سفارات أمريكية شهدت أحداثاً تاريخية
أقدمها احتجاجات وعنف في لندن 1968 وأحدثها تفجيرات في ليبيا 2012
صور الحشود خلال إجلاء المتواجدين بالسفارة في سايجون لا تنسى
احتجاز الدبلوماسيين في إيران لمدة عام كامل حدث مفصلي
صدمة كبرى من تدمير السفارتين في كينيا وتنزانيا عام 1998
أزمة مع الصين بسبب وجود فيزيائي وزوجته بالسفارة طلباً للجوء

عربي بوست: في عصر تحول أمريكا إلى قوة عظمى أصبحت المواقع الأمريكية خارج البلاد تحظى بأهمية خاصة، وكثيراً ما كانت في قلب الأحداث المؤثرة خلال القرن الماضي. وقد نشرت صحيفة «الجارديان» تقريراً عن أشهر السفارات الأمريكية والأحداث التي جرت فيها أو حولها خلال العقود الأخيرة.
لندن – ميدان جروسفينور – 1968
اكتسبت السفارة الأمريكية في وسط لندن بميدان جروسفينور في عام 1938، والتي ستتركها الولايات المتحدة وتنتقل إلى مقر جديد العام المقبل شهرةً عالمية في عام 1968، حين تحوَّلت تظاهرةٌ سلمية ضد حرب فيتنام إلى احتجاج عنيف.
إذ خرج نحو 8 آلاف مُحتجّ، معظمهم من الشباب، بمسيرة من تظاهرة بميدان ترافلجار في 17 مارس، رافقتهم فيها الممثلة والناشطة فانيسا ريدجريف، وكانوا يرغبون في إيصال رسالة إلى السفارة.
وتفيد التقارير المُعاصرة بأنَّ المحتجين دخلوا إلى الميدان الذي كان مزدحماً بالفعل. وكان بانتظارهم أكثر من 1000 شرطي، وربما 2000 شخص آخرين، من بينهم محافِظون صاحوا في وجه المحتجين قائلين: خيانة، إلى جانب شعارات أخرى مؤيدة للحرب مثل اقصفوا، اقصفوا الفيت كونج. (الفيت كونج هم الجبهة الوطنية لتحرير فيتنام، والتي كانت تقاتل الولايات المتحدة والحكومة الموالية لها في جنوب فيتنام).
اندلعت معركةٌ شرسة، واحتدمت لأكثر من ساعة. وألقى المحتجون الذين اقتحموا حدائق السفارة، بالطين، والحجارة، والمفرقعات، وقنابل الدخان. وردَّت عليهم الشرطة، وشنَّ ضباط الخيّالة هجمات على المحتجين.
وأُصيب أكثر من 80 شخصاً من الشرطة والمحتجين، وأُلقي القبض على أكثر من 200 شخص. ومثَّل العنف في واحدة من أكثر مناطق لندن عراقةً ورُقيّاً لحظةً صادمة ضمن موجة من الاحتجاجات العالمية الرافضة للحرب، وأضافت مزيداً من الضغوط على الحكومات الأمريكية من أجل مغادرة فيتنام.
فيتنام – سايجون – 1975
أصبحت صورة الحشود اليائسة التي تتسلَّق سُلَّماً للوصول إلى مروحية تابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) وهي تغادر سايجون، العاصمة السابقة لجمهورية فيتنام الجنوبية، والتي التقطها مُصوِّرٌ فوتوغرافي هولندي في 29 أبريل 1975- إحدى الصور المُميِّزة لحرب فيتنام.
أُجلِيَ حينها نحو 7 آلاف شخص – قلةٌ منهم من الأمريكيين – جواً من السفارة ومواقع أخرى بمدينة سايجون في الساعات التي سبقت سقوط المدينة. هبطت المروحيات وسط سحب الدخان المتصاعد من المحارق على أسطح المباني، بعدما أشعل المسؤولون بصورة محمومة، النار في وثائق سرّية وفتات الوثائق المُمزَّقة.
لخَّص تقهقرهم الفوضى المحمومة للانسحاب الأمريكي، وأصبح رمزاً لإخفاقات السياسة الأوسع، في حرب حصدت أرواح ملايين المدنيين والجنود الفيتناميين وقرابة 60 ألفاً من القوات الأمريكية.
