متابعة – صفاء العبد :
حُسم الأمر، ونال كل مجتهد نصيبه، والمجتهد هنا كان فريقا السد والدحيل حيث نجحا في إسقاط كل المراهنات والتوقعات التي كانت تبحث عن مفاجآت ليكونا بالتالي طرفا النهائي المرتقب والكبير لبطولة كأس قطر لكرة القدم في نسختها الحالية الخامسة ..
وكان واضحاً طبعاً أن تأهل السد لم يكن سهلاً على الإطلاق إذ احتاجت مباراته مع الريان في نصف النهائي إلى اللجوء لركلات الترجيح التي ابتسمت للأبيض على حساب الرهيب الذي غاب أغلب زمن الشوط الأول ليسمح بدك مرماه مرتين قبل أن يستعيد توازنه ويسجل مثلهما ولكن دون أن يتمكن من بلوغ هدف الترجيح ليعقب ذلك بإخفاق واضح على مستوى التنفيذ في الركلات الترجيحية تلك ..
وإذا ما كان تأهل السد قد جاء بتلك الصعوبة الكبيرة فإن الأمر كان مختلفاً مع الدحيل الذي أمطر مرمى الغرافة بنصف درزن من الأهداف ليؤكد علو كعبه وجدارته وبالتالي أحقيته في الصعود إلى النهائي ومن ثم البحث عن ثاني الألقاب لهذا الموسم بعد لقب الدوري الذي ناله باستحقاق كبير ..
وفي الحقيقة فإن ما قدمه الدحيل في مباراة أمس الأول جاء ليثبت بأنه فريق يصعب أن يقهر .. فعلى الرغم من أن الغرافة كان قد تمكن من الصمود طوال الشوط الأول الذي انتهى بالتعادل السلبي إلا أن ما حدث في الشوط الثاني جاء ليؤكد أن ما ذهب إليه البعض، حول إمكانية أن يحقق الفهود المفاجأة التي انتظرها الجميع، لم يكن سوى أضغاث أحلام .. والدليل هو هذا الانهيار غير المتوقع أبدا في النصف الثاني من المباراة عطفاً على ما حدث في الشوط الأول ..
غير أن السؤال هنا هو .. ما الذي حدث بالضبط، وكيف تحول الغرافة من فريق عنيد ومثابر وقادر على إحراج البطل في الشوط الأول إلى آخر مستسلم ومن ثم منهار تماما ليفتح أبوب مرماه في الشوط الثاني بطريقة لا تتفق أبدا مع حجمه واسمه وتاريخه وحتى مع إمكانات لاعبيه ..!!
ربما نتفق في بعض ما قاله المدرب بولنت خلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب المباراة خصوصًا في إشارته إلى تلك الأخطاء الفردية التي ارتكبها عدد من لاعبيه لكننا نتساءل هنا عن دوره هو وما فعله أو ما كان يفترض أن يفعله إزاء ما كان يحدث في الملعب خلال شوط الانهيار ذاك .. نتساءل عن معنى أن ينهار الفريق لمجرد أن يصاب مرماه بهدف مبكر جدًا من الشوط الثاني مثلما نسجل هنا استغرابنا مما قاله المدرب عندما أشار إلى أن لاعبيه تأثروا بصورة سلبية من ذلك الهدف رغم أن واقع الحال كان يقول: حتى الهدف المبكر هذا لم يحدث إلا من خلال هجمة مرتدة سريعة جاءت في أعقاب محاولة غرفاوية خطيرة كان يمكن أن تُكلل بهدف له وليس عليه ..!
نقول إن الخطأ الأكبر الذي وقع به الغرافة خلال الشوط الثاني هو تخليه عن الأسلوب الذي نجح فيه خلال الشوط الأول عندما ركز كثيرًا على الشق الدفاعي عبر الواجبات التي نفذها لاعبوه في الوسط وفي خط الظهر بشكل سليم جدًا وهو ما أوقف فاعلية أخطر هجوم ومنعه من التسجيل طوال الشوط الأول .. فبدلا من أن يستمر الغرافة بنفس الأسلوب مع الاعتماد على الهجمات المرتدة والكرات الطويلة والسريعة بحثًا عن هدف الترجيح حدث العكس تمامًا وراح الفريق لينفتح تمامًا أمام فريق يعرف القاصي والداني أنه يتمتع بهجوم لا يرحم ويمتلك لاعبين يعرفون الطريق إلى المرمى جيدًا مثلما يمتلكون الإمكانات التي تؤهلهم لاستثمار أي خطأ يمكن أن يقع به خصمهم في الملعب .. وهكذا كان فعلاً حيث دفع الغرافة ثمناً باهظا جدًا لهذا التحول غير المنطقي والذي يقوم أساسًا على مجازفة خطيرة جدا تسببت بكل هذا الذي حدث في الدقائق التالية التي شهدت اهتزاز شباك مرماه خمس مرات أخرى ليخرج بالتالي مهزومًا بتلك السداسية الثقيلة جدًا..
