الإمارات.. تردي حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية
الفساد المستشري والفروقات الاقتصادية بين أبو ظبي ودبي وباقي الإمارات حرك المياه الراكدة
أبو ظبي جهزت جيشاً من المرتزقة لإخماد التحركات الداخلية
لندن – وكالات: سلط موقع «ميدل إيست آي» في تقرير للصحفي جو أوديل، الضوء على تردي حقوق الإنسان، وغياب الديمقراطية في دولة الإمارات العربية المتحدة، بمناسبة الذكرى الخامسة لمحاكمة الأربعة والتسعين في الإمارات. وقدم الصحفي، شرحا مفصلا عن تعامل السلطات الإماراتية، مع 94 شخصية وقعت وثيقة دعت فيها قيادة البلاد إلى الإصلاح الديمقراطي، لكنّ الأمر انتهى بهم إلى السجن. وفي ما يأتي كامل التقرير الذي ترجمته «عربي21»: قبل ما يقرب من خمسة شهور وجهت لأربعة وتسعين ناشطا اجتماعيا وسياسيا في الإمارات العربية المتحدة تهما بالتآمر لقلب نظام الحكم وذلك بعد أن شاركوا في التوقيع على عريضة تدعو إلى الإصلاح الديمقراطي. وتمثل ما باتت تعرف بقضية الأربعة والتسعين إماراتيا لحظة مفصلية بالنسبة للقمع الذي تمارسه الدولة في الإمارات.
أدانت الأربعة والتسعين إماراتيا محكمة غلب عليها الاستعراض ومنع من حضورها الإعلام الدولي والمراقبون الحقوقيون، وكانت جريمتهم هي السعي لإقامة منظمة موازية اسمها دعوة الإصلاح بهدف قلب نظام الحكم في الإمارات. اعتمد الدليل الذي تقدم به المدعي العام أساسا على التوجهات السياسية للمتهمين وعلى انتساب بعضهم إلى مجموعة محلية اسمها الإصلاح، طالما أكدت على أنها منظمة سلمية. وكانت جمعية الإصلاح هذه قد شكلت جزءا من المشهد السياسي في الإمارات العربية المتحدة لعقود إلى أن أطيح بأعضائها في مطلع العشرية الأولى من الألفية الجديدة. اختلف في الأسباب التي أدت إلى ذلك. يقول كثيرون إن ذلك يرجع في الأساس إلى أن الجماعة كانت تدفع باتجاه تحول النظام السياسي نحو الديمقراطية. إلا أن النظام يزعم، كما جادل ممثلوه أثناء المحاكمة، بأن الارتباطات التاريخية والتعاطف الأيديولوجي مع جماعة الإخوان المسلمين حول أعضاءها إلى أعداء للدولة.
بداية النهاية
قبل عامين من المحاكمات، وتحديدا في شهر مارس من عام 2011، وقع المتهمون في مجموعة الأربعة والتسعين الإماراتية على عريضة تطالب الحكومة الإماراتية بإحداث مجموعة من الإصلاحات الديمقراطية المتواضعة.
وعلى اعتبار أن مطالبهم تستند على ما ورد في الدستور الإماراتي، فقد دعا هؤلاء إلى قيام مجلس وطني فيدرالي منتخب بالكامل يتمتع بصلاحيات رقابية كاملة وبمنح حق الاقتراع للجميع، وطالبوا بتراجع دولة الأمن، وطالبوا أيضا بالنص على احترام حقوق الإنسان الأساسية ضمن الإطار القائم حالياً لنظام الملكية الدستورية. فما كان من الحكومة إلا أن قامت بإلقاء القبض على الموقعين على العريضة على مراحل طوال عام 2012 حيث كان عناصر أمن بملابس مدنية يداهمون أماكن إقامة أعضاء المجموعة في ساعات متأخرة من الليل ويحتجزونهم دون مذكرات اعتقال. وبحسب ما ورد في تقرير لمنظمة «هيومان رايتس واتش»، فقد احتجز أربعة وستون من الأربعة والتسعين في مواقع سرية لما يقرب من عام في بعض الحالات دون السماح لهم بالاتصال بمحامين أو لذويهم بزيارتهم. بعد المحاكمة أصدرت الهيئة الدولية للحقوقيين تقريرا أدانت فيه الإجراءات وخلصت إلى أنها لم يتوفر فيها الحد الأدنى من المعايير الدولية لضمان محاكمة عادلة ونزيهة. وأشارت الهيئة إلى عدم وجود فريق دفاع حسب الأصول، وإلى الإخفاق الذريع في التحقيق في مزاعم بتعرض المتهمين للتعذيب، وكذلك إلى الاعتماد على أدلة تم الحصول عليها من خلال اعترافات استخلصت تحت الإكراه. انتهت قضية الأربعة والتسعين إماراتيا بإدانة تسعة وستين منهم ينحدرون من مختلف التوجهات السياسية والقناعات الأيديولوجية، وكان هذا الحكم بمثابة بداية نهاية حركة دعم الديمقراطية في الإمارات، تلك الحركة التي تم وأدها في مهدها بعد انطلاقة جاءت في سياق الربيع العربي لعام 2011 وأضافت صوتاً إلى الأصوات المطالبة بالتغيير في المنطقة.
