، فإن الكلّ يشير إلى مُؤسّسة براون، التي أسّسها رالف. لقد قدّم للعالم خدمة غير اعتيادية بتوفير رافعات الكراسي المتحرّكة وسيارات ميني باص محوّرة أصبحت متاحة للجميع، ويستفيد منها المعاقون في التنقل لكي يعيشوا حياة مستقلة.
تحدي الإعاقة
حينما كان رالف صبياً صغيراً بنهاية الأربعينيات شخّص الأطباء حالته بضمور العضلات، وأخبروا والدَيه بأنه لن يعتمد على نفسه، ولكن كان له ولوالديه رأي آخر، فقد صمّموا على إثبات خطأ رأي الأطباء، وفي السنوات التالية، أصبح رالف لا يستطيع المشي.
وفي سنّ مبكرة، وضع في عقله البدء بهندسة شيء يجعله يعتمد على نفسه بسبب حالته الجسمانية، ونجح فعلاً في تصنيع أوّل سكوتر يعمل ببطارية، وثم صمّم أول رافعة كرسي مُتحرّك في العالم، مثبتة بسيارة جيب قديمة ومجهّزة بعدة كاملة للتحكُّم اليدويّ. وكما يقولون إن الحاجة أمّ الاختراع، فقد خدمت الإعاقة الجسدية رالف لتمدّه بإرادة قويّة على العيش باستقلاليّة وأن يثبت للمُجتمع أنّ أصحاب الإعاقات الجسديّة يمكنهم المُشاركة بشكل كامل وفعّال في الحياة.
إرث يدعو للفخر
وسرعان ما تطوّر دافعه الشخصي بالاستقلالية والاعتماد على نفسه ليؤسّس “براون ابلتي”، وهي شركة رائدة في المُنتجات النقّالة في جميع أنحاء العالم. ورغم أن رالف تُوفي عام 2013، وهو في سنّ الـ 72 عاماً، إلا أنه أسّس فعلياً لكل ما يتعلّق بتحوير السيارات لتأمين خدمة كاملة لذوي الإعاقة وكبار السنّ، وصار إرثه محط فخر لكل من تلامس هذه المُنتجات حياته اليومية.
أنفق رالف حياته داساً أنفه بالكتب التي تتحدث عن ضمور عضلات الشوكي، واستطاع الحركة ثانية من خلال تصنيع السكوتر ورافعة الكرسي المتحرّك، ولأنه يريد ما هو أكبر وأفضل لمن هم بمثل حالته أغلق صفحة الأعمال على السكوتر وبدأ بالتركيز على الرافعات.
حياته
نشأ رالف في بلدة وناماك في إنديانا، وسط حقول الذرة. وعندما كان في السادسة من عمره، اكتشفت العائلة أنه لا يمكنه الحركة كبقية الأطفال. وأخذه والداه للمستشفى، وشخّص الأطباء إصابته بضمور في العضلات، وفي وقت لاحق تمّ تغيير التشخيص إلى ضمور العضلات الشوكية. وفي سنّ الرابعة عشرة بدأ يتحرك ويتنقل بكرسي مُتحرّك كأي مُعاق، ورغم أن الأمر شكّل صدمة كبيرة، لكنّ رالف ووالديه كانا مصممين على أن يعتمد على نفسه وهو ما جعله دائماً يؤكّد أنه مدين لهما بتخطّى إعاقته الجسدية. وكثيراً ما أشار إلى أن والده هو من قرّر عدم الاستسلام، وكان لا يسمح له بالاستسلام.
عندما تخرّج رالف من المدرسة الثانوية، ذهب للكلية، ولكنه اضطرر إلى تركها بسبب صعوبة التنقل والحركة في الحرم الجامعي بكرسي متحرّك. لذلك أخذ على عاتقه تصميم ما يخدمه هو شخصيّاً، ولأن جميع أعمامه مهتمون ومتخصصون بالميكانيكا، حيث كانت لديهم سيارات سباق ودراجات، فقد تعلق رالف كثيراً بهذه الأجواء، وتكوّنت له خلفية جيّدة وكفاءة ميكانيكيّة بحكم اهتمامه وقربه منهم. وبعد حوالي 4 أشهر، صنع السكوتر البطارية في مرآب عمه الذي كان يصلح فيه جرّارات زراعيّة.
حكمة الله
ولم يكن رالف يخشى الفشل؛ لأنه لم ييأس عندما قال له الجميع إن ما ابتكره غير مجدٍ، لأنه كان يؤمن بفطرته الهندسيّة، ويصرّ على وجود شيء في داخله أصلاً، وأنها موهبة وقدرة يهبها الله لمن يريد، كما كان يؤمن بأنّ لديه القدرة على القيام بشيء ومُساعدة الكثيرين.
