تقارير
تبحث عن نفوذ في المنطقة لمقاومة المشروع الصيني

الهند تنهج سياسة «اليوجا» في الشرق الأوسط

دلهي عقدت علاقات وثيقة مع كافة أطراف النزاع وتعمل بسياسة عدم الانحياز

دول الخليج أقنعـت مودي بضـرورة زيارة رام الله

برلين – الراية : بدأت موازين القوى تتغير في العالم، بعدما باء النظام العالمي بالفشل خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، حيث بدأت الحدود التي وضعتها خطة «سايكس – بيكو» تتهاوى ولم تعد بالشكل الذي كان الغرب يأمل به عندما تم تقسيم المنطقة العربية ونشوء دويلات تتنافس اليوم فيما بينها على كل شيء. ونتيجة الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، غاب دور البلدين في إحلال السلام في العالم العربي ويبدو أن ذلك مستحيل في ظل وجود الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وبينما قررت واشنطن التخلي عن دور الشرطي الدولي، وعدم قدرة روسيا على القيام بهذا الدور، وبدء تغير التحالفات، يلفت أنظار المراقبين محاولة ما يُسمى بالدول الصاعدة، ملء الفراغ الذي خلفه غياب القوتين العظميين، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، مثلما تقوم به منذ وقت كل من الصين والهند. فخلافاً لواشنطن وموسكو، فإن بكين ونيو دلهي تلتزمان الحياد تجاه دول الشرق الأوسط مما يمهّد لها السبيل لعقد علاقات مع كافة دول المنطقة، رغم وجود علامات استفهام وتساؤلات كبيرة حول قدرتها على الإسهام بوضع حلول للنزاعات والأزمات العديدة التي زاد عددها في الفترة الأخيرة بسبب القرارات الخطأ التي اتخذتها واشنطن وموسكو.

فالصين ماضية في مشروعها المعروف باسم «طريق الحرير»، في إطار استراتيجيتها الهادفة لأن تصبح قوة عالمية قبل نهاية القرن الواحد والعشرين. وتسعى من خلال مشروعها لمد لتعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري، وهذا المشروع هو أكبر برنامج تنموي منذ خطة مارشال التي وضعها الأمريكان بعد نهاية الحرب العالمية الثانية لإعادة بناء ألمانيا. لكن العالم الغربي ينظر بقلق إلى النهج الجديد للدولة الشيوعية العملاقة. أما الهند، فإنها تعتبر ألد أعداء الصين منذ خسارتها عام 1962 ما يُعرف بحرب الحدود أمام الأخيرة. وتسعى حكومة رئيس الوزراء الهندي ماريندرا مودي، لأن تصبح أكثر من كونها قوة نووية، وحتى الآن دون نجاح يُذكر. فمنذ سنوات تحاول الهند الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي المعروف باسم نادي الكبار. ورغم تواضع نفوذها السياسي دولياً، فإن اقتصادها يحقق ازدهاراً كبيراً على مستوى العالم. وطبقاً لتقارير إعلامية تسعى الهند بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا واليابان في تحقيق مشروع بديل لمشروع طريق الحرير الصيني. وتحاول منافسة الصين على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط. وقد حققت تقدماً ملحوظاً، فقد عقدت صلات وثيقة مع كل من إيران وإسرائيل وفلسطين. ففي منتصف شهر فبراير الماضي، استقبل مودي الرئيس الإيراني حسن روحاني في نيو دلهي. وكانت أول زيارة من نوعها منذ عشرة أعوام. وأهم ما تم التوصل إليه في هذه الزيارة، كان توقيع اتفاقية تنص على استئجار الهند جزءاً من ميناء «تشاهبهار» الواقع على خليج عُمان، لقاء خمسمائة مليون دولار، ويُعتبر أنه من أكثر الطرق البحرية في العالم من ناحية حركة الملاحة. وتنوي الهند تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع أفغانستان عبر هذا الميناء، وبذلك تنافس باكستان على النفوذ في هذا البلد. ولذلك تقوم الهند ببناء سكة حديدية تربط بين «تشاهبهار» والحدود الإيرانية الأفغانية. ومن جهتها تتعاون باكستان مع الصين في إنشاء مشروع مضاد للمشروع الهندي، وذلك على بعد 140 كلم شرق تشاهبهار، وذلك في مدينة «جفادار» الباكستانية. وتأمل طهران أن يساعد التعاون مع دلهي في ازدهار الاقتصاد الإيراني ليس عبر الاستثمارات والتنمية بالإضافة لحصولها على دعم سياسي، وترجو أن يساعدها رئيس الوزراء الهندي في الحفاظ على الاتفاقية النووية المبرمة في يوليو عام 2015 بين إيران والدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا. وبحسب مجلة «دير شبيجل» الألمانية، يبدو أن مودي توصل إلى طريق للتعاون مع كافة أطراف النزاع في الشرق الأوسط. وقال خلال وجوده في إسرائيل عام 2017 «رياضة اليوجا أفضل وسيلة لحل المشكلات في المنطقة». بمعنى آخر، السعي باستمرار للتفكير بطرق للتعاون. لكن هذه الوسيلة لا يعمل بها غير رئيس الوزراء الهندي. وقادت أول زيارة إلى الخارج قام بها مودي في مطلع فبراير الماضي إلى الضفة الغربية في فلسطين المحتلة.

