
بقلم – مصطفى سليمان :
على غير عادته، جلس دون أن يكلم أحداً، تبدو عليه علامات الحزن، فبادرت بالسؤال عنه، لم أعهدك كذلك ؟ فانفجر بالبكاء وقال: لم أقصر مع أولادي لحظة، كل طلباتهم مجابة، لا يلبسون إلا الماركات، عاملتهم أفضل معاملة، لم أتأخر عنهم في مصروف وعن أي شيء يحتاجونه، لكنهم خيّبوا ظني ولم أجد منهم شيئاً مفرحاً؟
إن هذه الحالة التي مرّ بها صاحبنا يمر بها كثيرٌ منا، فتربية الأبناء ليست بالشيء الهين ولكنها أمر يحتاج إلى حنكة ومهارات، وهو توفيق من الله تعالي أولاً وأخيراً. وأتعجب ممن يترك هذا الأمر العظيم – التربية – لغيره، فهذا يوكل مربية وذاك يترك الموضوع برمته للأمّ، وتلك مشغولة وتدع الخادمة تخدم وتدرس، وتأثر الكثير من أبنائنا بهذه الإجراءات الظالمة، نعم هي ظالمة، فالطفل يحتاج إلى كلٍ من الأب والأم في كل مرحلة يمرّ بها في حياته. يحتاج دفء وحنان الأبوين، وإن انتهت هذه المرحلة بدون وجود الأبوين بجانبه فسوف تترك أثراً في شخصيته.
إن أفضل مشروع بحياتنا هو أولادنا، نعم هم أفضل نعمة وهبنا الله إياها فلنستثمر في هذا المشروع بكل جهدنا وطاقتنا. لكن كيف يكون الاستثمار في الأولاد؟
إن أوّل خطوة في مجال هذا الاستثمار هي اتفاق الزوجين – حتي لو كانا منفصلين – على أسلوب التربية المتبع مع الطفل بحيث يكمل كل منهما الآخر، فلا يعقل أن أحد الطرفين يبني والآخر يهدم، فمصلحة الطفل تعلو فوق الجميع، ويتحقق ذلك في كثير من المعاملات اليومية التي يقوم بها الطفل من مصروف شخصي، وهل هذا المصروف يومي أم أسبوعي، وتحديد المصروف أمر مهم، فأحياناً يكون الترف الزائد مدعاة للسلوك المنحرف، أيضاً معرفة أصدقاء الطفل وتوجيهه بأسلوب جميل وغير مباشر لأصدقاء متميزين، كل هذه الأمور وغيرها تكون باتفاق بين الزوجين، وهذا يحتمّ على الأبوين فتح حوار راقٍ بينهما تكون فيه المناقشة وطرح المبادرات التي تصبّ في مصلحة الطفل.
وبما أن الأسرة هي المحضن الأول في بناء الشخصية تأتي الخطوة الثانية وهي عقد جلسة شبه أسبوعية مع الأولاد تحتوي على جوانب متعددة بها قرآن وحديث وفقرة ثقافية وترك المجال للأولاد للحديث والبوح بما بداخلهم، ومن خلال هذه الحلقة التربوية يستطيع الأب والأم تأصيل أي قيمة بأسلوب يبتعد عن الأمر والنهي ويستطيعان أيضاً أن يعلما أولادهما المبادئ الأساسية والحياتية التي يحتاجها أي طفل، ويستطيع الطفل أن يسأل عن أمور خاصة بالذات في مرحلة البلوغ فيجد الإجابة الشافية من منظور علميّ.
الخطوة الثالثة: دراسة خصائص النمو التي يمرّ بها الطفل، حيث إن لكل مرحلة من مراحل النمو خصائص جسمانية وعقلية وانفعالية واجتماعية تختلف عن باقي المراحل، والخطأ كل الخطأ أن نعامل أولادنا على رتْم واحد.
الخطوة الرابعة: زرع المحبة والعطف في شخصيته، فالطفل تتحدّد شخصيته في السنه الثانية، وفي هذه الخطوة يجب التخلي عن العادات المألوفة في التربية مثل التسلط والحماية الزائدة والتدليل والقسوة والتفرقة، فالألم النفسي الذي تحدثه هذه العادات في التربية قاسٍ ولا يزول بسهولة.
الخطوة الخامسة: اجعل من ابنك رجلاً وشاركه مجالس الكبار.
الخطوة الخامسة: مُمارسة الرياضة وملء فراغ وقته حيث يكون هناك حديث بينك وبينه وبه يتحمل بعض المسؤوليات البسيطة.
أخيراً أي صاحب مشروع لابدّ أن يراعي ويهتم بمشروعه حتى ينجح هذا المشروع وأولادنا هم أهم مشروع.