اكتشافات طبية قهرت المستحيل
علاج يمكّن فاقدي البصر من الرؤية وتمييز الأشكال
إصلاح الحبل الشوكي يساعد المصابين بالشلل على الحركة والتفكير
برنامج علاج بالخلايا يشكل فرصة للتخلص من السرطانات
حراشف سمك البلطي المعقمة لمداواة الجلد المحروق
إجراء تعديل للجينات لأول مرة داخل الجسم البشري وليس خارجه
واشنطن – هاف بوست: أخبار السياسة والحروب عكّرت صفو العالم في بعض الأحيان خلال العام الماضي، لكن أخباراً جيدة جاءتنا من مجال الطب، حيث اتسعت آفاق تقنيات الصحة وأوغلت في مجاهل كنا نعدها سابقاً من المستحيلات، لتغدو ممكنة جداً وفي متناول اليد وتمنح البشرية أملاً جديداً ومهماً في مجالات العلاج.
عشنا في العام الذي ودعناه منذ وقت قصير تقدماً طبياً باهراً، أشعرنا كما لو كنا نشاهد فيلم خيال علمي مثير؛ لكن الحقيقة أن هذا كله واقع ملموس.
وهذه هي الإنجازات الطبية وفق ما نشره موقع صحيفة «ديلي بيست» الأمريكية.
استعادة البصر
قبل أسبوع واحد من نهاية العام، صدَّقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على برنامج علاجي جيني لأول مرة على الإطلاق، ما يمهد الطريق لاستخدامات أوسع لهذا البرنامج العلاجي في حل أعقد المشاكل الطبية العويصة اليوم والتي سببها التحول الجيني وطفراته.
البرنامج العلاجي، واسمه Luxturna، حصل على الضوء الأخضر من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، ليرخص للاستخدام في حالات من يعانون حالة وراثية تسمى كُمْنَةُ ليبر الخِلْقِيَّة Leber congenital amaurosis، يتدهور فيها البصر تدريجياً وببطء حتى يصل العمى لدى بعض المرضى.
وما يفعله برنامج Luxturna العلاجي هو أنه يستهدف بروتين RPE65 الذي يعجز المصابون بهذا المرض عن إنتاجه بشكل صحيح، فيسخّر العلاج فيروساً غيرَ مؤذٍ ليحمل شيفرة حمض وراثي DNA معينة تخص ذلك البروتين، ويدخل الفيروس الحميد إلى العين مباشرة ويتغلغل في الشبكية، ثم يدخل الخلايا ويعيد برمجتها بنقل العدوى إليها – أي محتوى رسالته المشفرة – فيبدأ بذلك الإنتاج الصحيح لبروتين RPE65 وتنطلق عملية تصحيح الميكانيكية الخاطئة التي في الشبكية.
ورغم أن برنامج Luxturna ليس علاجاً كاملاً للعمى، فإنه يمكّن مرضى كمنة ليبر الخلقية من رؤية وتمييز الأشكال المرئية ورؤية النور؛ ومن ثم يمنحهم الاستقلالية والحرية لاستكشاف العالم الذي حُرموا رؤيته فيما يظنه المبصرون تحصيل حاصل.
ويمنح هذا العلاج الأمل لأناس، مثل كريستيان جواردينو ذي الـ17 عاماً، والذي يقول إنه قبل Luxturna ما كان يرى شيئا لكنه الآن يستطيع رؤية النجوم.
