القدس المحتلة – وكالات:
رغم الرفض الفلسطيني الرسمي والشعبي القاطع لما يسمى بـ «صفقة القرن» المشبوهة التي تُجهز الإدارة الأمريكية لطرحها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لا تزال المملكة العربية السعودية تُجري الاتصالات وتقدم الإغراءات للفلسطينيين مقابل التراجع عن رفضهم والتجاوب مع الصفقة.
الرئيس محمود عباس عملياً أغلق معظم الأبواب في وجه «صفقة القرن»، وهذا ما ظهر خلال تصريحاته الأخيرة، التي جاءت بعد إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، اعترافه بالقدس عاصمة لـ «إسرائيل»، ولكنه ترك «باب الدبلوماسية» مفتوحاً لإمكانية دخول الوساطات وتعديل الصفقة وإحداث اختراق ببعض ملفاتها الجوهرية، وهذا ما كانت تبحث عنه الرياض التي تبنت «صفقة القرن».
وكشف مسؤول رفيع المستوى في السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية المحتلة لمراسل «الخليج أونلاين»، أن الرياض لم تستسلم بعد، وتواصل جهودها وتحركاتها واتصالاتها لإقناع الجانب الفلسطيني بالقبول بـ «صفقة القرن»، رغم مخاطرها الكبيرة على القضية والمشروع الوطني.
تفاصيل العرض الأخير
معظم اتصالات وتحركات الرياض التي جرت في السابق كانت تُقابل برفض فلسطيني قاطع -يؤكد المصدر- خاصة من طرف الرئيس عباس الذي اعتبر الصفقة بأنها «صفعة» تُطبخ للفلسطينيين بأيدٍ أمريكية وإسرائيلية وعربية، حسب ما صرح مقربون منه. وأوضح المسؤول الفلسطيني أن الرياض لجأت لطريق آخر «غير أسلوب الضغط» الذي كانت تتبعه في السابق مع عباس، ولم يجدِ نفعاً، بتقديم مبادرة جديدة قد تساعد في تليين موقف الرئيس الفلسطيني وتجعله يقبل بالصفقة بحسب وجهة النظر السعودية. وكشف لـ «الخليج أونلاين» أن العرض السعودي الأخير تمثل في عدة نقاط؛ لعل أبرزها الضغط على ترامب لتأجيل قراره بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة، المقررة نهاية شهر مايو المقبل. ولفت إلى أن الرياض ستستخدم ورقتها في إقناع الرئيس الأمريكي بهذا الأمر، الذي كان العقبة الكبرى في توتير العلاقات بين واشنطن والسلطة الفلسطينية، التي على إثره قررت رفض الوساطة الأمريكية بأي جولة مفاوضات مقبلة مع «إسرائيل». وأعلن ترامب، في 6 ديسمبر الماضي، اعتبار القدس، بشقيها الشرقي والغربي، عاصمة لـ «إسرائيل»، والبدء بنقل سفارة بلاده إليها، ما أشعل غضباً في الأراضي الفلسطينية، وتنديداً عربياً وإسلامياً ودولياً، وخيب آمال الفلسطينيين الذين يريدون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم. ومؤخّراً قال وزير الخارجية الأمريكي المُقال، ريكس تيلرسون، إن الرئيس ترامب بصدد طرح مبادرة سلام يعتبرها «صفقة القرن». والعرض السعودي بحسب المسؤول الفلسطيني، شمل السعي من خلال تشكيل لجنة خماسية «أمريكية- إسرائيلية – فلسطينية – مصرية – سعودية»، للتباحث في كل القضايا التي يرفضها الفلسطينيون بالصفقة، ومحاولة إيجاد نقطة تقاطع مشتركة تساهم في فتح باب لتمرير الصفقة بالمنطقة.
الدور الجديد
وذكر أن الرياض دائماً ما تضع نفسها كراعٍ لـ «صفقة القرن»، وتعرض أن تكون راعياً ثانياً لأي مفاوضات مقبلة بين السلطة و«إسرائيل»، دون تقديم أي ضمانات فعلية لإنجاح ذلك، وهو ما لم يقنع الجانب الفلسطيني بدور الرياض الجديد الذي تريد أن تمارسه في المنطقة. وفي تفاصيل العرض، لفت المسؤول الفلسطيني إلى أن المملكة العربية السعودية كذلك وعدت بالإيفاء بكل الالتزامات المالية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي تعاني من أزمة مالية طاحنة، وتوقف جميع أعمالها خلال الشهر المقبل، وحث الدول المانحة على عدم قطع تمويلها، وسد العجز القائم في ميزانية السلطة الفلسطينية. كما ستحاول الرياض، بحسب المصدر، أن تساعد في إنجاح عقد لقاءات «فلسطينية- إسرائيلية» بمساعدة من الجانب المصري، تكون اللقاءات الأولى منذ توقفها في شهر أبريل من العام 2014. ويقول الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف: «إن الضغوط على عباس مستمرة من أكثر من طرف»، معتبراً أن الأمر يعود إلى أبو مازن ومدى رغبته في ألا يختم حياته «بالخيانة» ومواصلة الرفض. وبيّن أن الأمر كله بيد عباس إذا قرر مواجهة المؤامرة «فسيسجل في تاريخه شيئاً يذكر»، لافتاً إلى أن ضعف عباس بالنظر لوضعه الصحي وعمره قد يكون دافعاً لرفض الصفقة، وبحسب الصواف فإن «هناك أكثر من وسيلة للضغط على أبو مازن؛ منها الضغط السياسي والمالي وكذلك التلويح بالبديل».