وكانت هناك حشودٌ أكثر يأساً لم تُلتَقط ضمن صورة المروحية، لكنَّها وُثِّقت على نطاق واسع بوسائل أخرى، معظمهم من المدنيين الفيتناميين المُتجمِّعين حول بوابات السفارة؛ أملاً في أن يتمكَّنوا من الخروج من المدينة. ومع اقتراب القوات الفيتنامية الشمالية، كانت تخرج التقارير التي تفيد بالعثور على مقابر جماعية في البلدات التي سيطرت عليها.
إيران – طهران – 1979
في نوفمبر 1979، أصبحت السفارة الأمريكية في طهران مركزاً لمأساة ستُوقف حركة العالم، وتُلقي بظلالها على نهاية رئاسة جيمي كارتر وربما تُعجِّل بها، وتُسمِّم العلاقات مع إيران عقوداً.
إذ اقتحم طلابٌ مسلحون مبنى السفارة، واحتجزوا الدبلوماسيين، في عملية استيلاء على السفارة، كان من المُقرَّر لها أن تستمر بضعة أيام فقط. لكنَّ أنباء السيطرة على السفارة انتشرت بسرعة في أنحاء إيران والعالم، وحتى بعدما أثارت صورٌ من داخل المبنى لأمريكيين معصوبي الأعين وهم يسيرون بخطى متعثرة حالةً من الغضب الدولي – كان واضحاً أنَّ اقتحام الطلبة السفارة يحظى بالتأييد داخلياً.
تولَّت الحكومة الإيرانية إدارة الأزمة بدل الطلاب، وعلى الرغم من إطلاق سراح 14 رهينة بعد فترة وجيزة من بدء الكارثة، احتُجِز 55 آخرون أكثر من عام في ظروف قاسية؛ إذ تعرَّضوا للحبس الانفرادي، والإذلال، وحتى للإعدامات الوهمية، بالإضافة إلى أساليب حرمان أخرى، إلى أن أُطلِق سراحهم في يناير 1981، بعد ساعات من تولِّي رونالد ريجان الرئاسة، واعتُبِر على نطاق واسع، أنَّ هذا التوقيت كان يُمثِّل لمحة ازدراء أخيرة من جانب إيران لكارتر.
وكان يمكن للأشخاص المتضرّرين أن يكونوا أكثر من ذلك، لكنَّ طاقم السفارة كان قد قُلِّص إلى الحد الأدنى بعدما هُوجِمَت وسُيطر عليها فترة وجيزة في فبراير من ذلك العام. ولجأ 6 دبلوماسيين أمريكيين آخرين، كانوا خارج السفارة حين اقتُحِمَت، إلى نظرائهم الكنديين، وهُرِّبوا خارج البلاد، في عملية جريئة جسّدها فيلم Argo الشهير.
الصين – بكين – ساحة تيانانمن – 1989
بعد إسكات الحكومة الصينية المظاهرات الشهيرة المؤيدة للديمقراطية في ساحة تيانانمن بالدبابات في مطلع يونيو من عام 1989، فرَّ الطلاب المتظاهرون في اليوم التالي عائدين إلى منازلهم ومهاجعهم. إلا أن أحد أبرز المنشقين الصينيين خالف ذلك، وقرّر ترك الجامعة التي يدرّس فيها وطلب اللجوء في السفارة الأمريكية بالعاصمة الصينية بكين.
وفقاً لما جاء بالتقارير، فإنَّ الفيزيائي فانج لي تشي وزوجته لي شو آن كانا على رأس قائمة المطلوبين لدى الحكومة الصينية؛ لدورهما في التحريض على التمرّد المعادي للثورة؛ الأمر الذي أثار مخاوف الدبلوماسيين الأمريكيين في البداية. بيد أنَّ السفارة الأمريكية تلقَّت أمراً من الإدارة الأمريكية في واشنطن بقبول طلب الزوجين واستضافتهما.
أمضى فانج لي تشي وزوجته ما يقرب من العام في مقر السفارة الأمريكية، وهو ما كان مُحرجاً إلى حد ما للإدارة الأمريكية، التي كان شغلها الشاغل آنذاك هو إبقاء بكين في صفها كحليف معاد للاتحاد السوفييتي. وبطبيعة الحال، كان كل ما يشغل تفكير الدبلوماسيين الأمريكيين حينذاك هو كيفية إخراج فانج من الصين؛ إذ كانوا يخشون أن تضرب الحكومة الصينية بالقوانين الدولية عرض الحائط وتداهم السفارة لاعتقاله.