إصلاح الحبل الشوكي
في الماضي كان الشلل هو النهاية المحتومة والطريق المسدود لكل من يصاب في الحبل الشوكي؛ فأي ضرر أو أذى يلحق بهذا الحبل الحساس معناه الحكم مدى الحياة بالعجز عن الحركة بشكل مستقل، ذلك أن الحبل الشوكي هو الذي ينقل الرسائل الدماغية الحركية إلى أرجاء الجهاز العصبي في الجسم، فيأمر اليد أن تبتعد مسرعة عن المكواة الحامية قبل أن تحرقها، أو أن يلتفت الرأس إلى هذا الاتجاه أو ذاك، أو يأمر الجسم بالرقص حول طاولة ما، أو يأمره بالتراجع مسرعاً قبل أن تدهسه سيارة قادمة. تتعدد مآسي إصابات الحبل الشوكي والشلل من عدم المقدرة على تحريك عضو واحد إلى العجز عن تحريك أي عضو كان، من الرقبة ونزولاً، وهو ما يعرف بالشلل الرباعي، ولكن في شهر مارس الماضي ، وفي جامعةCase Western Reserve University في أوهايو الأمريكية، تمكن المريض بيل كوتشيفار من التفكير بالحركة بل وتأدية الحركات فعلياً لأول مرة منذ 8 سنوات، وذلك بفضل تقنية BrainGate2 التي هي نظام من قطبين كهربيين مزروعين في دماغ كوتشيفار، يتواصلان مع قطبين آخرين مزروعين في عضلات ساعده. النتائج مذهلة حسبما قاله المريض فهو الآن يستطيع فرد ذراعه والإمساك بالأشياء، في حركة قد تبدو بسيطة سهلة لنا، إلا أنها تستوجب إرسال سلسلة تعليمات معقدة من الدماغ إلى الذراع ما كانت ممكنة لولا BrainGate2. يقول كوتشيفار: لقد فكرت بتحريك ذراعي، ففعلتها وتحركت، أستطيع تحريكها إلى الداخل والخارج وإلى الأعلى والأسفل، وهي أمور باهرة ورائعة فعلاً بالنسبة لرجل لم يقوَ على استعمال ذراعيه على الإطلاق طيلة أعوام.
علاج السرطانات المستعصية
أواسط شهر ديسمبرالماضي، وفي لحظة متلفزة أثلجت صدور الكثير من المشاهدين، أمسك نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بيد ميجان مكين التي يصارع والدها السيناتور جون مكين مرض سرطان الدماغ وهو نفس المرض الذي قتل «بو» ابن بايدن.
أثنى بايدن على الأبحاث الثورية التي تجري في مخابر جامعة بنسلفانيا والتي تحمل الأمل للمصابين بهذا السرطان الخبيث الذي لا شفاء يرجى منه، فالآن قد تتمكن المستَقْبِلَة الخيميرية المُستَضِدِّة للخلايا التائية chimeric antigen receptor (CAR) T-cell من توسيع أولى الخطوط الدفاعية المناعية الخلوية أمام غزو بيولوجي ما، سواء كان الغزو سرطانياً أم فيروس انفلونزا.
يعمل الباحثون على إعادة هندسة تلك الخلايا التائية المناعية بتركيب جزيء CAR المذكور آنفاً على سطح تلك الخلايا التائية، لتمكين هذه الخلايا من مهاجمة خلايا الورم بجيش عتاده نسخ من خلايا CAR T-cell، فتنتصر على الخلايا السرطانية وتدمرها.
إن أقل ما يشكله هذا العلاج بالنسبة لمرضى سرطان الدماغ هو فرصة لإطالة الحياة، أما في أفضل الحالات وأكثرها تفاؤلاً فهو يشكل فرصة للتخلص من أورام الدماغ التي عادة ما تكون عدائية تلتصق بأعضاء الجسم فيصعب فصلها عنها.
إدارة الغذاء والدواء الأمريكية منحت الضوء الأخضر لبرنامجين علاجيين بتقنية CAR T-cell، أحدهما برنامج Kymriah للمرضى دون الـ25 من العمر الذين يعانون سرطان الدم الليمفاوي الحادacute lymphoblastic leukemia، والآخر هو Yescarta لغير المصابين بسرطان الغدد الليمفاوية Hodgkin›s lymphoma. وقد يستغرق الأمر وقتاً إلى أن تشمل هذه البرامج العلاجية مرضى سرطان الدماغ، ولكن النتائج الباهرة تصل حد الإعجاز حسبما قاله طبيب لموقع ديلي بيست.
