المنتدى

تأسيس معهد لصنع القادة

بقلم – توجان فيصل:

في خمسينيات وستينيات (بل وسبعينيات) القرن الماضي حين لم تكن الكهرباء قد وصلت للعديد من القُرى والبلدات في الأردن، وحتّى لبعض المدن كمدينة الزرقاء ثاني أكبر مدينة بعد عمان ..كان العديد من الأردنيين يدرسون على ضوء فانوس الكاز.. وهذا لم يكن عائقاً في وجه طالبي العلم، ولا أعاق العقول المتشوقة للمعرفة. وزخر الأردن حينها بكفاءات في مختلف الحقول صدّر الكثير منها لدول الخليج التي كانت بدأت نهضتها مع توسع اكتشاف واستخراج النفط. وحين أُنشئِت «الجامعة الأردنية»، شهد لها العالم بسوية خريجيها والذين كُثر منهم كانوا ممن درسوا الثانوية على ضوء الكاز، ولكنهم حظوا بمقعد جامعي بالتنافس.. وإن لم نعدم من حاز مقعداً «بالواسطة»، وكنّا نؤشّر عليهم مُتضاحكين.. كانوا مكشوفين جداً، لأنهم كانوا عكس ما يميّز الغالبية «ذوي الألباب».. ودار الزمان، فصار من كنا نؤشر عليهم ضاحكين من «ذوي الألقاب» في توريث لكل المناصب. وأصبحت الجامعات «دكاكين»، وصار الخريجون «بالكب وبالهبل»، وهما تعبيران يعنيان (في اللهجة الأردنية) الكثرة غير المنضبطة.. ولكن هذا لا ينقض دقّة التوصيف بمعناه الحرفي.

ونوضح هنا أن دخول الجامعات ليس تنافسياً حقيقةً. فالحاصلون على مقاعد «مكرمة» كلهم يتنافسون من باب كونهم «أبناء» فئة وليس لمؤهلاتهم واستعداداتهم هم. والفئة توسّعت لتصبح فئات بظنّ أن الثمن بخْس ولا يزيد على مقعد جامعي، مع أنه – في الحقيقة- المكرمة للبعض تشمل رسوم الدراسة ويزاد للبعض الآخر ثمن الكتب ومصروف جيب. وتضخم حصة المكرمة لم يبقِ شيئاً يذكر للمتنافسين بعلمهم. فجرت زيادة المقاعد بحيث أصبح عدد طلبة الجامعة الأردنية – كمثال- والتي استيعابها يقف عند العشرين ألف طالب، خمساً وأربعين ألفاً.. بشهادة رئيسها. وبمجمله أصبح 85% من خريجي الثانوية العامة يتحوّلون لخريجي جامعات لا يقبلون إلا وظائف من سوية بعينها لا توفرها بلا منافسة سوى الدولة (القطاع الخاص يمتحن قدرات المتقدم للوظيفة ولا يلتفت للشهادة). أما سوية علمهم فقد شخّصها الخبراء الأربعة، ونختصره بتشخيص وزير التربية والتعليم ذاته «كثير من التعليم وقليل من التعلم». والذي أيده وزاد عليه زملاؤة الخبراء الذين دعوا لمؤتمر «أجندة الأردن 2018»..

وبالمناسبة، لدينا أجندات وخطط استجابة وخطط مناعة وإستراتيجيات مستقبلية عديدة، تتجاوز العام الحالي الذي تكشّف حاله على غير ما قيل، وليس فقط خططاً للعام المقبل 2019، بل إن ما لدينا من «خطط إستراتيجية» تصل للعام 2030.. ولكن لا خطط «تكتيكية» تمنع أن يتكشف كل عام بعكس ما وعدنا به في سابقه..

يقول الكاتب الاقتصاديّ الدكتور فهد الفانك -المحسوب على الدولة والمُؤيّد بحماس لحزم الضرائب التي أعلنتها الحكومة مؤخراً- أن نسبة زيادة النمو الاقتصادي المتوقّعة (في الخطط الإستراتيجية) لهذا العام، لم تتحقق بل تحوّلت لهبوط، فيما مشكلة البطالة زادت وحتى إجراء إحلال العمالة الأردنية محل الوافدة (المفترض أنها بيد الحكومة) كلها أصبحت «مواجهة جدار الصد في وجه الحكومة» لهذا فالحكومة «تحاول الدوران حول المشكلة الأساسية بتناول مشاكل وتحديات أخرى ليست بهذا العناد والمطالبة بحلّها. تحت هذا الباب تعهدت الحكومة بالقيام بمهمات استثنائية وغير تقليدية مثل: إعادة هيكلة القطاع العام ليكون أكثر رشاقة وكفاءة، وتأسيس معهد لصنع القيادات، والتأكيد على حماية الطبقة الوسطى»..

سنترك «حماية الطبقة الوسطى» كونه سيتأكد قريباً مصيرها بالوقائع والأرقام، بخاصة لكون الكاتب نفسه يقول «يجب أن يكون مفهوماً أن الحكومة نفسها بحاجة إلى الدعم، وأن كل المطالب الموجهة إليها لدعم هذه الجهة أو تلك أو هذه الطبقة أو تلك ليست واقعية وليست قابلة للتنفيذ».. ولكن العجيب الذي يستوقفنا هنا هو «تأسيس معهد لصنع القادة»، وحتماً ليس بأموال حكومية، بل إما بتمويل من جهات خارجية، أو كمعهد تجاري لمن يستطيع أن يدفع ليحظى بشهادة «قيادي» لا تلزم أحداً بقبولها سوى الدولة التي أنشأت المعهد!! فالقادة لا يصنّعون، بل يولدون بصفات قيادية تتطور وتظهر بما يوصلهم لمواقع قيادية برافعة شعبية في الدول الديمقراطية..وحتى في الدول الدكتاتورية هم يصبحون قيادات معارضة يستحيل مواجهتها بخريجي معهد حكومي، بالذات حيث تعترف الجامعات بأنها فشلت في تعليم مساقات أخرى قابلة للتعليم.

وإعلان نية تأسيس المعهد تعيدنا لإعادة هيكلة القطاع العام «لترشيقه». والترشيق يعني تسريح أعداد غير قليلة من موظفي القطاع العام التي تجمّعت لكون شاغليها لهم «دالّة» على الحكومات. فالعديد من هؤلاء يعتقدون أنهم أولى بالعودة لمواقع قيادية، وسيطالبون بمقاعد في»معهد صنع القيادات» لهم أو لأبنائهم. ولا أستغرب إن انتقلت «طوشات» الجامعات، والتي أكّد المحللون على أن المتسببين بها هم الفئات التي تعطى مقاعد في حين هي غير قادرة على التعلم، لطوشات أعنف في «معهد القيادات»!

كاتبة أردنية

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X