لا ننكر طبعاً حقيقة ما ارتكبه اللاعبون من أخطاء بالنسبة إلى الغرافة وخصوصا في خط الظهر وكذلك حارس المرمى الذي نعرف مثلما يعرف الجميع أنه لم يعد مؤهلاً لحماية مرمى فريق بحجم الغرافة ليس في هذه المباراة فقط وإنما منذ فترة ليست بالقصيرة، لكن المنطق هنا يشير إلى أن المشكلة لم تكن لتقف عند حدود أخطاء اللاعبين وإنما كانت قد امتدت إلى المنطقة الفنية حيث لم نشهد أي معالجات جادة وصحيحة مثلما يفترض أن يحدث سواء من خلال التبديلات المناسبة أو التوجيهات التي يمكن أن تعيد الأمور إلى نصابها .. فالمدرب بولنت كان أقرب إلى متفرج منه إلى مدرب خلال الشوط الثاني هذا .. فهو لم يحرك ساكنًا ولم يكن يمتلك غير التعبير عن أسفه واستغرابه مما كان يحدث في الدقائق تلك .. وصورة كهذه قد نشهدها في وجوه الجمهور وليس المدرب الذي يفترض أن يمتلك الحلول المناسبة لأي خطأ أو ملاحظة يراها في فريقه ..
وإذا ما كنا نتحدث هنا عن تفاصيل ما كان يحدث في الشوط الثاني فإن ذلك لا يعني أننا كنا مقتنعين بكل ما حدث في الشوط الأول رغم أنه كان قد انتهى بالتعادل السلبي وهي نتيجة إيجابية بالنسبة إلى الفهود طبعًا .. فهنا نشير إلى أن المشكلة الأكبر في الفريق كانت تكمن في جبهته اليسرى منذ البداية .. ثم تعقدت مشكلته هذه خلال الشوط الثاني بحيث جاءت أغلب أهداف الدحيل من تلك المنطقة تحديدًا .. وفي هذه الجزئية تحديدًا يبدو الفارق كبيرًا بين بلماضي الذي اكتشف تلك الثغرة ليغمز للاعبيه ويطالبهم التركيز عليها والمرور من عندها، وبين بولنت الذي لم يدرِ بما كان يحدث بحيث لم يكن له أي دور لمعالجة ذلك ..!!
كما أن بلماضي كان أكثر شطارة بكثير عندما راح ليراهن على نام تاي في التسجيل بعد أن وجد أن يوسف العربي محاصر ومراقب بشدة بينما ظل بولنت يراهن على طارمي تحديدًا رغم أن كل من في الملعب كان يرى وبكل وضوح أن هذا اللاعب مقيد تمامًا وغير قادر على ترجمة أي من الكرات التي كانت تصل إليه ..
نقول إن أخطاء مثل هذه وأخرى غيرها تصاعدت في الشوط الثاني هي من تسببت بكل هذا الانهيار غير المتوقع من جانب الفهود .. أما أن يأتي بولنت بعد كل ذلك ليلوم لاعبيه -كالعادة- قبل أن يعلن عن تحمله المسؤولية خلال المؤتمر الصحفي فهذا أمر لا يغني ولا يسمن لأنه مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي لا أكثر ولا أقل .. !!
وفي قولنا هذا إنما نحمل بولنت المسوؤلية الأكبر لأننا كنا وما نزال نعتقد أن الغرافة كان قادرًا على الخروج من هذه المباراة بنتيجة مختلفة .. قد لا يكون الفوز أمام فريق صعب جدًا مثل الدحيل ولكن ليس الهزيمة بهذه الطريقة المذلة التي تثلم كثيرًا من مكانة فريق كبير مثل الغرافة ..!
شتان بين مدرب يقرأ وآخر يتفرج ..!
إذا كنا نؤشر هنا مثل تلك الأخطاء الكبيرة التي ارتكبها مدرب ولاعبو الغرافة في الشوط الثاني من مباراتهم أمس الأول أمام الدحيل فإن ذلك لا يقلل أبدا من جدارة وكفاءة وقدرة فريق الدحيل ومدربه المجتهد جمال بلماضي ..
فما حدث في الشوط الثاني تحديدًا من هذه المباراة إنما كان يعكس الفارق الواضح بين مدربي الفريقين من حيث الاستعداد البدني والنفسي إلى جانب الاستعداد الفني بكل ما يرتبط به من خيارات على مستوى اللاعبين والواجبات المنوطة بهم ..
ففي الوقت الذي ظهر فيه بولنت عاجزًا عن تلمس أي حلول لمعالجة ما يمكن معالجته من أخطاء عانى منها فريقه في النصف الثاني من المباراة، كان بلماضي يجتهد ويقرأ الأحداث بتمعن ليخرج بمعالجات سليمة مكنته من استثمار أخطاء منافسه بأفضل صورة ليتوج كل ذلك بفوز سداسي مستحق ..
الدحيل يثبت أنه ليس فريق اللاعب الواحد
كثيرون كانوا يعتقدون أن ابتعاد المساكني عن الدحيل بسبب الإصابة سيؤثر سلباً على إمكاناته التهديفية خصوصًا أن المساكني ظل طوال الموسم إما هدافا أو صانع أهداف بحكم ما يتمتع به من مهارات عالية في هذا الجانب ..
غير أن الصورة التي كان عليها الفريق أمس الأول أكدت أن الدحيل لم يكن فريق اللاعب الواحد وإنما هو منظومة من أحد عشر لاعباً يكمل أحدهم الآخر وأن هناك من هو قادر على التعويض عن أي لاعب يغيب عن الفريق لسبب أو لآخر وذلك هو النجاح الحقيقي في العمل التدريبي للعبة جماعية مثل كرة القدم ..