المنتدى

شرق السودان .. أزيز المدافع والشتاء

بقلم – منى عبد الفتاح:

ظل البحر الأحمر منذ قديم الزمان مسرحاً للصراع الدولي بين القوى العظمى في فترات تاريخية متعاقبة. وحظيت جزيرة سواكن السودانية بمكانة مهمة في عهد الدولة العثمانية، حيث ضم ميناؤها مقر الحاكم العثماني منذ 1821م وحتى عام 1885م. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، دخلت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في الصراع والتنافس على منطقة البحر الأحمر لفرض نفوذهما والاستحواذ على مزاياها الإستراتيجية والسياسية والجغرافية والاقتصادية.

المشهد الحالي على ذات المنطقة هو حشود عسكرية كبيرة على الحدود من جهة إريتريا وأخرى من جهة السودان، فقد شوهدت القوات المسلحة بين البلدين تحتشد على الشريط الحدودي من البحر الأحمر شرقاً إلى آخر نقطة من الحدود جنوباً. قام البعض بالربط بين المشهدين للإيحاء بأنّ ثمّة تحركات عسكرية بين مصر والسودان عند الحدود الإريترية. يذهب هذا الاحتمال نحو مصير مجهول بعد أن كان بعيداً نسبياً لجهة أنّه إذا حدث أي تصعيد فإنّ مغبّته ستكون فتح السودان جبهة جديدة في الشرق فضلاً عن جبهة دارفور وجنوب السودان في منطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق.

ولمعرفة أسباب استنفار الحكومة السودانية إزاء التهديد الإريتري المصري المشترك على الحدود الشرقية للدولة السودانية، فإنّه لا بد من إلقاء نظرة على إقليم الشرق نفسه والذي يُعاني من التهميش وقصور يد التنمية ومواجهات متجدّدة بين الحكومة وبعض التنظيمات المعارضة المنتمية للشرق. فمنذ عام 2006م ابتدأت الوعود بالتنمية عندما تمّ توقيع اتفاق سلام الشرق عام 2006م في العاصمة الإريترية أسمرا، بين حكومة السودان و»جبهة شرق السودان» وهو التنظيم العسكري لاندماج تنظيمي «مؤتمر البجا» و»الأسود الحرة». وكان ذلك بغرض وضع حد للنزاع في الإقليم الذي اندلع منذ تسعينيات القرن الماضي. واتفاق السلام هذا هو أحد الاتفاقات الكثيرة التي وقّعتها الخرطوم لوضع حد لعدة نزاعات داخلية اشتعلت بؤرها في إقليم دارفور وجنوب كردفان وولاية النيل الأزرق. ولكن ذلك الاتفاق كغيره لم يتم تنفيذ بنوده الأساسية مثل تقاسم السلطة وصناديق التنمية وإعادة دمج المتمرّدين في الحياة المدنية وقوات الأمن ما حرم سكان الإقليم من عائدات السلام.

على الجانب الآخر من الحدود كانت هناك محفّزات على المستوى الإقليمي أدت إلى الالتفات إلى إريتريا منها الفوضى وانهيار نظام الحكم في اليمن. تقابل اليمن بموقعها الهام وتركّز الصراع المنطلق من قضايا تنموية وقبلية وسياسية تستغل العنصر المذهبي، منطقة القرن الإفريقي لما تمثله هذه الجهة المقابلة من أهمية إستراتيجية متصاعدة نسبة لنشاط صناعة نقل النفط البحري ثم الشاغل الأمني المتمثّل في إمكانية التحكم في الممرات المائية في هذه المنطقة.

تنبع هذه التهديدات أساساً بفعل المميزات الجيوسياسية والاقتصادية كممر لناقلات النفط ومعبراً للتجارة الدولية، ومميزات وجود نقاط ومضائق إستراتيجية عسكرية تسمح بانسياب القوات الدولية عبره إلى المحيطات المختلفة.

وبالرغم من احتلال إريتريا لموقع جيوإستراتيجي في منطقة القرن الإفريقي فإنّها لا تتميز بأي تأثير على مستوى الأمن الإقليمي فضلاً عن المنطقة. فهذا الموقع كان مصدر أطماع دولية كبيرة لإشرافه المباشر على هذا الجزء الهام من إفريقيا، كما يطلُّ من الضفة الأخرى على المملكة العربية السعودية واليمن، ومنه يمكن التحكم في مسارات النفط والتجارة بين قارات العالم. هذا الموقع يربط بين أقرب وأقصر طرق للملاحة بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط ما يجعل إريتريا مُشرفة على نقطة الوصل هذه بين القارات الكبرى الثلاث آسيا وإفريقيا وأوروبا. وفي مضيق «باب المندب» على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، يمرّ ما يقرب من 3.2 مليون برميل نفط يومياً.

هناك عوامل أخرى جعلت إريتريا تبدو مرحّبة أكثر مما هي متفادية لما يمكن أن تجلبه عليها هذه الصراعات المفترضة من متاعب في علاقاتها الإقليمية. من ضمن هذه العوامل هي تصاعد حركات المعارضة الداخلية ذات الصبغة الإسلامية السنيّة بعد تبني نظام الحكم للتوجه العلماني.

قد لا تكون إريتريا بالقوة والتأثير الذي يجعلها لاعباً فعّالاً في مسار العلاقات الدولية، نسبة لحجمها وتاريخها وموقعها الذي يفرض عليها السعي للتواؤم مع إقليمها. ولكن نشأ كل هذا الاهتمام بها نسبة لضعفها الخارجي والذي يمكن استغلاله للسيطرة عليها، وإثارة القلاقل على دول المنطقة من قاعدتها.

ما بين إثيوبيا والسودان يمكن أن يرتقي إلى أكبر من الحركة التجارية عبر منفذ «القلّابات» البري بولاية القضارف شرق السودان، والذي عبره السفير الإثيوبي لدى الخرطوم ملوقيتا زودي من بلاده إلى السودان لتسليم وزير الخارجية إبراهيم غندور رسالة شفاهية من نظيره الإثيوبي ورقيني قبيو. تم ذلك في الوقت الذي وصل فيه الرئيس الإرتيري أسياس أفورقي إلى مصر والتقى بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. هذه الرسائل يمكن قراءتها بوضوح في ظلّ التصعيد السياسي والعسكري بتآلف مصر وإريتريا من ناحية والسودان وإثيوبيا من ناحية أخرى.

كاتبة سودانية

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X