قنبلة موقوتة
يندر أن يذكر اسم الإمارات العربية المتحدة في سياق الربيع العربي، وهي التي اشتهرت بكونها مركزا دوليا للتجارة والأعمال ووجهة مفضلة لدى السياح، الأمر الذي جعل الناس ينظرون إليها على أنها واحة من الاستقرار، إلا أن الطبقة المثقفة ما لبثت أن أثارها الفساد المستشري وغياب آليات المحاسبة الديمقراطية وتغول أجهزة الأمن في إدارة شؤون البلاد. ورافق ذلك تغير في موقف الجيل الجديد تجاه الهبات التي تمنحها الدولة لهم، حيث بدأوا يعتبرونها حقوقاً أساسية في حدها الأدنى بدلاً من نظرة كثير من أسلافهم إليها على أنها «هبات» مقابل رضوخهم السياسي.
وفي هذه الأثناء بدأت الفوارق الاقتصادية بين أبو ظبي ودبي من جهة والإمارات الشمالية مثل عجمان والشارقة وأم القيوين والفجيرة ورأس الخيمة من جهة أخرى تشكل مصدراً لكثير من السخط. ومن المظاهر التي أججت الإحساس بعدم الرضا ارتفاع معدلات البطالة ونقص الاستثمار في المشاريع الإسكانية وفي البنى التحتية. وقد عبر عن ذلك أحد كتاب الأعمدة في عام 2011 بقوله إن الأوضاع في الشمال باتت تشكل قنبلة موقوتة، حيث يشعر المواطنون بأنه لم يبق لهم الكثير ليفقدوه إذا ما أقدموا على الثورة.
قمع حرية التعبير
كما كان عليه الحال في سائر أرجاء المنطقة، كان الإقصاء الناجم عن الشعور بالحرمان أو الإهمال في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هو الخلفية التي ساهمت في إنعاش حركة المعارضة الإماراتية. وهذا ما دفع الخبير في الشؤون الخليجية كريستين كوتس إلى الاستنتاج بأن «التهديد الأساسي الذي تمثله جماعة الإصلاح لا يكمن بشكل أساسي في مطالباته السياسية بقدر ما يكمن في قدرتها الكامنة على الاستثمار في مشاعر السخط والإحباط بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية وبسبب تقلص الفرص الأمر الذي تحول في مصر وفي تونس وفي غيرهما من بلدان الربيع العربي إلى أداة لتحريك قطاعات واسعة من الشعب».
في مثل هذا السياق الأوسع ركز النظام الإماراتي جل اهتمامه على ما كان حينها في واقع الأمر مجرد معارضة سياسية هزيلة، لدرجة أن صحيفة «نيويورك تايمز» كشفت في عام 2011 عن أن أبو ظبي شكلت جيشاً خاصاً من المرتزقة الكولومبيين بناه لها إريك برينس الملياردير الذي أسس شركة بلاكووتر للمهمات الأمنية والعسكرية الخاصة. ومن المهام التي أوكلت لهذه القوة من المرتزقة «إخماد حركات التمرد الداخلية». يشارك نفس هذا الجيش الآن في القتال في اليمن.
منذ قضية الأربعة والتسعين الإماراتيين لم تكف السلطات في الإمارات عن اللجوء إلى القمع الشديد لحريات التعبير والتجمع داخل حدودها، مستعينة في ذلك بدولة الأمن التي أقيمت وجهزت بأحدث أدوات ووسائل القمع التي تم الحصول عليها من خلال تشكيلة من شركات المهام الأمنية والعسكرية الخاصة حول العالم.