تاريخ صناعة اللؤلؤ في قطر والخليج
سكان الخليج احترفوا استخراج اللؤلؤ لتأمين معيشتهم الاقتصادية قبل اكتشاف النفط
لم تشهد هذه الصناعة نمواً متسارعاً إلا في منتصف القرن التاسع عشر
قيمة صناعة اللؤلؤ في الخليج قدّرت بـ ٢٦٠ ألف جنيه إسترليني عام 1900

كتبت- هبة البيه:
حاز موضوع صناعة اللؤلؤ في قطر والخليج، اهتمام وثائق مكتبة قطر الوطنية، ومن الوثائق المنشورة بالمكتبة إحصاءات من قيمة اللآلئ المصدرة سنوياً من الخليج، ١٨٧٣-١٩٠٦، من دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية، ومن بين الوثائق المتعلقة بصناعة اللؤلؤ بيان بأن أنسب المناطق لصيد اللؤلؤ هي قطر والكويت والقطيف، ومن المفيد منح امتياز صيد اللؤلؤ لمن يطلب ذلك. حماية سواحل البصرة بسفينتين حربيتين، ووثيقة أخرى حول حوادث الاعتداءات التي يتعرض لها أهالي قطر وشكاواهم من فقدان الأمن في صيد اللؤلؤ.
فقبل اكتشاف النفط، اعتمد سكّان الساحل العربيّ للخليج على الغوص لاستخراج اللؤلؤ الطبيعيّ لتأمين سُبل معيشتهم الاقتصاديّة، وقبل بدء أعمال الاستكشاف واسعة النطاق لاحتياطيات النّفط بالمنطقة في ستّينيات القرن العشرين، كان الغوص لاستخراج اللؤلؤ هو النشاط الاقتصاديّ الرئيسيّ على طول الساحل العربي للخليج العربي، وكان اللؤلؤ يُستخرج من مياه الخليج منذ القِدَم، لكن لم تشهد هذه الصناعة نمواً متسارعاً إلا في منتصف القرن التاسع عشر لتلبية الطلب العالميّ المُتزايد.
وكان الغوص لاستخراج اللؤلؤ في الخليج نشاطاً موسميّاً يمتدّ على مدار شهور الصّيف الأربعة، وفي كل موسم، كانت تبحر مجموعة من قوارب استخراج اللؤلؤ من موانئ المنامة والدوحة ودبي وأبوظبي مُتّجهة إلى الضفاف الساحليّة الغنية بالمحار، وكان أغلب رجال تلك المدن مُنخرطين في الصناعة.
وعاش هؤلاء الرجال على دفعات من الأموال تُمنح لهم في بداية كل موسم بمعرفة قائدهم (النواخذة)، الذي يملك أو يستأجر القوارب وكان مسؤولاً عن مأكل وملبس الطواقم، ويقوم تجّار اللؤلؤ (الطواويش) بدورهم بتقديم دفعات الأموال إلى قائدي القوارب لتمويل موسم الغوص. وكان الطواويش يدفعون للنواخذة عند تسلّم اللؤلؤ.
كانت رقعة التجارة باللؤلؤ المُستخرج من الخليج تمتد لتشمل الهند وبلاد فارس والإمبراطورية العثمانية، ثم توسّعت لتشمل أوروبا وأمريكا الشمالية، حيث كانت الطبقات الأرستقراطية والمتوسطة الناشئة تعتبر اللؤلؤ قطعةً فاخرةً تُستخدم لتزيين المجوهرات والملابس، وبحلول النصف الثاني من القرن التاسع عشر، نمت تجارة اللؤلؤ في الخليج.
تلقي المصادر التاريخية بعض الضوء على مدى أنشطة الغوص لاستخراج اللؤلؤ وأرباحها بمرور الوقت، على الرغم من تعذّر التحقق بشكلٍ دقيق من دقة أرقامها.
وقد أخبر جيمس بكنجهام في كتابه الرحلات في آشور، ميديا وبلاد فارس الذي صدر في ١٨٢٩ أن صناعة اللؤلؤ في البحرين حقّقت عوائد تقدر بعشرين لكح من عملة الروبية سنوياً، أي ما يعادل 200 ألف جنيه إسترليني في ذلك الوقت. كما قدّر جيمس ويلستد في كتابة رحلات في بلاد العرب، الذي صدر في ١٨٣٨ أن ذروة الموسم في البحرين شهدت إبحار ٣٥٠٠ قارب من شتى الأشكال والأحجام، علاوة على ٧٠٠ قارب في الساحل بين قطر وعُمان.
وكتب المقيم السياسي في الخليج العربي لويس بيلي تقريراً عن صناعة اللؤلؤ في ١٨٦٥، ذكر فيه أن البحرين شهدت خروج ١٥٠٠ قارب من قوارب استخراج اللؤلؤ أثناء موسم تجارة اللؤلؤ، حيث حققت أرباحاً بلغت ٤٠٠ ألف جنيه إسترليني سنوياً.
كتب جون لوريمر وهو مقيم سياسي آخر سرداً تاريخياً عن صناعة اللؤلؤ بالخليج في كتابه دليل الخليج، وذكر أن الصناعة كانت تساوي ٦٢٥.٩٣٣ جنيهاً إسترلينياً في ١٨٧٣-١٨٧٤، و١.٠٧٦.٧٩٣ جنيهاً إسترلينياً بعد مضيّ ثلاثين عاماً في ١٩٠٤-١٩٠٥.
كما أورد لوريمر كذلك أنه كان يوجد نحو٣٥٠ قارباً في الدوحة لاستخراج اللؤلؤ، وقد كتب لو هاريسون في ١٩٢٤ أن قيمة اللؤلؤ المُباع في موسم ١٩١٣ بلغت حوالي تسعة ملايين دولار أمريكيّ.
ثم شهدت التجارة تراجعاً بطيئاً بالفعل خلال فترة زيارة هاريسون للخليج، واعتباراً من حقبة ثلاثينيات القرن العشرين، انخفضت أعداد أساطيل استخراج اللؤلؤ الخاصة بتلك المدن الواقعة على طول الساحل العربيّ، وفي مستهل ستّينيات القرن العشرين، اختفت تقريباً صناعة اللؤلؤ التقليديّة من المياه الساحلية للخليج بالتزامن مع نموّ مرافق إنتاج النفط واسعة النطاق في جميع أنحاء المنطقة. تزامن مع ذلك قرار بريطانيا بحظر استخدام ألبسة الغوص الحديثة واللؤلؤ المزروع في مغاصات اللؤلؤ بالخليج للحفاظ على صناعة اللؤلؤ بالمنطقة، لكن ذلك القرار أسهم في نهاية المطاف في الانهيار البطيء للصناعة طوال حقبة ثلاثينيات القرن العشرين.
كانت قيمة صناعة اللؤلؤ المربحة في الخليج تقدَّر بأكثر من ٢٦٠ ألف جنيه إسترليني في ١٩٠٠ (أو ما يقارب ٢٤ مليون جنيه إسترليني بأسعار اليوم)، ما جذب انتباه ألمانيا. وقد فتح رجل الأعمال الألماني روبرت وونكهاوس مكاتب في عدّة موانئ على سواحل الخليج.