ترجمة – كريم المالكي:

تشير الإحصائيات الرسمية في بريطانيا إلى وجود حوالي 4 آلاف مشرد في شوارع إنجلترا وحدها وغالبيتهم ينامون في العراء، وهناك عدّةُ أسباب ساهمت في تنامي ظاهرة التشرد، التي باتت تهدد مجتمعات عديدة، من بينها ارتفاع الإيجارات، وتقليصات خدمات المجالس المحليّة، والمهاجرون القادمون من أوروبا الشّرقيّة. وقد أفزع ظهور المُشكلة من جديد النّشطاء الّذين كانوا يمنون النفس في أن يتمّ القضاء عليها، لكن وكما يبدو أن الحلول محدودة.

ويعد أنطون دانيال بارنز أحد هؤلاء المشردين، الذي يعيش في الشوارع منذ 17 سنة، ولا يحصل على أبسط مقومات الحياة، فلم يمر على جسده ماء ساخن منذ أشهر، ويجاهد لمقاومة البرد، خصوصاً مع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر. وخلال حديثه كشف بارنز تفاصيل دقيقة عن حياة المشردين المزرية وكيف أنهم يلتحفون السماء في فصل الشتاء المتجمد، وأشار إلى إزعاجات «المتسولين المحترفين» الذين يعطون للناس انطباعاً سيئاً يؤثر على المشردين الفقراء.

ظهور المُشكلة من جديد أفزع نشطاء كانوا يمنُّون النفس باختفائها

تنامي الظاهرة تقف وراءه عدة أسباب والحلول تبدو محدودة

المتسولون المحترفون جعلوا حياة المشردين أكثر قساوة

أكثر مشردي الشوارع يعانون من الاكتئاب والإهمال والحرمان

كان أثناء اللقاء معه يرتعش من البرد رغم أنه يرتدي كل ما لديه من ملابس، وسرد أشياء كثيرة عن طفولته القاسية والإساءات التي غالباً ما يتعرض لها في الشارع كمتشرد.

مشرد محبوب

ويقول بارنز إن كل ما يريده هو التحدث لشخص على أساس من الرحمة والتفاهم. ويصف أصحاب المحلات الشاب الثلاثيني – المعروف باسم داني- بأنه من القلائل المشردين فعلاً في المدينة، ويبدون سعادتهم حين يقدمون له يد العون كلما كانوا قادرين ليتمكن من الحصول على مشروب دافئ وقليل من الطعام.

منذ 17 عاماً وبارنز في الشوارع، أي منذ سن المراهقة، ولا يحصل على أي شيء نظيف، كما أن الأشهر تمضي ولا يمر ماء ساخن على جسمه، وقد تغير شكل يديه بسبب قسوة البرد وعدم الاستحمام، وتبدو قذرة بعد سنوات من التعرض للظروف الجوية السيئة.

طفولة قاسية

وكشف أن طفولته لم تكن قاسية وصعبة عليه وحده، لكونه ليس العضو الوحيد في عائلته الذي ينام في العراء، بل إن شقيقه هو أيضاً بلا مأوى، ويقول بارنز: لطالما كانت حياتي صعبة منذ الصغر، لم يكن والداي يريدان أن يفعلا شيئاً حقيقياً معي أو مع إخوتي، إن كل ما أتذكره حقاً هو أنني تنقلت في جميع أنحاء البلاد عبر دور الرعاية المختلفة، وبعد ذلك عندما بلغت السادسة عشرة وجدت أنني أدافع عن نفسي في الشوارع.

ويضيف: أخي بلا مأوى أيضاً، وأختي في السجن ولا أستطيع أن أخبركم أين والدي. وما هو موجود من مصاعب في حياتي منحني الكثير من مشاكل الصحة العقلية، وأنا دائماً مذعور وتتلبسني الشكوك وأتعرض لنوبات اكتئاب شديد في بعض الأحيان لأني أشعر بأنه لا أحد يهتم بي، وأني كالمنبوذ والمنسي.

النوم في التجمد

وقام بارنز بتحويل مشروب طاقة قديم إلى أنبوب حتى يتمكن من تعاطي «سمه»، أي أعشاب القنب ومخدرات بدائية. ويقول إنها الأشياء الوحيدة التي تمنحه قدرة على الحصول على لحظات من النوم في ليالي الشتاء الشديدة البرودة.

ويقول بارنز: لم أشرب أبداً في حياتي، ولا أتعاطى عقاقير قوية مثل بعض المتسولين المحترفين، ولكني أدخن قليلاً من الأعشاب، إنها سم أتعاطاه، ولأكون صادقاً، فأنا بدونها لا أعرف ما أفعله حينما أحاول النوم، حيث يبرد الجو ويصبح النوم أقرب للمستحيل في معظم الليالي. ويعترف بأن حياته البائسة كشخص لا يملك مأوى، أصبحت أكثر صعوبة بسبب وصمة العار التي تحيط بمن يتسول، وتزداد سوءاً من خلال أدلة على كثرة «المتسولين المحترفين» في المدينة.

