
كتب-مصطفى عبدالمنعم :
سجل الشعر بشقيه الفصيح والنبطي وللشعراء في قطر موقفاً خالداً سيسطره التاريخ بحروف من نور على صدر صفحاته ليروي قصة الاصطفاف والالتفاف الشعبي خلف القيادة الرشيدة، فنظموا عشرات القصائد الوطنية، وتغنى المطربون بالعديد منها وأقيمت العديد من الفعاليات التي لا يمكن حصرها سواء بمبادرات فردية من شعراء أو من مؤسسات الدولة المعنية بالشعر، وساهم الشعر في تمكين الشعب القطري من الخروج من دائرة المشاعر الخاصة وإشاعة روح الوطنية لدى الجميع وعدم الاكتفاء بإلقاء اللوم على الدول المحاصرة بل الخروج إلى دائرة الواقع والعمل من أجل استمرار الحياة طبيعية، وذلك من خلال إطلاق عدة مبادرات ومظاهر للتعبير عن الولاء للوطن.
فعاليات متواصلة
وكان للمؤسسات الرسمية التي تعنى بالشعر حضور خلال عام الحصار وذلك من خلال تنظيم أمسيات شعرية في حب الوطن وللتنديد بالحصار، ونظم مركز قطر للشعر «ديوان العرب»، التابع لوزارة الثقافة والرياضة، العديد من الفعاليات الإبداعية مثل أمسية «للشعر كلمة» التي صدح فيها الشعراء بقصائدهم في حب الوطن وألهبوا مشاعر الجمهور الغفير الذي حضر الأمسية في قطر مول. فضلاً عن فعالية “نقا الشعر” التي نظمها المركز في احتفاله باليوم العالمي للشعر وكانت القصائد جميعها في حب الوطن، وشهدت مدينة الرويس أمسية شعرية حملت عنوان “تميم المجد” ندد الشعراء المشاركون فيها بالحصار المفروض على دولة قطر وشعبها، مثمنين مواقف حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى الحكيمة في التفاعل مع الأزمة الخليجية. ونظم متحف الفن الإسلامي أيضاً أمسية شعرية لخمسة شعراء بعنوان قصائد في حب الوطن لفلبلبببومع بداية الأزمة كتب شاعر الوطن فالح العجلان الهاجري قصيدة بعنوان “حنا بخير” والتي أصبحت أغنية تحرك المشاعر والأحاسيس الوطنية، لمختلف شرائح الوطن، حتى صارت تردد على ألسنة الجميع وإرسالها فيما بينهم عبر منصات التواصل الرقمية، ما جعل كثيرين يستخدمونها كنغمات لجوالاتهم.
الأغنية والتي قام بتلحينها الفنان عبدالله المناعي، وتوزيع مهند سيف، حصدت مليون مشاهدة على موقع “يوتيوب”، ما يجعلها أغنية متفردة بكل المقاييس.
شعراء الحصار
اتسمت القصائد الشعرية التي أبدعها الشعراء القطريون خلال أزمة الحصار بالجدة والرصانة، التزاماً بالقيم القطرية الأصيلة، وإعلاء من شأن “ديوان العرب”. لذلك لم يكن غريباً أن يبادر أحد المبدعين، وهو الشاعر حصين بن غانم الخيارين المعروف بـ”بن علم” بإعداد وتنفيذ ديوان “شعراء الحصار”، وهو الديوان الذي ضم بين دفتيه قصائد لـ 37 شاعراً وشاعرة
مؤازرة شعراء
ولم يكن لشعراء قطر فقط هذا الموقف المشرف من الوقوف أمام العدوان الظالم والحصار الجائر على دولة قطر وإنما تفاعل عدد كبير من الشعراء في مختلف بلدان الوطن العربي ونظموا قصائد تدافع عن قطر وتقف في مواجهة مع دول الحصار من دون مواربة أو تورية ومن أهم هذه القصائد والشعراء ما قاله الشاعر أحمد مطر عن حصار قطر والذي جاء في مطلع قصيدته: إلى أرضِنا يوما جاء راعي البقر..فقام إليه قومي يُحيُّونه في بَطَر، بحفل بَهـِيّ ما رأى مثلَهُ بَشَر..قال كُفُّوا عنّي ألعاب الصِّغَر.
فيما قدم الشاعر العماني حمود بن خليفة الربيعي قصيدة مهداة لدولة قطر كتبها بعد أن شاهد نتائج ما حدث من نشر للأخبار الكاذبة والمفبركة عقب اختراق وكالة الأنباء القطرية ورصد سلبيات ما حدث من نشر الفرقة بين شعوب المنطقة. فيما أعرب الشاعر العماني، أحمد دقل، عن تضامنه مع قطر التي تتعرض لحملة إعلامية شرسة من قبل وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية الموالية لها، مطالباً بترك قطر في حالها ومشدداً على أنها كعبة المضيوم، على حد قوله.
