تغييرات المدربين.. مسلسل على الطريقة المكسيكية !
من جديد نضع على طاولة البحث مقترح تشكيل لجنة متخصصة لاختيار المدربين
مشكلتنا تكمن في سوء الاختيار وهو ما يدفعنا إلى سلسلة لا تنتهي من التغييرات
«تدوير» المدربين أمر غريب قد لا نجده سوى في ملاعبنا وأنديتنا !
المزاجية والتكاسل والتسرع وراء ظاهرة التعاقد مع «أنصاف» المدربين !
متابعة – صفاء العبد:
رغم أن ستة أندية كانت قد أعلنت حتى الآن تمسكها بأجهزتها الفنية لتتواصل معها في الموسم الكروي المقبل، إلا أن التغييرات التي ستطال مدربي الأندية الستة الأخرى تبقى مؤشراً يمكن أن يتسم بشيء من السلبية على مستوى الاستقرار الفني.
فمع أن تغييرات كهذه تبقى أمراً وارداً وطبيعياً في كرة القدم وفقاً لقناعات إدارات الأندية وعطفاً على ما يتحقق من نتائج إلا أن الكثير من هذه التغييرات تبدو أقرب إلى الطلاق الذي هو أبغض الحلال.. بمعنى أن ما يتمخض عن التغييرات يمكن أن ينطوي في الكثير من الأحيان على آثار سلبية على مستوى الاستقرار الفني لذلك نجد أن مثل هذه التغييرات قد تكون محدودة لدى العديد من الفرق الكبيرة على المستوى العالمي، لا بل إن هناك بين بعض الفرق الكبيرة من ظل متمسكاً بمدربه لعقود من الزمن مثل مانشستر يونايتد الإنجليزي الذي لم يفرط بمدربه الأسكتلندي الشهير السير فيرجسون على مدى ( 27 ) عاماً، وكذلك الحال مع أرسنال الإنجليزي أيضاً والذي ظل متمسكاً بمدربه الفرنسي أرسين فينجر على مدى ( 22 ) عاماً.. ولو أخذنا هذين الناديين كنموذجين في هذا الجانب لوجدنا أن الأول كان قد حقق مع فريقه ( 49 ) لقباً بينها ( 13 ) لقباً في الدوري الإنجليزي وكذلك في دوري أبطال أوروبا فيما حقق الثاني مع أرسنال ثلاثة ألقاب في الدوري وسبعة في كأس إنجلترا وكل ذلك هو نتاج الاستقرار الفني الذي يمثل واحداً من أهم أسباب نجاحات أي مدرب.. وحتى بعد أن غاب أرسنال عن منصات التتويج في السنوات الأخيرة لم يتسرع النادي في أي قرار يخص جهازه الفني إلا بعد ( 14 ) عاماً بالتمام والكمال.
ربما سيكون هناك من يقول إن الأمر يختلف عندنا باختلاف نوعية المدربين مقارنة مع فيرجسون وفينجر.. وهنا نقول نعم قد يختلف ذلك ولكن من هو المسؤول عن مثل هذا الاختلاف..؟ أليست هي إدارات الأندية نفسها التي تعاقدت مع مدربين سرعان ما اكتشفت أنهم لا يلبون طموحاتهم وطموحات جماهيرهم ولاعبيهم.. ثم أليست هي الإدارات نفسها التي تصر على ارتكاب الخطأ نفسه عندما تأتي بمدرب بديل لا يختلف عن سابقه من حيث المستوى والإمكانات..؟ وأيضاً، أليست هي الإدارات نفسها التي صنعت تلك الظاهرة الغريبة التي يصار فيها إلى « تدوير» المدربين فيما بينها بحيث يخفق المدرب هنا ليتم إقالته لكنه سرعان ما يجد نفسه في نادٍ آخر من أنديتنا الأمر الذي جعل أغلب المدربين الذين يتم « تفنيشهم « يصرون على البقاء فوق المدرجات لأنهم يعرفون بل ومتأكدون من أن فرصتهم قادمة لا محالة مع فريق آخر ! .
هكذا هو واقع الحال، وبهذه الصورة تتعامل أغلب إدارات أنديتنا مع موضوع المدربين بحيث تختار الطريق الأسهل وهو الاعتماد على المتوفر من المدربين من العاطلين فوق المدرجات بدلاً من « وجع الرأس « والبحث عن الأفضل عبر التمحيص والمتابعة والمراقبة والقراءة الدقيقة لإمكانات المدربين في السوق العالمية !.
