
بقلم- منى عبد الفتاح:
طفت على السطح الساخن للأحداث في الفترة الماضية أخبار بلاغات غسيل الأموال، وذلك لارتباطها الوثيق بتمويل نشاطات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتدمير اقتصاد الدول. وغسيل الأموال من الجرائم العابرة للحدود وهي بهذا تتجاوز حدود الدولة الوطنية وإقليمها، إذ لا يكفي السيطرة عليها داخل حدود الدولة وإنّما ينبغي تضافر الجهود الدولية من أجل القضاء على الظاهرة.
تتنوع مصادر الأموال القذرة التي تدخل إلى الاقتصاد فيما يُسمى بالاقتصاد الخفي أو الاقتصاد الأسود، ولإخفاء أو تمويه أصل حقيقة أموال مكتسبة بطريقة غير شرعية أو نظامية كتلك الناتجة عن تجارة المخدرات والأسلحة وغيرها من الجرائم التي تدرّ أموالاً يصعب تقفّي أثرها، تقوم الجهات التي تديرها بإدخالها ضمن النظام المصرفي ليتم تشغيلها مرة أخرى في أنشطة مشروعة.
فيما قبل كانت مثل هذه الجرائم أقرب إلى الخيال وقد صورتها السينما الأمريكية عن مافيا جزيرة صقلية الإيطالية ثم عبورها لعواصم دول شرق أوروبا حتى غطت شبكتها العالمية أغلب مساحة الكرة الأرضية حتى أصبح لا يفرّق فيها بين شرق وغرب. أما الآن فقد أصبحت الخبرات المتناقلة عن طريق التطور التكنولوجي وتطور النظام المصرفي هي الضامن لبقاء هذه الأموال المتحصلة متجاوزة القوانين الدولية بتعدد نشاطاتها.
ولئن كانت الأموال القذرة في العالم الأول يتم تحصيلها عبر جرائم تجارة السلاح والإرهاب وشبكات الدعارة والإتجار بالبشر، فقد برع العالم الثالث بإضافة نوع آخر هو الدجل والشعوذة. وهذه الجريمة تربط بين قارتي أفريقيا جنوب الصحراء وبين آسيا في جزئها الخاص بالشرق الأوسط.
كانت دائرة مكافحة غسيل الأموال بالمباحث الجنائية والجهات الأمنية في الدول العربية فيما مضى تكتفي بمهمة القبض على المتهمين والتحري معهم فيما يتعلق بحيثيات القضية. أما الآن فقد اقتضى الحال أن يذهب التقصّي إلى أبعد من التحري الروتيني وأن تنبثق عنها لجان مختصة تناقش المشكلة من ناحية اجتماعية خاصة الشق الأكبر والمكون الأساسي لعمليات غسيل الأموال المرتبطة بممارسي الدجل والشعوذة، فقد فضّل بعض الناشطين والضالعين في هذه الممارسة من جنسيات معلومة ادعاء الاستعانة بالجن لأغراض شتى.
وهذه الممارسة فضلاً عن أنّها نوع من صناعة الوهم وتصديقه، فهي ممارسة تأتي كل يوم بالمثير. تتقن الفئة التي تعمل بالشعوذة اللعب بالبيضة والحجر، فهي فئة تعلم جيداً أنّها تبيع الوهم للمغفلين، ونفس جينات الشعوذة تصديقاً موجودة عند أشخاصٍ بسطاء ضغطتهم ظروف الحياة وخيّمت فوق رؤوسهم مظاهر الأمية والجهل والاعتقادات الخاطئة والتعلّق بالأوهام، لا يعلمون ما تنطوي عليه هذه الأعمال من مضار شرعية وحسية فيلجأون لشراء الأحجبة والتمائم والأعشاب من هؤلاء الباعة رغبةً في الشفاء من أمراض مستعصية أو الثراء السريع. وهذا بالطبع لا ينفي سؤال أحدهم فيما إذا كان باستطاعته أن يفعل ذلك لنفسه ويثري كما يدّعي إثراء غيره.
وهذه الفئة أيضاً تدخل ضمن سلسلة الأموال القذرة المعاد تبييضها ولكنّها تعمل بشكل بدائي قد يكون فرديا أو جماعيا، وما نشاطها الحالي إلّا لردة حضارية في مجتمعاتنا. ضحايا هذه الفئة هم أشخاص لديهم إيمان عميق بالقوى الخفية وما يمكن أن تحدثه، وهي في الغالب فئة جاهلة تغيّب العقل والمنطق ويسهل غشها والتغرير بها. أما هذا النوع من الخدمات فيحصلون عليها من بائعي الوهم المروجين لعلاج الأمراض المستعصية والسعادة الزوجية وفتح أبواب الرزق وفك السحر، أو من مشعوذين تقليديين يتحركون بسلطة موهومة بدعوى تمكنهم من جلب النفع أو الضرر.
إنّ مفهوم الجريمة واسعٌ وفيما يتعلّق بجرائم غسيل الأموال وجرائم الدجل والشعوذة فإنّ المعضلة تتعلّق بصعوبة تحديد نوعها قبل توقيع الجزاء على منتهكي القانون لأنّ المعايير الأخلاقية لا تختلف من مجتمع لآخر، ولأنّ مثل هذه الجرائم تنسرب من بين ثنايا التعامل المالي والتعاطي مع الأوهام. وأياً كانت العوامل التي تؤدي إلى السلوك الإجرامي وأياً كان نوع المجرمين فإنّ المجتمع ومؤسساته مسؤول عن هذا السلوك الإجرامي بشكل لا يخفف العقاب عن الجاني وبالتالي لا يخرج هذه المؤسسات عن نطاق المسؤولية.
ومهما اختلفت المجتمعات فيظل طابع ممارسي جرائم غسيل الأموال بما فيها الدجل والشعوذة، يوحي بأنّها شخصيات مهزوزة تسعى للتأثير على المجتمعات إذا كانت ضعيفة التكوين تعاني من الخواء المعرفي وعدم الوعي. ولأنّ القانون لا يحمي المغفلين فإنّ أثره الإجرائي يكون محدوداً، فهو لا يستطيع بالتالي تغيير اعتقاد الناس، كما لا يستطيع إرغامهم على مواجهة مصاعب الحياة أو كفّ عقولهم عن الحلم بتحسين حظ عاثر أو نيل مكاسب غير مستحقة. ونوع هذه الجرائم والتي في غالبها عابرة للحدود فيحتاج إلى تضافر الجهود الدولية بحزم قوانين يتم تطبيقها على الكل وليس على الشعوب الضعيفة فقط.
كاتبة سودانية