أخبار عربية
بين ضرائب وتسويات ومستحقين

تدوير الأموال يكشف عجز خطط الإصلاح بالسعودية

الرياض – وكالات: تكشف الأيام تباعاً، استمرار خطط المملكة العربية السعودية و»رؤية 2030»، التي تهدف إلى تنويع مصادر وموارد دخلها، منها خصخصة مؤسسات حكومية وفرض الضرائب وتهيئة بيئة جاذبة للاستثمار، إلا أن متابعة تفاصيل تلك الخطط والأموال التي تُصرف والمشاريع المعلنة، لا تدع مجالاً للشك في أنها ليست أكثر من عملية تدوير لأموال، في حين يحثُّ اقتصاد المملكة خطاه نحو التراجع. وأعلنت المملكة العديد من الخطط لتنويع مصادر دخلها، ضمن ما بات يُعرف بـ»رؤية 2030»، منها خصخصة شركة أرامكو النفطية، ومؤسسات صحية وتعليمية، فضلاً عن فرض ضريبة القيمة المضافة مطلع 2018، والتي واجهت استياء وانتقاداً كبيرَين من المواطنين السعوديين، المثقَلين بالأعباء الشهرية مع تدني مستوى الأجور وارتفاع الأسعار وفرض الضرائب، في حين ارتفع عدد المستحقين للدعم إلى الثلثين من نسبة سكان البلاد الكلي.

خصخصة وضرائب

مع تراجع نمو القطاع الاقتصادي غير النفطي في المملكة إلى الصفر تقريباً نهاية العام الماضي، وإجراءات تقشفية أثقلت كاهل الاقتصاد بشدة، اقتنعت المملكة بأن الخصخصة وفرض الضرائب ورفع أسعار المحروقات هي الرهان الأفضل لإنقاذ «رؤية 2030» من الانهيار.

وعلى أساس تقييم المسؤولين السعوديين لـ»أرامكو»، البالغ تريليوني دولار، فإن بيع حصة 5% قد يدرُّ 100 مليار دولار، رغم أن معظم المحللين المستقلين يتوقعون تقييماً أقل بكثير، وقد تجني الحكومة منه 50 مليار دولار أو أكثر.

ويقول مسؤولون سعوديون إن مبيعات الأصول الحكومية غير النفطية، من المستشفيات والمرافق التعليمية إلى المطارات وخدمة البريد، قد تجلب في نهاية المطاف 200 مليار دولار، لكن العقبات القانونية والبيروقراطية تقف حائلاً أمام عملية بيع تلك الأصول؛ ولهذا ستكون شركة أرامكو «كبش الفداء».

الاعتقالات قوضت جهود صناعة رأي عام عالمي وجذب المستثمرين

وراهنت الحكومة على بيع حصة 5% من أصول الشركة، رغم أن الكثير من محللي الشؤون الاقتصادية يُجمعون على أن قيمة هذه الأموال لا تكفي لسد عجز الموازنة الناتج عن انخفاض أسعار النفط، وتباطؤ الاقتصاد خلال السنوات الأخيرة، وكذلك حجم المشاريع التي أطلقتها الحكومة السعودية، بهدف صناعة رأي عام عالمي وجذب المستثمرين، لكنه قوَّضت الجهود بالاعتقالات الأخيرة التي طالت أمراء ومسؤولين ووزراء سابقين وقبلها رجال دين ودعاة، لكنه في المقابل نالت بالتسويات معهم أموالاً، ذهبت ليد الدولة «من تحت الطاولة».

سعوديون ومعاناة

أثار رفع الحكومة السعودية أسعار الكهرباء والمحروقات وفرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات بنسبة 5%، مطلع 2018، حفيظة قطاع كبير من السعوديين، وأحدثت موجة انتقادات غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن يتدارك العاهل السعودي الأمر باستحداث برنامج «حساب المواطن».

و»حساب المواطن»، هو برنامج يستهدف الفئات متوسطة وقليلة الدخل من المواطنين؛ إذ يُمنحون مبالغ مالية لمواجهة الارتفاعات في أسعار الوقود والكهرباء والمياه، وحزمة الضرائب والرسوم على السلع والخدمات. وصرفت المملكة بالفعل 6.3 مليار ريال (1.7 مليار دولار)، ضمن أول برنامج للدعم النقدي لمواطنيها في ديسمبر 2017.

وخصصت الحكومة السعودية في موازنة العام الجاري (2018)، نحو 32.4 مليار ريال (8.64 مليار دولار) للبرنامج، بعدما أثارت زيادات الأسعار والضرائب التي استحدثتها الحكومة على عدد من الخدمات، غضب شريحة كبيرة من السعوديين، لتعود تلك الإجراءات بنتائج عكسية على الاقتصاد والحكومة والمشاريع التنموية.

وأودعت الحكومة 533 مليون دولار في حسابات مستحقي الدعم، خلال ديسمبر، كدفعة أولى من البرنامج؛ في حين صرفت، في يناير الماضي، 560 مليون دولار كدفعة ثانية، ثم 587 مليون دولار، الأحد 11 فبراير 2018، كدفعة ثالثة لشهر فبراير (بزيادة بلغت قيمتها 54 مليون دولار في غضون ثلاثة أشهر)، حسب بيان لوزارة العمل السعودية.