حصل رالف على وظيفة في مصنع لتوريد السيارات المحلية كفنّي لمراقبة الجودة. وكان قادراً على التفاوض مع المصنع فيما يتعلّق بالسكوتر الذي صنعه، لكنه في العمل، حينما رأى الناس سكوتره الذي يستخدمه، أخبره البعض بأنهم يعرفون أشخاصاً بحاجة لواحد مثله. وظلّ ينتج ذلك السكوتر لثماني أو تسع سنوات بنفسه حتى 1970.
الابتكار الثاني
في ذلك الوقت كانت تنقّله للعمل بشاحنة، مُستخدماً الباب الخلفي للصعود والنزول والذي تمّ تحويره ليستطيع قيادة السكوتر إلى الداخل وبالعكس. ولكن عندما انتقل مصنعه لمكان بعيد، فكّر بشيء أكثر موثوقية وبدأ بتحوير سيارات “فان” بحيث يتمكن من قيادتها وهو على كرسيّه المُتحرّك، وصمّم الرافعة الشائعة حالياً بالحافلات المدرسيّة وباصات النقل الجماعي والحافلات، المُستخدمة من قبل أشخاص لديهم قدرة محدودة على التحرّك. وكما في تصنيع السكوتر، سمع الناس أيضاً عن منتجه الجديد، وبدأوا يخبرونه بأن هناك من يحتاجه.
وصنع أول مائة رافعة أو مائتين، في بلدته وناماك. وكان الناس يأتون إليه من ماساتشوستس وتكساس، وينتظرون بالفندق ليقوم بتحوير سياراتهم خلال نهاية الأسبوع. وكان رالف يعمل من مرآب منزل العائلة، وبدأ بموظف واحد، واستغرق أكثر من شهر ليضطر لتشغيل موظف آخر.
يعمل بدون توقف
وواصل العمل بالمصنع، الذي يخرج منه في 3:30 مساءً، عائداً للمنزل ليعمل حتى الفجر ليعود للمصنع ثانية. وترك رالف المصنع عام 1973 للتركيز على عمله. وعمل في كراج لبضع سنوات قبل اندلاع حريق تسبب بخسائر كبيرة، واجتهد هو وموظفوه بتسريع الإنتاج بحيث لم يخسروا أياً من طلبات الزبائن. وبقي ثلثا هؤلاء الموظفين معه لفترات طويلة، وصلت إلى 30 عاماً.
ورغم إعاقته كان يذهب لمستشفيات إدارة المحاربين القدامى، واجتماعات المعاقين ويتواصل مع متخصصين بضمور العضلات، ويذهب إلى أي مكان يحتاجون فيه منتجاته، وخلال ذلك كان يقود أحياناً لأكثر من 50 ألف ميل سنويّاً. ومع وجود مُحاربين قدامى من حرب فيتنام، ولأن سمعة رافعات ذوي الإعاقة جيّدة، فقد بدأ ببيع عربات محوّرة وضعت الرافعات على متنها. وهكذا فإن التكنولوجيا التي أنتجها رالف بعد السكوتر أصبحت جاهزة ومُتاحة بسهولة، وبسعر أرخص كثيراً، وبالتالي قرّر التركيز على الرافعات والعربات المحوّرة.
شركة مُتخصصة
وشعر الكثير من المُعاقين وأسرهم مُباشرة بفائدة الرافعات ما جعل هذه التكنولوجيا تنمو بحيث بدأ الناس ببيع تلك المنتجات وتثبيتها في المرآب الخاص بهم. ومن خلال ذلك تكوّنت لديه فكرة أولية ونواة أساسية لإطلاق شركة مُتخصّصة.
واستطاعت الشركة النجاح حتى أصبح لديها حوالي 200 موزّع يقومون بتركيب الرافعات وبيع العربات المحوّرة. ووصلت المبيعات في إحدى السنوات إلى 200 مليون دولار، ولا يزال المقرّ الرئيسيّ، للشركة المعروفة عالمياً، في بلدته وناماك وفيه 3 مبانٍ لمصانع كبيرة، وأكثر من 700 موظف.
وفي إحدى المقابلات معه قبيل وفاته، قال رالف: عندما بدأت العمل، واجهت عقبتين؛ الأولى أنني صغير السنّ، والثانية وصف الناس لي بأنني معاق، ولكن لم أدعهما تقفان بطريقي؛ لأنني كنت فقط أودّ السير ميلاً إضافياً آخر، أو قطع ميل آخر من قصة نجاحي.
المصدر: عن مجلّة “إنك” الأمريكية