تقارير
مفاتيحها بحوزة أحد السجناء

البرازيل: سجون مفتوحة لا يهرب منها أحد

لا حراس أو أسلحة.. وتوفر بديلاً إنسانياً للسجون التقليدية

السجناء يرتدون ملابسهم الخاصة ويطبخون طعامهم بأنفسهم

واحد من سلسلة تنشئها جمعية برازيلية بدعم مؤسسة تطوعية إيطالية

الجمعية أسست 49 سجناً في البرازيل ولديها فروع في كوستاريكا وتشيلي والإكوادور

هدف المشروع المثير تغيير الانطباعات عن سجون البرازيل السيئة

دي أوليفيرا يملك مفاتيح السجن لكنه لا يفكر في الهرب

التعامل مع السجناء بأسمائهم بدلاً من استخدام الأرقام

عقوبة محاولة الهرب إعادة السجين إلى السجون التقليدية

حققت نتائج إيجابية بشأن معدل الانتكاس والعودة للجريمة

القاضي دي كارفالو:  طريقة فعَّالة لاحترام حقوق الإنسان

دا سيلفا: نأكل بالسكاكين والشوكات المعدنية

تاتيان:  الانتقال إلى السجن المفتوح أعاد لي أنوثتي

عربي بوست – ترجمة:

يوجد في البرازيل نوع من السجون يختلف عن السجون التقليدية ذات السمعة السيئة من حيث الظروف اللإنسانية التي يعيش فيها المحكوم عليهم. السجون المفتوحة تجربة مثيرة حيث توفر مستوى جيد من الحقوق الإنسانية للمساجين الذين يديرون حياتهم اليومية بأنفسهم، وهم يعبرون عن سعادتهم بوجودهم فيها ولا يفكر أحد منهم في الهرب منها رغم أن مفاتيح السجن بحوزة أحدهم.  

وتقول صحيفة “الجارديان” البريطانية في تقرير لها أنه  سجن الرجال في “إيتاونا”، وهي بلدة في ولاية “ميناس جيرايس” جنوب شرقي البرازيل، يرتدي السجناء ملابسهم الخاصة، ويُحضِّرون طعامهم الخاص، وحتى الأمن هم المسؤولون عنه، ليس هناك حراس أو أسلحة والسجناء هم من يحمل المفاتيح. وفي باحة السجن كان ريناتو دا سيلفا يستمتع بالشمس، ببنيته الضعيفة وابتسامته العريضة ويعبر عن حلمه في التخفيف من مدة عقوبته البالغة 20 سنة، قضى منها الربع ومستعد للقيام بأي شيء ليخرج من السجن بأسرع ما يمكن ويصبح محامياً رغم أن عمره 28 سنة الآن. وتالياً بقية تفاصيل التقرير:

سجون البرازيل قنبلة موقوتة

دا سيلفا محظوظ كونه يقضي عقوبته في سجن تابع لجمعية حماية ومساعدة المدانين التي تسعى إلى تغيير كل الانطباعات المتراكمة حول النظام العقابي في البرازيل، حيث الاكتظاظ والفساد والتنافس بين العصابات بصورةٍ منتظمة والتي تنتهي في الغالب بأعمال شغب مميتة مما يجعل من سجون البرازيل قنبلة موقوتة يقبع فيها السجناء في ظروف غير آدمية وتكون فرص إعادة تأهيلهم ضئيلة.

في “إيتاونا”، يفتح الباب الرئيسي لسجن الرجال ديفيد رودريجيز دي أوليفيرا، المصنف “في طور التعافي” كما يُطلَق على السجناء في نظام جمعية حماية ومساعدة المدانين.

يَظهر هذا التصنيف إلى جانب اسمه على شريط صغير مكتوب عليه أيضاً فئة النظام التي ينتمي إليها، والتي تتنوع ما بين نظام مغلق، أو شبه مفتوح، أو مفتوح، هنا في سجون الجمعية يُتعامل مع سجناء الجمعية بأسمائهم بدلاً من استخدام الأرقام كما في السجون التقليدية.

