كل أطروحات القمة العربية الـ28 كانت متوقعة، جدول أعمالها – كالمعتاد – أتى على ذكر القضية الفلسطينية، واستجداء “السلام” الذي تتجاهله إسرائيل، وأزماتنا في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وشجب الإرهاب ومحاربته، أما الجديد فكان خطاب سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الذي ترجمت كلماته الخط العام للسياسة القطرية، المبنية على توقع كل الاحتمالات، وعدم افتراض نهايات محددة، لترك خطوط رجعة للتواصل مع المتغيرات المستجدة، ومنها التيارات السياسية التي تعتبرها بعض الحكومات العربية “إرهابية” ولا تراها قطر وحكومات عربية كثيرة كذلك، ومثل قطر معظم دول العالم، تاريخ المنطقة المعاصر يثبت التداول السياسي الضدي للسلطة، كما تركيا التي وصل الإسلاميون فيها للحكم، بعد تجريم ومحاكمة وسجن زعيمهم نجم الدين أربكان، وكذا تونس التي تحكمها الآن حكومة منتخبة، نتاج ثورة شعبية سلمية، وكذا المملكة المغربية التي مثلها في القمة رئيس حكومة منتخبة.
السياسة فن الممكن ولا مستحيل فيها، وهذا ما انطوى عليه خطاب الشيخ تميم، وأكثر ما استرعى انتباهي فيه حديثه عن بعض الجماعات الإسلامية، التي تحاول بعض الأنظمة جعلها إرهابية وهي مسالمة، لم تتورط في العنف، ومن ثم التضييق عليها بالكبت، والقمع، والاعتقال، الذي يساعد الجماعات الإرهابية المسلحة على فتح حوارات مع كوادرها، على طريقة ملك غسان حين أرسل لكعب بن مالك رضي الله عنه:”بلغنا أن صاحبك قد جفاك فالحق بنا نواسك”. فما كان من كعب إلا أن سجر التنور برسالته، تُرى مَنْ مِنْ شبابنا المتدين اليوم بمثل إيمان وثبات كعب ؟!.
رغم عظم الجرم في حادثة الثلاثة الذين خلفوا، إلا أن النبي صلى الله عليه لم يعتقلهم.. لم يعذبهم.. لم يعنفهم، كما تفعل بعض الأنظمة مع معارضيها، وإنما اكتفى بهجرهم حتى يحكم الله فيهم، لجوء بعض الحكومات لتجريم غير الُمجرِم، وجعل المعتدل متشدداً، والمسالم إرهابياً، يجعلها من حيث لا تدري تقدم خدمات غير مباشرة للجماعات الإرهابية، لاستمالة بعض الشباب إليها، وهذا ما يفسر تعاظم قوة “داعش” بعد الحكم الديكتاتوري الذي فرضه نوري المالكي على أهل السنة في العراق، وهذا ما يفسر تعاظم قوة جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء، بعد الانقلاب على الشرعية في مصر، وقل مثل ذلك عن ليبيا بعد دعم حفتر ضد حكومة طرابلس الشرعية، وربما هذا ما قصده الشيخ تميم في خطابه حين قال:”إذا كنا جادين في تركيز الجهود على المنظمات الإرهابية المسلحة، هل من الإنصاف أن نبذل جهداً لاعتبار تيارات سياسية نختلف معها إرهابية، على الرغم من أنها ليست كذلك، وهل هدفنا أن نزيد عدد الإرهابيين في هذا العالم ؟!” .
إصلاح البيت العربي من الداخل هو ما يجعلنا أقوياء أمام الخارج، عالمنا العربي أحوج ما يكون إلى صلح حقيقي بين أنظمته الحاكمة وشعوبه، صلح عادل وشفاف يحقق له الأمن، ويحفظ وحدته واستقراره، ويساعده على التنمية والازدهار الاقتصادي، الذي غالباً ما يكون ثمرة إصلاح بذوره العدالة، والحرية، والمساواة، وحقوق الإنسان، وإذا نجحنا في هذا فسنضمن وأد الدافع الذي من أجله ثارت شعوب دول الربيع العربي، التي كابر حكامها طويلاً لعدم تفهم مطالب شعوبهم، حتى اضطروهم للثورة عليهم!
twitter: @almol7em