وكانت أول زيارة لرئيس الوزراء الهندي إلى مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية. واعتبرت الصحف الهندية هذه الزيارة بمثابة «زيارة واجب». والسبب أن دول الخليج طلبت من مودي أن يقوم بهذه البادرة أخيراً بعد تردد دلهي سنوات طويلة بتحقيقها. وفي نهاية المطاف رضي رئيس الوزراء الهندي بذلك، لأنه لم يرغب في إغضاب دول الخليج، ذلك أنه يحتاج لمليارات الدولارات التي يحولها العمال الهنود العاملون في دول الخليج والذين يقدر عددهم بالملايين. وتجدر الإشارة إلى أن زمن العلاقات الفلسطينية الهندية يعود إلى فترة طويلة. إذ كانت الهند أول دولة غير عربية اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني وذلك في عام 1975 وتم في العام المذكور افتتاح ممثلية لمنظمة التحرير الفلسطينية في دلهي. لكن بالذات في عهد مودي، طرأ فتور على هذه العلاقات لكن منظمة التحرير الفلسطينية اعتبرت إدانة الهند في ديسمبر الماضي قرار الولايات المتحدة الأمريكية اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، بأنه كان موقفاً ناجحاً.

وتريد الهند على ما يبدو التزام الحياد في سياستها تجاه الشرق الأوسط. فهي على علاقة وثيقة مع إسرائيل. فقد سافر مودي في الصيف الماضي إلى إسرائيل وكان أول رئيس وزراء هندي يزورها، رغم أن الهند كانت قبل 71 عاماً من الدول التي صوتت في الأمم المتحدة ضد تأسيس إسرائيل على أرض فلسطين. وتم نشر صورة موديو هو يتمشى مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حفاة القدمين على شاطئ البحر المتوسط تعبيراً عن بدء علاقة حميمية بين البلدين. والحقيقة أنها تعود لزمن بعيد إذ قامت إسرائيل خلال الحرب الباردة ببيع الهند سراً أسلحة لتعزيز ترسانتها العسكرية في مواجهة الصين وباكستان. وشارك الجيش الهندي في مايو الماضي لأول مرة بأكبر مناورة عسكرية جوية مع دول أخرى في صحراء النقب تبعها مناورة مشتركة بين الجيشين الإسرائيلي والهندي، ثم قام نتنياهو في يناير الماضي بزيارة الهند. وتم استقباله هناك بالورود وجموع المواطنين وعبارات التحية حيث قال نتنياهو «ناماستي» ورد مودي عليه «شالوم». وتم التوقيع خلال الزيارة على اتفاقيات شراء الهند أسلحة جديدة من إسرائيل وتم بحث التوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة، بالإضافة إلى التعاون في استخراج الغاز من مياه السواحل في المنطقة.

 

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X