لا تفكير في الهرب

دي أوليفيرا رغم أنه يملك المفاتيح إلا أنه لا يفكر في الهرب، قاربت محكوميته على الانتهاء ويحس أنه دفع تقريباً ثمن جريمته كما يقول “يضعون ثقتهم بي، ومسؤوليتي أن أحرس الباب”.

أما خطوته التالية فهي الإفراج المشروط، وبهذا يمكنه الخروج مرة أسبوعياً ويقول: لدي أسرتي للتفكير بشأنها، ولن يعرِّض ذلك للخطر.

سببٌ آخر يدفع السجناء للتمسُّك بقواعد عملهم ودراستهم التي تتطلبها سجون الجمعية – والتي بموجبها يُسمَح للسجين بالبقاء في زنزاته إلا إذا كان مريضاً أو يتعرَّض للعقاب- هو أنَّ محاولة الهرب ستعيد السجناء إلى السجون التقليدية، التي يعرف كل السجناء معاناة البقاء فيها من قبل.

فارق كبير

لويس فيرناندو استيفيز دا سيلفا، يقضي أيامه الأولى في سجون الجمعية بعد أن انتقل إليها من سجن تقليدي، أحس بالفرق من أول يوم، هنا يأكلون بالسكاكين والشوكات المعدنية، في حين هناك كانوا يحصلون على أدوات طعام بلاستيكية كما لو أنَّنا لسنا بشراً.

وتُعَد الشكاوى من تكدس عشرين سجيناً أو أكثر في الزنزانة، والفراش القذر، والطعام الذي لا يصلح للأكل شائعةً في السجون التقليدية، أمَّا سجون الجمعية، المدعومة من جانب مؤسسة AVSI التطوعية الإيطالية، فتفرض حد 200 سجين لمنع الاكتظاظ.

شبكة سجون إنسانية

يحاول نظام الجمعية، الذي تأسس في 1972 على يد مسيحيين إنجيليين توفير بديلٍ إنساني للسجون التقليدية، أسسوا الآن 49 سجناً في البرازيل، ولديهم فروع في كوستاريكا وتشيلي والإكوادور، وقد استطاع أن يحقق نتائج إيجابية بخصوص تكلفة الإدارة وأيضاً معدل الانتكاس والعودة للجريمة.

آنا باولا بيليجرينو من مركز أبحاث معهد إيجارابي بمدينة ريو دي جانيرو تعتبر أن السجناء يخرقون الميثاق الاجتماعي حين يرتكبون جريمة، وسجون الجمعية تُصلِح هذا عن طريق السماح للنزلاء بالعمل من أجل المجتمع، فقد يخرج بعض السجناء لكنس الشوارع على سبيل المثال، وهو ما يمنحهم شعوراً بالمسؤولية والانتماء.

في القطاع شبه المفتوح من السجن، يستمتع رودريجو دي أوليفيرا بينتو بعمل هادئ في إدارة المخزن، حيث تُوجَد كتب شِعرٍ مفتوحة فوق مكتبه، ويقضي دي بينتو 12 عاماً بسبب جريمة قتل، ويريد أن يعمل في أحد سجون الجمعية بعد إطلاق سراحه.

أما في المنطقة المغلقة من السجن، ففلسفة الجمعية مكتوبة على الجدار بحروف عريضة: يدخل المرء السجن وتبقى الجريمة خارجاً، ورغم وجود سجناء مدانين بأبشع الجرائم هنا، إلا أنَّ المكان يبدو هادئاً وآمناً.

غرفة المشغولات اليدوية الخشبية هي من أكثر الأجزاء كآبة في السجن، هذه المنطقة مخصصة للقادمين الجدد كما يشرح جاكوبو ساباتيو، نائب رئيس مؤسسة AVISA في البرازيل، فلسفة الغرفة قائمة على أن الموقوفين اقترفوا شيئاً خاطئاً بأيديهم في الخارج، لذا عليهم الآن أن يصنعوا شيئاً جيداً بأيديهم أيضاً، وحين ينتقلون إلى المنطقة شبه المفتوحة، سيقومون بالعمل الذي يُخرجهم من هنا، إلى ما وراء الباب.

