الصدق أعظم نعمة بعد الإسلام
قلة الخوف من الله وعدم مراقبته تدفع النفوس المريضة إلى الكذب
المولى عز وجل جعل المسلمين أمّة صفاء في الأفعال والأقوال
الدوحة – الراية : قال فضيلة د. محمود عبدالعزيز إن من ينظر إلى أحوال الكثير من الناس في هذه الأيام يجد أن بضاعتهم في الحديث «الكذب» حيث يُعدّونه من الذكاء والدهاء وحُسن الصنيع، بل ومن مميزات الشخصية المقتدرة، مشيراً إلى أنه ينتج عن هذا الأمر زعزعة الثقة بالناس حتى أن البعض لا يثق بأقرب الناس إليه، لأن الكذب ديدنه ومُغالطة الأمور طريقته.
وأوضح أن المولى عز وجل جعل الأمة الإسلامية أمة صفاء ونقاء في العقيدة والأفعال والأقوال، والصدق علامة لسعادتها وحُسن إدراكها ونقاء سريرتها.
وقال: إن السعادة مفتاحها الصدق والتصديق، والشقاوة دائرة مع الكذب والتكذيب. وقد أخبر سبحانه وتعالى أنّه لا ينفع العباد يوم القيامة إلاّ صدقهم، وجعل علم المنافقين الذين تميَّزوا به هو الكذب في القول والفعل. وبيّن أنه ما أنعم الله عز وجل على عبد من نعمة بعد الإسلام أعظم من الصدق الذي هو غذاء الإسلام وحياته، ولا ابتلاه ببلية أعظم من الكذب الذي هو مرض الإسلام وفساده.
تحريم الكذب
وأكد أن الكذب من قبائح الذنوب وفواحش العيوب، مستشهداً بقوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) ، وقوله سبحانه (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ).
وأشار إلى ما ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ، وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا).
حالات الإباحة
وذكر د. محمود أن الكذب حرام لما فيه من الضرر على المُخاطب أو على غيره ولكنه يُباح بل قد يجب أحياناً، والضابط فيه: أن كل مقصود محمود يمكن تحصيله بغير الكذب يحرم الكذب فيه، وإن لم يكن تحصيله إلا بالكذب جاز الكذب، ثم إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحاً كان الكذب مباحاً. وإن كان واجباً كان الكذب واجباً.
وبيّن أنه إذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله، أو أخذ ماله وأخفى ماله وسُئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه. وكذا لو كان عنده وديعة، وأراد ظالم أخذها منه، وجب الكذب بإخفائها والأحوط في هذا كله أن يُوَري.
الأصل التحريم
ولفت إلى أن الأصل في الكذب التحريم وقد قسّمه الفقهاء إلى عدة أقسام: المحرم: وهو ما لا نفع فيه شرعاً، المكروه: وهو ما كان لجبر خاطر الوالد أو خاطر الزوجة، المندوب: وهو ما كان لإرهاب أعداء الدين في الجهاد، كأن يُخبرهم بكثرة عدد المسلمين وعددهم، الواجب: وهو ما كان لتخليص مسلم أو ماله من هلاك، المباح: وهو ما كان للإصلاح بين الناس وقد قيل بقبحه مطلقاً؛ لما ورد في أهله من الذم في كتاب الله العزيز
وذكر أنه نُقلَ عن السلف أن في المعاريض مندوحة عن الكذب هذا إذا اضطر الإنسان إلى الكذب، أما إذا لم تكن هناك حاجة وضرورة فلا يجوز التعريض ولا التصريح ولكن التعريض أهون.
بواعث الكذب
وبيّن أن هناك بواعث كثيرة تدفع صاحب النفس الدنيئة إلى الكذب، ومنها: قلة الخوف من الله وعدم مراقبته في كل دقيقة وجليلة، محاولة تغيير الحقائق وإبدالها سواء لرغبة في الزيادة أو النقصان وسواء للتفاخر أو لمكسب دنيوي أو غيره مثل من يكذب في ثمن شراء أرض أو سيارة، أو إيهام أهل المخطوبة بمعلومات غير صحيحة، مسايرة المجالس ولفت الأنظار بقصص ومعلومات كاذبة، عدم تحمّل المسؤولية ومحاولة الهرب من الحقائق في الأزمات والمواقف، التعود على الكذب منذ الصغر وهذا من سوء التربية فهو منذ نعومة أظفاره يرى والده يكذب وأمه كذلك فينشأ في هذا المجتمع، المباهاة بالكذب وأنه نوع من الذكاء ومن سرعة البديهة وحسن التصرف.
العادة في المبالغة
وأوضح د. محمود أن هناك من الكذب الذي لا يُوجب الفسق، ومنه ما جرت به العادة في المبالغة، كقوله: طلبتك كذا وكذا مرة، وقلت لك: كذا مائة مرة، فإنه لا يريد به تفهيم المرات بعددها بل تفهيم المبالغة، فإن لم يكن طلبه إلا مرة واحدة كان كاذباً، وإن كان طلبه مرات لا يعتاد مثلها في الكثرة لا يأثم وإن لم تبلغ مائة، وبينهما درجات يتعرّض مطلق اللسان بالمبالغة فيها لخطر الكذب.
وأشار إلى أن هناك جملة من الأسباب التي تعين على ترك الكذب من بينها معرفة الكاذب لحرمة الكذب وشدة عقابه وتذكر ذلك مع كل حديث وفي كل مجلس، كذلك تعويد النفس على تحمّل المسؤولية وقول الحق حتى وإن كان هناك نقص ظاهري يراه، فإنّ الخير في الصدق، وأيضاً المحافظة على اللسان ومحاسبته، بالإضافة إلى استبدال مجالس الكذب وفضول الكلام بمجالس الذكر وحلق العلماء ومن جملة الأسباب أيضاً أن يعلم الكذّاب أنّه متصف بصفة من صفات المنافقين، وأن يستشعر أن الكذب طريق للفجور وأن الصدق يهدي إلى الجنة.