تعديل الجينات
أبهرت تقنيات التعديل الجيني مثل CRISPR مخيلة العلماء والخبراء المستقبليين على حد سواء، فانطلقت معها شرارة الجدل الأخلاقي حول جواز تصميم الأجنة كيفما نشاء ومدى صحة أن نستقطع أجزاء من الحمض النووي بغية التخلص منها أو إدخال أجزاء أخرى إلى شيفرته بهدف تحسين الجينوم البشري والوصول به إلى الكمال. وظلت عمليات التعديل الجيني محدودة ضمن نطاق الشرائح الزجاجية المخبرية ، إذ لم تزد على تجارب تجرى على سلاسل معزولة يتم تعديلها بعناية وحذر باستخدام أدوات خارج الجسم البشري، لكن ذلك تغير لأول مرة في التاريخ في نوفمبر الماضي. برايان مادو مريضٌ يعاني متلازمة هنتر، وهي حالة طبية تجعله عاجزاً عن تكسير الكربوهيدرات وتبسيطها نظراً لخلل وظيفي إنزيمي، لكنه حُقِن في ذلك الشهر بفيروس حميد غير مُعدٍ يحملُ بروتينين اثنين من أصابع أيونات الزنك zinc finger proteins.
بكلمات أخرى، أجريت عملية التعديل الجيني لأول مرة في التاريخ داخل الجسم البشري الحي لا خارجه مثلما كان في السابق، وبهذا شهد حقل الطب توسعاً في آفاق الأبحاث لم يشهدها من قبل. حملت البروتينات المحقونة في جسم مادو تعليماتٍ إلى الخلايا بإصلاح العطل الإنزيمي، ومن ثم نسخت وحملت التعليمات إلى الكبد، وهذه خطوة كبرى لا يستهان بها، ذلك أن العطل الميكانيكي الذي ظل مادو يعانيه طيلة حياته يجري الآن إصلاحه من أساساته وبدقة متناهية.
يقول أحد الأطباء: قصصنا شيفرة حمض مادو النووي وفتحناها ثم أدخلنا فيها جيناً ومن ثم قطبنا مكان القص، إنها عملية تصليح غير مرئية.
ومازال مادو يخضع للمراقبة والإشراف الدائمين، ولكنه يشعر بالإثارة والترقب ليرى ما سيفعله هذا العلاج الجيني، وما سيعنيه بالنسبة لملايين الناس الذين يعانون أعطالاً وخللاً في شيفرتهم الجينية.
علاج الحروق
يعاني ضحايا الحروق وقتاً عصيباً وحاجة طبية ماسة عندما يصاب الجلد بحروق، ذلك أن الجلد إذا لم يُغطَ لدرء الإصابة بعدوى أو إنتان، فقد يواجه المرضى خطر الموت، وفي بلدان نامية كالبرازيل لا تتوفر خياراتٌ كالتي في الولايات المتحدة مثلاً، كاستخدام جلد الإنسان أو غيرها من الخيارات المصنعة في المخابر الطبية؛ إلا أن الأطباء في بلدة فورتازيللا الساحلية الصغيرة توصلوا إلى حل عبقري فعال وقليل التكلفة: إنه حراشف سمك التيلابيا (البلطي) المعقمة، لحراشف البلطي قدرة فريدة على حماية الجلد المحروق والبقاء عليه بفضل محتواها الغني من بروتينات كولاجينية شافية للجروح لدى البشر، كذلك من فوائد تلك الحراشف أنها تحتفظ بالرطوبة وتتمتع بدرجة مقاومة عالية تجعلها قوية وطرية في آن معاً لتكون عازلاً ممتازاً للجلد المحروق الحساس.
تعقَّم تلك الحراشف وتجمد وتحفظ مثلجة، فتظل طازجة وصالحة للاستخدام مدة عامين، ومن مزايا هذه الحراشف أنها تسرع عملية التماثل للشفاء ولا تتطلب الكثير من التعديلات كغيرها من الحلول، كما أنها تقلل من آلام عملية التعافي، وبهذا كله نرى أن حراشف البلطي هي حقاً معجزة.
والتداوي بحراشف البلطي لن يتوفر في القريب العاجل في الولايات المتحدة لمداواة الحروق، إذ أن حفظ هذه الحراشف قد يكلف أكثر في الولايات المتحدة، كما إن هناك حلولاً وبدائل أخرى أما في الدول النامية كالبرازيل التي لا تملك الحلول الأمريكية، فإن توفر حراشف البلطي والقدرة على تعقيمه وحفظه هناك تجعل منه الحل الأنجع والأروع لحروقات الجلد.