وفي نهاية المطاف، اضطر الدبلوماسي الأمريكي المحنّك هنري كيسنجر والحكومة اليابانية إلى التدخل في مفاوضات إخراج الزوجين من البلاد؛ إذ وعدت الحكومة اليابانية من جانبها بإعادة تقديم القروض إلى الحكومة الصينية في حال تسوية قضية فانج لي تشي، في حين نقلت الإدارة الأمريكية فانج جواً إلى الولايات المتحدة، وهناك قضى بقية عمره حتى وافته المنية في عام 2012.
كينيا – تنزانيا – نيروبي – دار السلام – 1998
في صباح السابع من أغسطس 1998، وفي التوقيت نفسه تقريباً، تعرّضت السفارتان الأمريكيتان في العاصمتين الكينية والتنزانية لهجوم بشاحنات مفخخة، أسفر عن تدمير السفارتين بالكامل، ومقتل 224 شخصاً، وإصابة أكثر من 4 آلاف شخص؛ في واقعة لا تزال تُعد إحدى أكثر الهجمات على البعثات الخارجية للولايات المتحدة في وقت السلم دمويةً حتى وقتنا هذا.
لفتت تلك الهجمات أيضاً أنظار الشعب الأمريكي والمسلحين المتطرفين حول العالم إلى اسم المنفيِّ السعودي الطموح أسامة بن لادن وجماعته تنظيم القاعدة.
ووفقاً لما نشرته مجلة نيويوركر الأمريكية عن الحادثتين، فقد كانت تلك الهجمات مخطَّطاً لها بدقة، وبلغت درجةً من الضخامة والتعقيد والعنف فاجأت الاستخبارات الأمريكية. ومع أنَّها كانت تستهدف السفارتين الأمريكيتين في كل من كينيا وتنزانيا، فقد جاءت الغالبية العظمى من ضحاياها من المواطنين الكينيين.
أدت تلك التفجيرات إلى حقبة جديدة من الدفاعات والتحصينات، لدرجة أنَّه حتى البعثات الأمريكية البعيدة تماماً عن مناطق الحرب قد كثفت حمايتها. ونُقِلَت السفارة الأمريكية في نيروبي إلى موقع أكثر أماناً.
ليبيا – بنغازي – 2012
في يوم الحادي عشر من سبتمبر 2012، تعرضت البعثة الأمريكية في مدينة بنغازي الليبية – وهي قنصلية وليست سفارة؛ لأنَّها ليست في العاصمة – لهجوم أسفر عن إحراق مبناها ومقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز و3 أمريكيين آخرين.
في البداية، اعتُبرت الحادثة هجوماً من قِبل حشد غاضب مدفوع بالغضب من فيلم يُحرّض على كراهية الإسلام، ليجري التعامل معها لاحقاً على أنَّها هجومٌ متطرف. وفي وقت سابق من العام الجاري أدانت محكمة أمريكية أحد زعماء الميليشيات؛ لدوره في العنف الذي حدث.
جاء ذلك الهجوم لتضييق الخناق على ترشح هيلاري كلينتون للرئاسة؛ لأنَّها كانت تشغل منصب وزير الخارجية وقت وقوع الهجوم، إلى أن برّأت اسمَها لجنةٌ من الكونجرس شديدة الولاء لها بعد تحريات بلغت قيمتها 7 ملايين دولار أمريكي. إلَّا أنَّ نقّاد هيلاري كلينتون، ومن بينهم الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، قد استمروا في مهاجمتها على إخفاقاتها وتغطيتها المزعومة على تلك الإخفاقات.
ما حدث في الهجوم هو أنَّ الميليشيات اقتحمت المجمّع السكني الذي يقيم فيه السفير الأمريكي، والذي لم يكن مؤمَّناً جيداً. ومع أن السفير الأمريكي قد اختبأ في غرفة آمنة مع زملائه الأمريكيين، فقد لاقى حتفه هو وزميله الدبلوماسي شون سميث من جرّاء استنشاق الدخان الناجم عن انفجار وقع خارج المبنى. تلا ذلك الهجوم هجومٌ آخر مساء اليوم نفسه، استهدف ملحق وكالة الاستخبارات الأمريكية بالسفارة بقذائف الهاون، وأسفر عن مقتل ضابطين تابعين لوكالة الاستخبارات الأمريكية.