شللي يصير توثيق دقيق لما جرى ويجري
العمل حقق المعادلة الصعبة في التشويق ومتعة المشاهدة
غانم السليطي وضع بصمته المؤثرة في هذا العمل
العمل أظهر الطاقة الإبداعية الكبيرة للفنان جاسم الأنصاري

بقلم – محمد أبو جسوم:
لاشك أن الأزمات تجدد الطموحات وتساهم في تنويع الإبداعات والابتكارات، ومعها يعاد ترتيب الحسابات لتأكيد روح الانتماء، ولذلك جاءت تلك الأزمة من رباعية الحصار الجائر بلا مبرر وبدون سابق إنذار لا تستند إلى قانون أو شرعية أو مبادئ أخلاقية وإنسانية بل حملت بين طياتها الحقد والكراهية للدولة الفتية التي أصبحت تشكل رقماً صعباً على الخريطة العالمية لأنها قطر العز في عهد تميم المجد.
ومن هنا خلقت لنا هذه الأزمة الطموح والابداع والابتكار، وأظهرت لنا طاقات كنا نجهلها في سابق الزمان سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية من حيث تلاحمها بين المواطن والمقيم، وكان الإعلام هو لسان حال الحرية في هذه الأزمة ذات الأبعاد الصبيانية الطائشة، وسواء كان هذا الإعلام مسموعاً أو مقروءًا أو مرئياً فقد سخرت هذه الأجهزة كل إمكانياتها للتصدي لهذه العبثية من خلال المقالات والندوات والتحليلات في إطارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكل هؤلاء أبدعوا وتفننوا في الكتابة والتحليل والنقاش في ضوء الشفافية ومفهوم الحقيقة والسقف العالي للمصداقية بهذه المعايير المتحضرة، حيث وضع الإعلام القطري النقاط على الحروف تجاه هذه الأزمة والحصار الجائر على دوحة العز وقطر الشموخ، وبين هذا وذاك قال أبو الفنون كلمته حيال هذه الأزمة حيث قدمت شركة مشيرب للإنتاج الفني مسرحية الحصار، ثم جاءت وقفة الفنان المخضرم عبدالعزيز جاسم، وبرغم ظروفه الصحية الصعبة اقتحم هذا الحاجز وقدم من خلال مؤسسته الخاصة مسرحية ديرة العز، ليأتي من بعده الفنان غانم السليطي ويضع بصمته المؤثرة من خلال مؤسسته التي تحمل اسم الدار للإنتاج الفني ليقدم مسرحية شللي يصير.
و”شللي يصير” عبارة عن فقرات كان يعرضها مع بداية الحصار عبر مواقع التواصل الإجتماعي حيث قام بإخضاع هذه الفقرات وتحويلها إلى مسرحية في خمس لوحات، ومن خلالها استطاع السليطي أن يجسد فيها كمؤلف حصار الأزمة الخليجية على قطر منذ بداية التخطيط لهذا الفعل الإجرامي وآلية تنفيذه مع بزوغ فجر صباح يوم 5 يونيو الماضي، وماصاحبه من اختراقات وافتراءات كيدية كاذبة ومضللة وجاء هذا النص المسرحي بلوحاته الخمس ليكون توثيقاً دقيقاً لما جرى ويجري لفهم سياق هذه الأزمة.
