كثيرة هي تجارب الحياة التي يعيشها الإنسان خلال مراحل حياته التي تعتبر مدرسة للبشر، فمن هؤلاء البشر من يتعلم الدرس ويتطور إلى مراحل أعلى ومستويات أفضل، ومنهم من لا يعي الدرس جيداً، فتجده قابعاً في محله لا يتحرّك بل ويتشارك معه المقعد من هم أقل سناً منه، ويتخطونه إلى مراتب أعلى وهو في مكانه محلك سر وكأنه طالب كسول.
تجربة عجيبة وغريبة هي تجربة الحصار الذي نعيشه ونتعايش معه، والذي سنروي قصته للأجيال القادمة، وسيتناقل أعاجيبه جميع من يعيش على هذه الأرض ليس لسبب معيّن إلا أنه حصار جائر بدون أسباب ولا مبرّرات فعلية أو واقعية، وكل ما أعلن عنه من بعض الدول كان عبارة عن قصص قديمة تم منتجتها بشكل يخدم غرض ناشرها، إضافة إلى بعض الأخبار والتسجيلات الملفّقة والتي لا أساس لها من الصحة، وكأنهم تاجر خاسر يبحث في بضاعته القديمة «قشاره» عل وعسى يجد ما يسوّقه ويبيعه.
ما يهم أنه خلال هذه الفترة التي أثّرت فيها الأزمة على شعوب المنطقة في الجانبين من قطع لصلات الرحم والإضرار بالأملاك والمصالح، وكأن العلاقات والوشائج بين الشعوب تُقطع بجرّة قلم أو اجتماع لخمسة أشخاص يُحدّدون فيها مصير شعوب هذه الأمة، مع العلم أننا والحمد لله أقلهم ضرراً، وذلك لأننا لم نمنع من السفر ولم نمنع من التواصل، إلا الضرر الوحيد الذي فعلاً أثر فينا وهو زيارة بيت الله الحرام، والتي أصبحت زيارته معاناة نسمع قصصها ممن غامر برحلة غيّر فيها عدداً من المطارات طلباً للعمرة.
شخصياً لا أحب أن أخوض في حيثيات أو تفاصيل الموضوع، لأنني مؤمن بمبدأ دع السياسة للساسة، إلا أنه لابد من التطرق لكثير من الدروس والعِبر التي تعلّمناها كشعب مواطن ومقيم، جعلتنا أقوى من ذي قبل، بل والجميل في الأمر أن التلاحم زاد بيننا، مع الحرص بلا شك على العلاقات الأخوية بين شعوب الخليج كما كانت وستظل، إضافة إلى الترفع عن المهاترات والبذاءات وعدم الانزلاق إلى الإسفاف الذي وصل إليه البعض والتي وللأسف صدرت وبشكل مُستغرب من عدد من المسؤولين في دول الحصار.
خلال فترة الحصار تعلّمنا الاعتماد على النفس والاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء وإيجاد مصادر بديلة للسلع والخدمات وفتح الأبواب على العالم الخارجي، لاسيما أننا تعلّمنا درس عدم الاعتماد على الأخ والصديق حتى وإن كان حبيباً لأن طعنة الغدر مؤلمة، لا تُنسى ولا تُغتفر، خاصة إذا كانت من أقرب الناس إليك.
لنا في كتاب العزيز القدير الدرس والموعظة لقوله تعالى في صورة البقرة: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ). والمعنى أن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب المُوجعة، التي تكرهها نفسه، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية، والفاجعة المُهلكة، لآماله وحياته، فإذا بذلك مِنحة في ثوب مِحنة وفوائد غير مَصائب، والعكس فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، واستمات وبذل الغالي والنفيس في سبيل الحصول عليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد. هذا باختصار معنى الآية الكريمة التي اقتبَستُ جزءاً من شرحها من موقع المسلم بهدف استخلاص العبرة.
خلاصة الحديث.. إننا لا نعلم ما يُكنه لنا القدر، فلعله خير وفائدة ليست بعدها فائدة، وهنا أختم بكلمات سيدي صاحب السمو أمير البلاد المفدى في افتتاح الدورة الـ 46 لمجلس الشورى، «لا نخشى مُقاطعة تلك الدول لنا، فنحن بألف خير من دونها».
والله من وراء القصد