زواج القاصرات.. ضحاياه ملايين الفتيات
الطفلة أليما كا.. نموذج لمن يجبرَن على الزواج بأعمار صغيرة
بعض الأسر الفقيرة تبيع بناتها كعرائس مكرهة
تتعرض القاصر للتنكيل والعنف والظروف المعيشية القاهرة
طفلة عمرها 12 عاماً تجبر على الزواج من عجوز فوق الستين
زواج الأطفال انتهاك للقانون في المجتمعات الإفريقية الفقيرة
ترغم القاصرات على الإنجاب رغم عدم قدرتهن وظروفهن المزرية
آلاف الزيجات تتمّ بصورة غير قانونيّة قبل بلوغ الفتاة
ترجمة – كريم المالكي:
استيقظت» أليما كا « تلميذة المدرسة على سماع أصوات غناء قريبة، بينما شاهدت والدها يقف بجوارها، ومن ثمّ أخبرها بأنه اشترى لها ثوباً. والمعروف أن شراء ثوب جديد يعني بذخاً لا تسمع به المراهقات في مناطق السينغال الريفية. لكن سرعان ما تحوّلت فرحة» أليما كا « إلى صدمة ورعب عندما رأت أن الثوب هو ثوب الزفاف، والغناء كان من الأصدقاء والعائلة بسبب عرسها المُرتقب.
لم تكن أليما، التي تبلغ من العمر 14 عاماً، على دراية بأن والدها باعها لتكون زوجة لابن عمّها دون رغبتها، فضلاً عن أنه أكبر من عمرها بمرتين. لقد بدّد الخبر أحلامها في إكمال دراستها وأن تُصبح طبّاخة وتمتلك مطعماً. وبدلاً من ذلك، ستضطر بسبب زواجها إلى ترك أهلها والمدرسة، وستُصبح في القريب العاجل أمّاً.
ربما بدت حكايتها صادمة لكنّها تُصبح مألوفة بعد سماع قصص مروّعة وأكثر مأساوية أخرى عن مُراهقات مثل أليما وأصغر منها سنّاً.
بكاء الأطفال
أليما والفتيات اللواتي التقتهن صحيفة ميرور البريطانيّة من بين ضحايا بالملايين يُجبرَن سنوياً على الزّواج المُبكر في جميع أنحاء العالم. ويوجد نحو 000 42 زيجة مُبكّرة منها في السنغال، بما فيها 000 11 زيجة بصورة غير قانونيّة قبل بلوغ الفتاة سنّ الخامسة عشرة.
وبعد يوم من زواجها، أرسلت أليما إلى قرية بعيدة لطهي الطعام والتنظيف لأسرة زوجها. وقالت أليما: في الليل، غالباً ما أبكي لعدم وجود والدتي، وعائلتي كثيراً. أعيش مع زوجي الآن، ولكن لا أحبّه. لقد طلبت من والدي ألّا يزوّجني لكنّه رتّب كلّ شيء. وجميع أخواتي متزوّجات حتى الأصغر سنّاً مني، وهذا تقليد شائع في قريتنا. لا أحد يخبرنا أو يسألنا قبل أن نتزوّج، لقد قتل الزّواج كلّ أحلامي، وعملي شاقّ جداً ودائماً وحيدة وجائعة.
محاولات لإنقاذ الطّفولة
التقت صحيفة ميرور البريطانيّة بأليما في الريف في كولدا عندما كانت ترافق منظّمة إنقاذ الطفولة إلى السنغال لحضور قمّة تهدف لمعالجة مُشكلة زواج الأطفال في إفريقيا. وفي المناطق الأكثر فقراً في البلد، أكثر من ثلثي الفتيات يتمّ تزويجهن قبل بلوغهن سنّ الثامنة عشرة.
وبعد مرور عام على زواجها، تغيّرت أيّام أليما فتنهض في السادسة صباحاً وتطبخ ثلاث وجبات لـ 11 من أفراد أسرة زوجها وترعى الماعز والأغنام. وفي بعض الأيّام، تنفق 10 ساعات بحثاً عن المياه النّظيفة. وعندما نتحدّث عن المدرسة، تنزل دموعها بغزارة حيث تقول: أريد حقّاً العودة إلى المدرسة. لقد كنت على وشك الحصول على تدريب عندما أخبرت بزواجي، كنت أدرك أنّه بدون تعليم، لا يمكنك أنْ تكون أيّ شيء في هذا البلد.
بيع البنات بسبب الفقر
ومع ذلك، تشعر بعض الأسر الأشدّ فقراً بأنه ليس أمامها خيار سوى بيع بناتها كعرائس، فمثلاً أنّ دييمابا ديامولها التي تبلغ من العمر 12 عاماً تمّ تزويجها لرجل عمره أكثر من 60 عاماً. وأنجبت طفلة في السادسة عشرة من عمرها، لكنّها توفيت لأنّ جسمها الصّغير الذي يعاني سوء التغذية لم يستطعْ التّعامل مع الرضيعة.
ومن ثم أنجبت أربعة أطفال آخرين والآن عمرها 36 عاماً. ويبلغ عمر زوجها أكثر من 80 عاماً بحيث لا يستطيع دعم أسرته، لذلك تعمل دييمابا بمزرعة لإطعام الأسرة ولكنّها لا تكسب ما يكفي لدفع ثمن العلاج إذا ما مرض أحد منهم. وهذا قد يجبرها على ترك بناتها، اللواتي تتراوح أعمارهن بين 12 و 14 عاماً، ليتزوجن، مما يكرّر دورة اليأس التي لا نهاية لها على ما يبدو.