جاء الإخراج متلازماً مع الأحداث في تطورها الدرامي وعلاقتها بمضمون الحركة على خشبة المسرح من حيث الزمان والمكان، أما فيما يخص التمثيل فنجد أن غانم السليطي كعادته لابد أن يتحدث بلسان حال البطولة في أي عمل مسرحي يقوم به وأن يكون هو رأس الحربة في تطوير أحداثه وهذا أعتقد أنه لايعيبه، فلكل فنان قدراته وإمكانياته الجسدية والصوتية وهو يمتلك إمكانيات عالية كممثل في التقليد والتشخيص وسرعة البديهة، هو الأمر الذي يعطيه الحق في ذلك كما شاهدناه في أعماله السابقة، وفي هذا العمل الذي قام فيه بأداء أربع شخصيات مختلفة في الشكل والمضمون، كشخصية المسؤول المصري وأبو سالمين القطري والمرأة المتعاطفة مع قطر، والصبي الساذج غير السوي، فقد جاء تمثيله وتقمصه لهذه الشخصيات المختلفة في مستوى الحدث كعادته. هدية سعيد أو كما يسميها الجيل الجديد (ماما هدية) لاشك أن خبرتها الطويلة وممارستها لمهنة التمثيل سواء من خلال الشاشة وخشبة المسرح وميكروفون الإذاعة أكسبتها قدرة التحقق من أبعاد الشخصية التي تقوم بتمثيلها وإقناع الآخرين بما تقول وتفعل من خلال خبراتها الواسعة مع هذه الشخصية وتلك، وأقول لها عودة حميدة لربوع خشبة المسرح يا أم عبدالله.
أما جاسم الأنصاري فقد عرفناه كمخرج وممثل، لكنه في هذا العمل أظهر لنا طاقة إبداعية كبيرة في قدراته التمثيلية التي لم نشاهدها من قبل وكان منافساً ومبارزاً قوياً مع من حوله على خشبة المسرح، عبر حضوره المميز وأدائة الأكثر إقناعاً وشفافية لمفهوم الحركة على المسرح وأعتقد أن دوره لم يقتصر على التمثيل فقط بل كان له دور من الجانب الفني للعمل كالآخرين الذين عملوا بروح الفريق الواحد.
أبو هلال قام بدوره حسب تعليمات المخرج وتوجيهاته فأتقنه وعبر عن مكنون أهداف ما أراده المخرج، أما بقية الممثلين الذين لم تكن خبرتهم على خشبة المسرح كالآخرين فأبدعوا وأتقنوا بل وتفننوا وبالتالي برزوا كممثلين كل له شخصيته المستقلة وهم خالد خميس وعبدالله العسم وفهد القريشي، وخالد ربعية، ومشعل المري.. هذا ما يخص الممثلين.. وتفسير النص بناءً على تعليمات المخرج، أما العناصر الأخرى فلا تقل أهميه عن ما سبق ويجب أن تكون كاملة ومكملة لمضمون النص وأهدافه وهذا ما لمسناه في هذا العمل فالديكور جاء معبراً للأحداث التي تدور أمامه ومن حوله وبساطة نزوله من أعلى الخشبة (السوفيتا)، أما الإضاءة فكانت أكثر إشراقاً في التوزيع مع المجاميع الاستعراضية، ومواقع الأحداث المختلفة على المسرح وخاصة تلك البقع الضوئية في نهاية كل لوحة لتؤكد أهمية الحوار بين الملقي والمتلقي.. ونختم بأقطاب الكلمة واللحن والتوزيع الموسيقي لتكتمل الصورة الجمالية في شكلها ومضمونها لهذا العرض المسرحي التوثيقي بتلاقيها، حيث كانت كلمات الأغاني للشاعر الغنائي عبدالرحيم الصديقي الذي أكد في مضمونها على روح الاتصال والتواصل في ظل الحصار الجائر، فيما قام مهندس الألحان مطر علي بوضع إبداعاته اللحنية لهذه الكلمات المعبرة عن روح أحداث المسرحية، فتكتمل الصورة بالحس المرهف ونعومة الأنامل للفنان محمد المري في التوزيع الموسيقي بين قطبي الكلمة واللحن والذي يعتبر تعاونه مع الفنان الملحن مطر علي والفنان غانم السليطي بحد ذاته تشريفاً له.
ولاشك أن عودة غانم السليطي ليعانق خشبة المسرح من جديد بعد غياب دام ما يقارب العشرة أعوام تقريباً حيث كان آخر عمل جماهيري له هو (مسرحية عنبر و١١ سبتمبر) عام ٢٠٠٧م، هو استثمار للحركة المسرحية وتحريك المياه الراكدة لها، بل وعودة الجماهير لصالات العرض والتي تعتبر الضلع الأساسي لقيام أي حركة مسرحية.. وختاماً نقول بأن العمل استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة في التشويق ومتعة المشاهدة، وهذا هو الأهم.