بقلم – سمير عواد:
تجري انتخابات الرّئاسة في مصر في نهاية شهر مارس الجاري، لكنّ اسم الفائز فيها معروفٌ منذ اليوم. وهي بنظر المُراقبين عبارة عن انتخابات شكليّة، فالمُرشّحون ضدّ الرّئيس الحالي المُثير للجدل، عبد الفتاح السيسي، همّ مرشحون شكليّون. فالذين تجرأوا على الترشح، إما يجلسون وراء القضبان، أو انسحبوا بعد تهديدهم. لذلك فإنّ النتائج معروفة، السيسي باقٍ في منصبه، وسيكون المرشح الوحيد، ولم تكن هذه الانتخابات مُمكنة لولا الدُّستُور المصري.
انتخابات دون مرشحين منافسين للسيسي. فقد نجح الرئيس المصري في الأشهر والأسابيع الماضية في التخلص من مُنافسيه المُفترضين. وكان آخرهم، أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، الذي أعلن في نوفمبر ترشحه وذلك من مقرّ إقامته في دولة الإمارات العربية المتحدة. وبعد وقت قصير، سلمته أبوظبي إلى القاهرة حيث تم اعتقاله ولما خرج من السجن غرّد على تويتر « لقد رأيت أنني لست الشخص المناسب لأقود البلاد في المرحلة القادمة». وتجدر الإشارة إلى أن أحمد شفيق، رشّح نفسه لمنافسة مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي عندما جرت في عام 2012 أول انتخابات بعد الإطاحة بنظام مبارك عام 2011.
ومثله كثيرون تراجعوا تحت التهديد عن ترشيح أنفسهم. وكتبت مجلة «دير شبيجل» حول هذا الموضوع « لا يترك النظام المصري شيئاً يمنعه للتخلص من المرشحين المنافسين للسيسي، ومن يتجرأ على ذلك، فإما يتعرض إلى حملة تشويه سمعته، أو ينتهي وراء القضبان».
ونفس المصير، واجهه محمد أنور السادات، ابن شقيق الرئيس المصري الراحل. لكنه تراجع عن الترشح عندما عرف ماذا حصل لأحمد شفيق، وقال في مؤتمر صحفي إن الأجواء السائدة حالياً في مصر لا تساعده كي يخوض هذه المغامرة.
وكان قد سبقه شخصية مصرية معروفة أراد منافسة السيسي، هو سامي حافظ عنان، رئيس الأركان السابق والذي كان السيسي نفسه يعمل تحت إمرته، وأحيل إلى التقاعد بعد نهاية عهد مبارك. وفي رسالة فيديو، دعا عنان كافة المؤسسات المدنية والعسكرية إلى التزام الحياد في انتخابات الرئاسة المقبلة. وكان من وجهة نظر العديد من المراقبين، منافساً خطيراً على السيسي، الذي شعر بقلق وتصرّف على طريقته المعتادة، فتم التقليل من أهمية عنان، وتمّ اعتقاله بتهم فساد كان بغنى عنها لو لم يرشح نفسه ضد السيسي. وبحسب الرواية الرسمية التي ترددت في القاهرة، أحيل إلى سجن عسكري، لأنه لم يطلب موافقة القيادة العسكرية على ترشيح نفسه.
ثم أعلن المحامي المصري المعروف خالد علي، طلب ترشيحه، الذي كان يأمل في الحصول على فرصة للمشاركة في العملية السياسية في مصر، لكنه اضطر لأن يقول بمرارة، إن الحملة القذرة للتخلص من المرشحين المنافسين للسيسي، أضاعت كل أمل بأن تجري الانتخابات بنزاهة.
غير أن السيسي يعرف أن العالم يراقب ما يجري في مصر، وأن الغرب لن يغفر له إذا استمرّ في نهجه غير الديمقراطي، ويناور على الجميع ليثبت نفوذه. وكان أن سمح السيسي لمرشح وحيد لينافسه شكلياً هو موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، لحفظ ماء الوجه وليقول لمنتقديه في الغرب أنه تغلب على منافسه.
لكن ما يدعو إلى السخرية، أن موسى لا يُعتبر منافساً حقيقياً للسيسي، ولا يملك برنامجاً سياسياً جدياً لإقناع الناخبين المصريين بأنه أنسب من الرئيس الحالي الذي جاء إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري ضد مرسي عام 2013. وحتى إعلانه ترشيحه كان يقوم بالدعاية للسيسي، وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي»، كان ينظم تجمعات واحتفالات تدعم ترشيح السيسي لدورة ثانية في منصبه واعترف في تصريحات لمحطة إذاعية مصرية أنه كان يعمل من أجل إخلاء الساحة من المرشحين المنافسين للسيسي. كما كان ينشر على موقعه في الفيسبوك عبارة مؤيدة للسيسي تقول «نؤيدك رئيساً لمصر». لذلك لا يشك اثنان بأن هذا مرشح شكلي من نوع مُثير للضحك، ودخوله الحملة الانتخابية ليس أكثر من مجرّد صفقة أبرمها ليحفظ ماء وجه السيسي أمام العالم.
ولا يبدو أن الغرب سيشعر بأسف لفوز السيسي، فطالما ينهج سياسة القبضة الحديدية ضد الإخوان المسلمين والليبراليين وخصوم اتفاقية كامب ديفيد، فإن السيسي يعرف أن الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، سوف يبرقان مهنئين، وسيقول الاتحاد الأوروبي أنه لن يغير سياسته تجاه مصر، ففي نهاية المطاف يعتبر الغرب السيسي حليفه فيما يُسمّى الحرب ضد الإرهاب وحليف أوروبا في التغلّب على أزمة اللاجئين. هذه أنباء سيئة للمعارضة المصرية الحقيقية، فالغرب لا يريد التغيير في مصر، ويغضّ الطرف عن الفرعون الجديد.
(مراسل الراية في برلين)