في كل الأحوال نقول إن الاستقرار الحقيقي في الجوانب الفنية لا يمكن أن يحصل وسط أجواء تجعلنا نتعامل مع المدربين على أنهم مجرد ثياب يمكن استبدالها بكل سهولة.. كما لا يمكن للاستقرار أن يتحقق فعلاً ما دمنا غير قادرين على اختيار الأنسب من المدربين أو أن نلجأ إلى التعاقد مع البعض منهم دون دراية كافية بإمكاناتهم الحقيقية بحيث يؤدي ذلك إلى أن يفاجأ الجميع بمستوياتهم التي هي دون الطموح بكثير وهو ما يضطرنا لاحقاً إلى اغتنام أول فرصة لاتخاذ قرار «التفنيش».
لن نتحدث هنا عن حجم التكاليف المالية المترتبة على مثل هذا الكم من التغييرات في المدربين، لكننا نتحدث عن الجوانب الفنية التي ستنعكس سلباً على المستوى العام سواء للفرق ولاعبيها أو للبطولة في شكلها العام.. فالتخلي عن مدرب بعد أربع أو خمس جولات لسبب أو لآخر واستقدام آخر جديد سيجعل الفريق بحاجة إلى فترة جديدة يمضيها في محاولة التأقلم مع التوجه التدريبي الجديد وفي فهم أسلوب وطريقة عمل المدرب البديل مثلما سيجعل الأخير بحاجة هو الآخر إلى بعض الوقت لكي يتمكن من تطبيق رؤيته التدريبية وصولاً إلى جعل بصمته واضحة على الفريق.. غير أن المشكلة الأكبر هنا تكمن في أن كل ذلك لا يمكن أن يضمن لك تحقيق ما تبحث عنه.. فربما نكتشف لاحقاً أن المدرب الجديد لا يختلف عن سابقه أو أن سابقه ربما كان أفضل منه مثلما حدث أكثر من مرة عندما اكتشفنا متأخرين خطأ قرار التخلي عن مدرب كان يمكن أن يقدم لنا ما هو أفضل من ذاك الذي قدمه المدرب الذي خلفه.
ورغم أن الكل يعترف بأن العملية برمتها إنما هي انعكاس لحقيقة مؤلمة تتمثل بغياب التخطيط وكذلك بسوء الاختيار أو التسرع فيه أو أنها انعكاس لحقيقة أن اختيارات المدربين في أغلب أنديتنا إنما هي عملية عشوائية في الغالب أو هي رهينة أناس يفتقدون إلى التخصص المطلوب في هذا الجانب أو أنهم يعتمدون فقط على الاستماع للآخرين أو التأثر بآراء غيرهم دون تمحيص وتدقيق أو استشارة، أقول على الرغم من كل ذلك إلا أن الأخطاء تتكرر بطريقة ترسم علامة استفهام كبيرة وكأننا نرفض أن نتعلم أو نستفيد من تجاربنا السابقة أو من تجارب الآخرين ! .
ربما نتفق هنا على أن العملية برمتها تحتاج إلى إعادة نظر.. فمع أننا نقر بأن هناك بين المدربين من لا يستحق الاستمرار بسبب الفشل المبكر أو الإفلاس الواضح الذي يمكن أن يتضح من خلال بضع مباريات أو بعد موسم واحد فقط إلا أننا لابد من أن نعترف أيضاً بأن المشكلة هنا لا تكمن في المدرب الفاشل هذا بقدر ما تكمن في قرارنا نحن لأننا نحن من اختاره وليس هو الذي اختارنا وبالتالي فإن لسوء الاختيار هذا ثمنه بالتأكيد.. غير أن الأمر سيكون مختلفاً جداً عندما يتعلق الأمر بـ»التفنيش» المتسرع وغير المدروس أو القائم على ردود أفعال تختلط فيها العاطفة مع المزاج مع التأثيرات أو الضغوط بعيداً عن القراءة العلمية السليمة والدقة في عملية اتخاذ القرار.
ختاماً نقول إن موضوع المدربين، سواء في الاختيار أو في اتخاذ قرار «التفنيش»، أصبح بأمس الحاجة إلى إشراف مباشر من قبل جهة عليا متخصصة قادرة على الفرز بين الخطأ والصواب.. وإلا فإننا سنبقى ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، والنتيجة أننا ننزف أموالاً وجهوداً بلا معنى لتكون الكرة العنابية بالتالي هي الضحية !.