التيسير في الدين مضبوط بحكم الشرع وليس بالهوى
ليس معنى يسر الشريعة أن يتخير الإنسان بحسب أهوائه
الأحكام التي أمرنا بها الشارع مشتملة على حِكَم عظيمة

الدوحة -الراية : أكّد فضيلة د. محمود عبدالعزيز أنه يجب على المُسلم أن يتحرّى الصواب، وأن يعرف من يسأل ليقع على الصواب، أو ليخرج من التبعة، مُشيراً إلى أنه إذا عرف الإنسان أن الحق واحد فينبغي عليه أن يبحث عن هذا الحق، فإن أصابه فالحمد لله، وإن أخطأ فإن الله عزّ وجلّ غفور رحيم.
وقال إنه إذا سأل الإنسان المسلم من هو أهلٌ للفتيا فأفتاه ولم يقع على الصواب فهو معذور عند الله تبارك وتعالى، ولكن البلية حقاً هي أن يفعل الإنسان ذلك بأن يسأل من ليس أهلاً للفتيا، أو أن يسأل من يعلم أنه يوافق هواه في هذه المسألة فيكون مُتتبعاً للرخص.
الانسلاخ من الدين
ونبّه إلى أن تتبّع هذه الرخص يؤذن بالانسلاخ من الدين، وذلك أن الله عز وجل حينما وضع هذه الأحكام الشرعية، وطالبنا بالعمل بها، وأن نجري على مقتضاها إنما أمرنا بها لحكمة؛ لأن هذه الأحكام التي يأمرنا الشارع بها مشتملة على حكم عظيمة فإذا تتبعنا الرخص وقعنا في عملية مسخ، وخرجنا من هذه الحكمة التي وضع الله عز وجل الأحكام لتثبيتها وتقريرها فصار فعلنا بذلك نوعاً من الانفلات من حكم الشريعة، وصار الإنسان بهذا العمل متتبعاً للرخص، أي متتبعاً لهواه. وأشار إلى أن الشريعة من حيث العموم والإجمال قد وضعت على خلاف داعية الهوى، فإذا التبس عليك أمر فانظر إلى الهوى أين يتجه ؟ فغالباً تجد أن حكم الشريعة مخالف لداعية الهوى؛ لأن الشريعة إنما وضعت لانتشال المكلف وانتزاعه ورفعه من داعية هواه ليتخلص من رِقّ الهوى، ومن عبادة النفس والشيطان إلى عبادة الملك الديان جل جلاله.
مخالفة قصد الشارع
وأضاف: هذه قضية أصلية، فإذا كان الإنسان متتبعاً للرخص فهو في الواقع يدور مع هواه حيث دار، وصار مُخالفاً لقصد الشارع بوضع الشريعة، وبتكليفه بها، أي أن الشارع قصد انتشال المكلف من داعية الهوى، فإذا تتبع الإنسان الرخص صار دائراً مع هواه حيث دار.
وزاد د. محمود عبدالعزيز بالقول: إن تتبع الرخص مؤذن بسقوط التكاليف، فهذا الإنسان الذي يتبع الرخص ينظر في كل مسألة ما هو الأخفّ؟ وما هو الأيسر فيفعل هذه الأشياء فيكون ذلك سبباً في سقوط التكليف أصلاً، وأكّد أن العلماء قد أجمعوا على أن من تتبع رخص الفقهاء فهو فاسق.
شبهات المتبعين
وتحدث د. محمود عن شبهات من يتتبعون الرخص قائلاً: لو نظرنا إلى هؤلاء الناس الذين يتتبعون الرخص وما هي حُجتهم فسنجدهم يحتجّون بيسر الشريعة، وأن الله عز وجل قال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج)، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يسروا ولا تعسروا).
وأضاف: الردّ على هؤلاء الناس هو أن الشريعة بنيت على التسهيل والتيسير، وهي شريعة ميسرة؛ ولكن التيسير والتسهيل إنما هو مضبوط بحكم الشرع لا بالتشهّي والهوى.
معنى يسر الشريعة
وأوضح أنه ليس معنى يسر الشريعة أن الإنسان يشرّع لنفسه، وأنه يتخير بحسب أهوائه، فيخرج عن أحكام التكليف، إنّما معنى يسر الشريعة أن الله لم يكلفنا ما لا نطيق، وأن الله عزّ وجلّ في حال الحرج والمشقّة الكبيرة فإنه تبارك وتعالى ييسّر علينا، ويخفّف عنّا الأحكام، فمثلاً في السفر يجوز لنا الفطر، وإذا سافرنا فإنّ الصلاة الرباعية تقصر إلى ركعتين، وكذلك من لا يطيق الحجّ فإنه يسقط عنه، من لا يستطيع القيام بالصلاة فإنه يصلي وهو قاعد، من لا يستطيع الصّلاة وهو قاعد فإنه يصلي على جنب..
وأضاف: هذا معنى يسر هذه الشريعة، فهي شريعة سهلة، شريعة ميسرة بضوابطها الشرعية، أما أن يفهم الإنسان أن يسر الشريعة يعني أن نتلاعب بأحكام الله عز وجل كيفما أردنا، وأننا نتخير من أقوال العلماء الشاذّة ما نجعله ديناً لنا نتدين الله تبارك وتعالى به فهذا غير صحيح، وأمّا المشقات فإن المعتبر منها هي المشقات التي لا تكون محتملة، أو تكون معتبرة بالشرع، هذه التي يترتب عليها التيسير كما هي القاعدة: (أن المشقة تجلب التيسير)، و(أن الأمر إذا ضاق اتسع) هذا معنى هذه القواعد.
الحقّ واحد
وتابع: ينبغي أن نعلم: أن الحقّ واحد في المسائل المُختلف فيها، وأعني بالخلاف هنا خلاف التضادّ، هذا يقول: حرام، وهذا يقول: حلال، هذا يقول: يجوز، وهذا يقول: لا يجوز، هذا يقول: واجب، وهذا يقول: مباح، الحقّ في ذلك واحد عند الله تبارك وتعالى فمهما أفتاك الناس، ومهما قالوا في هذه المسألة من التحليل، وأوردوا على قولهم من الأدلة فإن ذلك لا يغيّر من حقيقة الحكم شيئاً.
وأوضح أنه لما كانت الأهواء غلابة فقد ظهرت طائفة ممن تتصدّر للكلام في مسائل العلم والدين والفتيا والحلال والحرام، فتفتي الناس بحسب أهوائهم وأمزجتهم، وبحسب ما يروق لهم بدعوى التسهيل والتيسير فأُعجب فئات من الناس بمثل هؤلاء، وصاروا أتباعاً لهم، يدافعون عنهم أشدّ المدافعة، بل لربما تنقصوا العلماء الذين لزموا كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، واستمرّوا على الجادة الصحيحة التي تنضبط بها الفتيا.