تكرار المأساة
وتقول دييمابا: أريد بقاء أطفالي في المدرسة وأن يفكرن بأنّ المرأة تستطيع أن تفعل أي شيء يُمكن أن يفعله الرجال. ولكن لأنّه ليس لدي أي مال، إضافة إلى قلقي من تعرض أطفالي للمرض، فإذا جاء رجل لي وطلب الزواج من إحدى بناتي، فسأشعر بالذنب، ولكن لو كان رجلاً طيباً ويعتني بها، فسيكون من الصّعب معارضة ذلك ما يعني قبولي.
ومع ذلك، هناك بصيص من الأمل، فقد قامت منظمة إنقاذ الطفولة، بالتعاون مع الشركاء المحليين، بإدارة مجموعات تثقّف الشابات بشأن حقوقهن وتشجّع المجتمعات المحلية على معارضة زواج الأطفال. ولدى العديد من القرى لجان تعمل مع المُعلّمين للتفاوض مع الأسر عندما يسمعون عن زواج الأطفال القادم.
القبول بأقلّ الأضرار
وتحدثت هامشاتو بالدي عن الكيفية التي تمّ بها بيعها، أيضاً، كعروس من قبل والدها عندما كان عمرها 14 عاماً فقط. لقد أرادت أن تكون مُعلّمة ولكن عندما توفيت والدتها، اضطرت لترك المدرسة بسنّ الثانية عشرة لتقوم بالطبخ والتنظيف لعائلتها.
وفي سنّ الـ 15 أنجبت هامشاتو ابنتها الثانية، ولأنّها وزوجها فقيران جدّاً كان عليهما العودة لقرية والدها لتستطيع العيش والبقاء حيّة. وقد أصبح عمرها الآن 16 عاماً، وبالكاد تنظر إلى مهد طفلتيها في كوخ الأسرة، الذي ليس فيه مرحاض أو مياه شرب.
وقالت هامشاتو: كنت حزينة عندما أكتشفت أنني سأتزوّج، وخائفة أن أسال أهلي عن سبب تزويجي، والآن، لا أحبّ زوجي، ولكن عليّ البقاء معه، وأفتقد المدرسة، وغير سعيدة. أردت أشياء أفضل لنفسي. ربما في الوقت المُناسب سأحبّ زوجي لكنّه يحبّ طفلتيه. وتضيف هامشاتو إنّها على الأقلّ ممتنة لزوجها لأنّه لا يضربها. لقد تعرّضت العديد من العرائس الشابات الأخريات، إلى عنف مُرعب كما هو الحال مع كاديدياتو غادجيجول.
عنف أثناء الحمل
كان عمر كاديدياتو 14 عاماً عندما رتّب والداها زواجها، إلى جندي عمره 28 عاماً يرابط في إحدى الوحدات العسكريّة في قريتهم. وتمّ إرسالها للعيش مع عائلته على بعد أكثر من 100 ميل. وكان يرفض إرسال ما يكفي من المال لشراء الطّعام، كما أنّه ضربها عندما احتجّت على ذلك. ومن ثم بدأ يضربها بشكل سيّئ للغاية وفي الأسابيع الأخيرة من حملها اضطرت إلى إجراء عملية قيصرية طارئة، وربما أنّها واحدة من المحظوظات، لأنّها قد تخلّصت من الزّواج.
والآن عمر كاديدياتو، 23 عاماً، تعيش هي وابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات مع عائلتها. وقالت كاديدياتو: حاول زوجي أنْ يُعيدني إليه، لكنّي خائفة منه لأنه عنيف. نعم أغفر لوالدي تزويجي وأنا صغيرة السنّ، ولكن أريد حياة أفضل لابنتي التي أريدها أن تبقى في المدرسة ولا تكون مثلي.
مُكافحة الزّواج المبكّر
ترمي أهداف التنمية المُستدامة للأمم المُتّحدة إلى القضاء على زيجات الأطفال مع حلول عام 2030، ومن أجل بلوغ هذا الهدف راهنت مُنظّمة «أنقذوا الأطفال» على مُؤتمر دوليّ لإلغاء زيجات الأطفال عُقد في السنغال ناقش خلاله مُمثّلون حكوميّون وشخصيات دينية ومُنظّمات مُدافعة عن حقوق الأطفال ووكالات تابعة للأمم المتحدة وشباب حلولاً للقضاء على الزّواج غير الشرعيّ.
وتحثّ منظمات مُدافعة عن حقوق الأطفال الساسة على العمل الحازم ضدّ زيجات الأطفال. وأكثر المُشاركين أكّدوا على أنّ «الجانب الأهمّ هو التعليم وأن يبقى الأطفال في المدرسة، كما هناك الكثير الذي يجب فعله، لاسيما أعمال التوعية، كما تحتاج الفتيات اللاتي لا يتزوّجن بشكل مُبكّر إلى دعم ماديّ من أجل ألا يكنّ عُرضة لهذا الزّواج. كما يجب توفير العمل للفئات الفقيرة، كي تكسب قُوتَها وتكون مُستقلّة، ولا تضطر لتزويج بناتها. وتشهد دول أمريكا اللاتينيّة تطوّراً كبيراً في مجال مُكافحة زواج الأطفال، كما أنّ عدد زيجات الأطفال انخفض بعد التّعديلات القانونيّة في غضون سنتين.
عن صحيفة ميرور البريطانيّة