شفت الخبر الي بعنوانه قطر.. يا ليت لو خلو قطر في حالها
ذي كعبة المضيوم وأهل الواجبة..وتميم فارسها وهو خيالها
وقدم الشاعر الساخر المصري، عبد الله الشريف، قصيدة مغناة، رد فيها على أغنية إماراتية استهدفت دولة قطر، بعنوان “قولوا لقطر”، يُشارك فيها عدد من المغنّين الإماراتيين. فيما ألقى الشاعر الموريتاني المعروف/ محمد الحافظ ولد احمدو قصيدة رائعة في مدح أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، انتقد فيها الحصار الذي تفرضه بعض الدول العربية على دولة قطر.
شعراء أعادهم الحصار
في الوقت الذي كانت تتوهم فيه دول الحصار، أنها ستنجح في خنق الساحة القطرية، ومن بينها الإبداعية، إذ بهذا الحصار يكون باعثاً لعودة شعراء كانوا قد انقطعوا عن نظم الشعر ومن أبرز هؤلاء، الشاعر محمد على المرزوقي الذي تجددت في داخله الروح الوطنية الوثابة، فعاد إلى الظهور الإعلامي بقصائد شعرية، ترفض الحصار، وتعلي من قيمة الوطن، وذلك بعد انقطاع له عن الساحة دام لعقد كامل.
أطفال قطر يتغنون بها شعراً
صدق من قال إن الشدائد والأزمات تظهر معادن البشر، ومما لا شك فيه أن جموع القطريين من الرجال والنساء والشباب والأطفال أظهروا حبهم لوطنهم قطر، ولا يزالون يدعمون قيادتهم الحكيمة بكل ما أوتوا من علم وفكر في مواجهة الحصار الجائر، ولأن كعبة المضيوم ولادة، فإن أطفالها شاركوا في التعبير عن حبهم لها بالفصحى، وبأبيات شعرية أجادوا إلقاءها، ونظمها.
من هؤلاء الأطفال المبدعين عبد الرحمن إسماعيل التميمي ذو الست سنوات، والذي يحب إلقاء الشعر الفصيح، ويتغنى بالشعر النبطي، ولديه قدرة على تأليف الشعر وإلقائه، في موهبة ورثها عن والدته الكاتبة والشاعرة زينب المحمود، التي حازت لقب «فصيحة قطر» عن جدارة.
ديوان شعراء الحصار
كما دشنت وزارة الثقافة والرياضة الجزء الأول من ديوان شعراء الحصار، الذي أعدّه الشاعر حصين بن غانم الخيارين «بن علم»، والذي يوثق فيه «بن علم» أعمال 37 شاعراً أنجزوا قصائدهم الوطنية منذ بدء الحصار الجائر المفروض على الدولة وعبروا خلالها عن حبهم وتقديرهم للوطن، ويؤكد الخيارين في مقدمة الديوان أن الشعر الوطني الذي ينظمه الشاعر مضمناً إياه المعاني والمشاعر الوطنية من إعجاب وحب واحترام وإجلال للوطن، بالإضافة إلى إظهار مدى تعلق الشاعر بوطنه بكل تفاصيله وبأنه بات بارزاً ويردده الجميع ولاءً وحباً، منوهاً لما للشعر الوطني من أهمية بصفته يعمل على حث المتلقين على أن يدافعوا عن أوطانهم وبعث الأمل في نفوس الشعوب بقوتها وبيان أهمية قيم الحرية والعدالة والكرامة والاستقلال والإرادة، وهو الاستخدام الأمثل للقصيدة بكل أشكالها مغناة أو عرضة أو شيلة، ويضيف: هذا ما يدفعني كشاعر إلى تقديم قصائد وطنية تبقى مدى التاريخ، لافتاً إلى أن العصر السابق شهد قيام حروب بقصيدة حماسية من شاعر، كذلك انتهت بقصائد، لافتاً إلى أن الشعر هو الكلام الذي يختلف ويتميز عن باقي الألوان الأدبية بأن له وزناً وقافية وحاملاً للمعاني العميقة والجميلة في الوقت نفسه، مضيفاً: إنه وسيلة إبداعية ليست جديدة للتعبير عن الأحاسيس والمواقف المحيطة والمؤثرة بالشاعر والتي يؤثر فيها بدوره.