 فشل متراكم منذ عام 2016

أسهم إعلان الرياض، في ديسمبر 2016، خطةً لإنهاء العجز بحلول عام 2020، من خلال رفع أسعار الوقود وفرض الضرائب والإجراءات التقشفية، وتوفير 450 ألف وظيفة وخفض الإنفاق العام بنسبة 40%، في تهدئة مخاوف المستثمرين بشأن الاستقرار المالي للسعودية، إلا أن الإحصاءات الرسمية المنشورة تُظهر بوضوحٍ أن أهداف خطة 2020 كانت مغرقة في التفاؤل، بحسب خبراء واقتصاديين. ودفعت إجراءات التقشف الاقتصاد إلى الركود، في ظلّ انكماش الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2017، في حين يهدد التباطؤُ الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي أعلنتها الحكومة، التي تريد من خلالها تعزيز نمو القطاع الخاص وتطوير الصناعات غير النفطية. وعكس تجارب الماضي، فإن عواقب فشل عملية التحول الكبير في السعودية ستكون باهظة، كما أن إمكانية إنقاذ أسعار النفط الاقتصاد «المأزوم» تبدو ضئيلة. إذ تهدد أزمات المنطقة، ومنها سوريا والعراق، وتدخُّل السعودية في حرب اليمن ومحاصرتها دولة قطر، تحقيق التنمية في المملكة وتعرقل عملية التحول، بحسب تقرير لوكالة «بلومبيرج» نُشر في 3 أكتوبر 2017.

عدم توفر الأموال يعيق حملة الإصلاح

منذ أكثر من عامين على بدء حملة الإصلاح، يواجه المسؤولون السعوديون مسائل شائكة في كيفية توفير الأموال، وتسريع التغيير الاجتماعي دون شلّ الاقتصاد والاشتباك مع المؤسسة الدينية المحافظة، حسبما نقلت «بلومبيرج» عن رجل الأعمال السعودي تركي الرشيد. ورجح تقرير «بلومبيرج» أن المسؤولين السعوديين الذين يقودون جهود نقل المملكة لعصر ما بعد النفط؛ قد لا يولون اهتماماً كبيراً لأسباب ركود أداء الاقتصاد المحلي ربعين متتاليين، ولأول مرة منذ عام 2009.

تراجع ترتيب المملكة في عدّة مؤشرات دولية

في الوقت الذي يُتَوَقَّع فيه تحسُّن الاقتصاد بفضل إعلان «رؤية 2030»، تراجع ترتيب المملكة في عدّة مؤشرات دولية؛ منها تنافسية الاستثمارات من المركز الـ18 عام 2013 من أصل 44 دولة، إلى المركز الـ20 عام 2014، والـ24 عام 2015، والـ25 عام 2016، في حين تراجعت بسنةِ عرض رؤية المملكة إلى المركز الـ29، بحسب تقرير الهيئة العامة للاستثمار.

هارفارد: تكلفة حرب اليمن 200 مليون دولار يومياً

بعد ستة أشهر من تدشين السعودية معركتها في اليمن، تحدثت مجلة «فوربس» الأمريكية عن تكلفة بلغت نحو 725 مليار دولار، أي أن التكلفة الشهرية تصل إلى 120 مليار دولار. لكن دراسة أخرى لجامعة هارفارد الأمريكية أشارت إلى أن تكلفة الحرب تصل إلى 200 مليون دولار في اليوم الواحد.

الرياض تصرف أموالاً طائلة على التجهيزات العسكرية

رغم تدهور الوضع المالي، تصرف الرياض أموالاً «طائلة» على التجهيزات العسكرية لجيشها داخلياً وخارجياً، حيث قدَّرت تقارير سنة 2015، لوسائل إعلامية مختلفة بينها قناة «العربية»، الإنفاق الشهري للسعودية على الحرب بنحو 175 مليون دولار على الضربات الجوية ضد مقاتلي «الحوثي» في اليمن، باستخدام 100 طائرة. في حين توقعت أن تُكلّف حملة الرياض العسكرية أكثر من مليار دولار، وهو ما اتضح عدم صحته مع استمرار الحرب.

فشل رؤية 2030 بسبب الاعتماد على النفط

العام الماضي، توقعت تقارير اقتصادية، نشرتها صحف ومواقع عالمية، منها موقع «ميدل إيست آي» البريطاني، مؤخراً، و»فايننشيال تايمز»، فشل «رؤية السعودية 2030»، التي تهدف إلى تنويع مصادر الدخل.

وأشارت تلك التقارير إلى عددٍ من الأسباب؛ منها صعوبة توقُّف اعتماد المملكة على النفط، ومشاكل تواجه بيع الممتلكات الضخمة لتمويل المشاريع الاستثمارية، الأمر الذي دعا الحكومة السعودية، في سبتمبر الماضي، إلى إجراء مراجعة لخطط التحول الوطني ورؤية 2030.

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X