مشردون وليسوا طفيليين

ويقول: الكثير من الأشخاص يتسولون بسبب تعاطيهم المخدرات رغم أن لديهم منازلهم، وهذا ما يجعل الحياة أكثر صعوبة لنا في الشوارع، لأننا ليس لدينا مكان نذهب إليه في الواقع، وسنتعرض لنفس ما يتعرضون له من مواقف.

ويضيف بارنز: تقع بعض الاعتداءات عليّ، خاصة من سكارى عطلة نهاية الأسبوع، إنه أمر فظيع لأنهم يعتقدون أني من الشحاذين المتطفلين، فيركلونني ويبصقون عليّ، ويلقون المشروبات فوقي ولا أستطيع حتى التفكير بعدد المرات التي تعرضت فيها للاعتداء ولو أن دورة الحياة كانت معكوسة فيمكن أن يجلسوا هنا بجانبي.

وقال داني إنه عندما يبحث عن مكان للنوم فيه، يتجنب الأماكن التي تكون بعيدة لأنه يشعر بأنها خطيرة جداً، وبالتالي فإنه يختار النوم في العراء، ويفضل أن يكون في خط بعض كاميرات المراقبة لكي تنفعه في حالة حدوث شيء سيئ.

قليل من الرحمة والمساعدة

ويكافح بارنز للتكيّف مع الجمعيات الخيرية للمشردين، بما في ذلك من تقدم إيواء لمن ليس لديهم سقف. ويقول: لا أذهب لأماكن لديها أنظمة مشددة لأنني أعتقد بأنه لا طائل منها، خصوصاً مع مشاكلي بالصحة العقلية. ويمكن أن يكون ذلك تحدياً لأنهم لا يريدون أن يعرفوا شيئاً عنك، لذا أفضل الأماكن التي أكون فيها قريباً من الناس.

ويختم المشرد بارنز حديثه بالقول: كل ما أريده حقاً هو بعض الرحمة وقليل من المساعدة، لقد بقيت حياً لأن هناك الكثير من الناس في هذه المدينة يساعدونني، وأحياناً يبعدون عني الاكتئاب، ويجعلون يومي مختلفاً حقاً عندما يجلس شخص ما بجانبي، ويمنحني بعض الرفقة والدردشة. نحن المشردين لسنا سيئين لمجرد أننا في الشارع، ولكننا فقط بحاجة للقليل من الدعم.

عن صحيفة ميرور البريطانية

«البيت الصغير» مبادرة خيرية لإيواء المشردين

قبل حوالي شهرين أُطلقت مبادرة اسمها «البيت الصغير»، وهي جزء من مشروع لعلاج أزمة المشردين في بريطانيا. ويطلق على منازل المبادرة «إيكوزي» وهي فكرة مستلهمة من اليخوت وكبائن الدرجة الأولى في الطائرات.

وتبلغ مساحة المنزل الجاهز 186 قدماً وكلفة بنائه 40 ألف إسترليني، ويمكن إنشاؤه ونقله لأي مكان. ويمكن لمجالس المدن المحلية والمنظمات الخيرية أن تضع المنازل واحداً فوق الآخر لخلق مجتمعات سكنية مستدامة.

ويُعتبر المراهق البريطاني كيران إيفانز أول شخص يستفيد من المبادرة، حيث تسلم مفاتيح منزله في باربورن، ورسيستر. ومن الممكن في حالة نجاح المشروع تطبيقه في أنحاء بريطانيا لحل أزمة السكن وتزايد أعداد المشردين.

وظل الشاب كيران مشرداً دون سكن لمدة عام ثم قضى وقتًا في نزل أحد الجمعيات الخيرية قبل انتقاله لسكن مؤقت. وعن منزله الجديد يقول: أنا سعيد جدًا لامتلاك فضاء خاص بي كما أنه يشبه شقة فاخرة.

ويتعين على مستأجري مساكن المشروع أن يتحملوا مسؤولية دفع الإيجار وفواتير المياه في محاولة لتعليمهم كيف يعيشون بشكل مستقل. ونفذت المشروع مؤسسة المشردين، التي تعتقد أيضاً بأنه يمكن استخدام السكن لإيواء الطلاب والمهنيين الشباب، وعمال المناطق التي يوجد فيها أزمة إسكان.

وقال مدير المؤسسة: أكبر مشاكل التشرد هي محنة الشباب الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف المنزل، وينتهون للسكن في بيوت الشباب والإقامة المؤقتة. وأوضح أن المشروع سيوفر منزلاً لكيران، على أمل أن يساعده في تأمين إيجاره الخاص مع جمعية الإسكان لإثبات أنه يمكن أن يعيش بشكل مستقل ويداوم على دفع الإيجار