الحرمان من الحرية وليس الحقوق

وفي الحديقة خلف المبنى، يضع ريناتو دييجو دا سوزا ملصقاتٍ على زجاجات الصابون حتى تُباع بالخارج، ويخبز السجناء الخبز أيضاً من أجل المدارس المحلية، ويُنتجون أجزاء السيارات البلاستيكية وغيرها من الأنشطة المتنوعة.

مشكلة دا سوزا  بدأت بالمخدرات، التي قادته إلى السطو المسلح، لكنه يحس أنَ هناك ضوءاً في آخر النفق بعد نقله مؤخراً إلى المنطقة شبه المفتوحة، ويُعَد التنقُّل بين مناطق أو أنظمة السجن موضوعاً دائماً للنزلاء، أما في السجون التقليدية، فيُحتَجَز عشرات الآلاف، في بعض الأحيان لسنوات، قبل أن تصل قضاياهم حتى إلى مرحلة المحاكمة.

القاضي باولو أنطونيو دي كارفالو يعتبر سجون الجمعية تُمثِّل طريقة فعَّالة لاحترام حقوق الإنسان داخل النظام العقابي البرازيلي، ويضيف: حقوق السجناء الفردية والأساسية كما يضمنها الدستور تحظى بالاحترام، فالسجين يجب أن يفقد حريته فقط وليس حقوقه الأساسية.

وفي ظل هذا السجل الناجح، لماذا لا يوجد المزيد من جمعيات مساعدة وحماية المدانين؟ يجيب عن هذا السؤال ساباتيو بالقول إنه في كل مرة تحدث أعمال شغب أخرى بالسجن في البرازيل، يجري أحدهم اتصالاً ليقول إنَّهم يرغبون في فتح جمعية لمساعدة وحماية المدانين في المنطقة، لكن ذلك يتطلب الكثير من الأمور مثل مشاركة الولاية التي توجد بها الجمعية إلى جانب الإرادة السياسية.

المشكلات المادية والاكتظاظ والفساد تعرقل حسب ساباتيو الجهود الرامية لفتح جمعية لمساعدة وحماية المسجونين في مدينة ريو دي جانيرو.

 للسيدات نصيب

في الجانب الآخر من البلدة، في القسم المفتوح من سجن السيدات بالجمعية، كانت السجينة أجيمارا كامبوس تجلس على طاولة في الفناء المشمس، حيث تقوم السيدات بالحرف اليدوية.

 ورغم أنها نزيلة ومحكوم عليها إلا أنها تشغل كذلك منصب رئيسة مجلس التكافل والأمانة المؤلف من ثمانية أعضاء، والذي يُنظَّم بعض جوانب الحياة في السجن ويُعَد جسراً مع الإدارة ويحاول أن يجعل الحياة مختلفة.

كانت قد أُدينت بالتهريب وتكوين عصابة بعدما عُثِر على 26 جرام من الكوكايين الصخري بمنزلها، تعتبر نفسها بريئة وتقول: لا أعرف شيئاً عن حياة الجريمة وألقوني في الزنزانة مع 29 امرأة أخرى.

في السجن التقليدي كانت تنام على الأرض، وتعيش رعباً حقيقياً بسبب السيدة التي كانت تنام بجوارها لانها قطعت رأس جارها وتجوَّلت حاملةً إياه في حقيبة.

بجوارها كانت تاتيان كوريا دي ليما ترتب زينتها وتضع ماكياجاً بسيطاً مستعينة بمرآة ذهبية، الشابة صاحبة 26 عاماً والأم لطفلين مسروة لأن الانتقال إلى سجن الجمعية المفتوح أعاد إليها أنوثتها وتقول:  السجون الأخرى تسلبك أنوثتك، لم يكن لدينا مرايا مناسبة، وعندما رأيتُ صورتي في المرآة هنا، لم أعرف نفسي.

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X