المنبر الحر

بين يوم بدر وليلة القدر علاقة وعنوان

أحمد المحمدي المغاوري

بين يوم بدر وليلة القدر علاقة عنوانها (الأزواج ناموس الكون) والذي به قامت الحياة على الأرض قال تعالى (والَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا)»الزّخرف 12» وقال تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) «الذّاريات 49» فليلة القدر هي الليلة التي نزل فيها القرآن ليفرِّق بين الحق والباطل ويُخرج الناس من الظلمات إلى النور. ويوم بدر هو اليوم الذي التقى فيه الجمعان صناديد الكفر وأهل الإيمان ذاك يوم الفرقان كما سماه القرآن (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً).

إن يوم بدر وليلة القدر صنوان يسقى بماء واحد تلك ثنائية هما رمزان وزوجان اثنان لا يتحقق أحدهما دون الآخر. بين قراءة قرآن وابتهال ودعاء وسجود في ليلة هي خير من ألف شهر وبين مرابطة وتضحية وبذل وجهاد وجود، حالتان تمثلتا في صورة بشرية رائعة حدثت، لرجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فكان لهم النصر ورفعة القدر في الدنيا والآخرة. ثلاثمائة رجل على رأسهم القائد العظيم محمد صلى الله عليه وسلم قد أعدّوا ما استطاعوا ثم استغاثوا قال تعالى عنهم (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (9) الأنفال، بل وزد على ذلك كان التثبيت من الله لهم قال تعالى (إذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) صورة تكررت وما زالت تتكرر في كل زمان ومكان طالما وجد الرجال، رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله. رجال جمعوا بين الظاهر والباطن والتوكل والإعداد والجهاد وبين القول والعمل والعلم والإيمان (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ) (29) الرعد.

هذه هي كلمة السر التى بها قادوا وسادوا.

ويمضي بنا الزمان لنعيش هذه الفترة الصعبة التي تمر بالأمة (فترة حرمان وخلل ونسيان لماضينا التليد) حين عرف ذلك الجيل الفذ أن يجمع بين العلم والعمل والإيمان وما بين سورة الرحمن والحديد وبين سورة محمد وهود.

(إن الحقيقة المُرة أفضل ألف ألف مرة من الوهم المريح) فواهم من فهم أن الصوم هو مجرد ترك للطعام والشراب والشهوة واعتكاف وعبادة ميتة لا تثمر عن شبع للفقراء والمساكين ونصرة المستضعفين لا تثمر عن جهاد وتضحية وفداء بالأنفس والأموال لا تثمرعن خلق حسن وقول حسن وفعل حسن ذلك هو الصوم الحسن وما جزاء الإحسان إلا الإحسان. ذاك هو الإيمان الحق.

اعتقاد سليم وعمل صحيح، جهاد وتضحية، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، ولاء وبراء، مظهر ومخبر، بذل للندى، وكف عن الأذى، وخروج عن الأنانية المقيتة ونصرة للنفس المسلمة المظلومة فالخلق عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله وفي الحديث (ولأن أمشي في حاجة أخي أفضل من أن أعتكف في مسجدي هذا (المسجد النبوي) شهراً! وكم من أخ وأخت مكلومين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ليس لهم طعام ولا دواء ولا ماء، متروكين في العراء ونحن نأكل ونشرب طيب الطعام وعذب الشراب.. يا حسرة على العباد!

الإيمان ليس بضاعة مزجاة تباع وتشترى بأبخس الأثمان أو مجرد دعوة أحبار ورهبان وألقاب تجوز على كل لسان، وليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل.

دخلت العشر الأواخر من رمضان والأمة تتحرى ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر فهل لها أن تتحرى مع ذلك أيضاً طريق النصر بأدواته وأسبابه فاللهم ارزقنا ليلة القدر ويوماً كيوم بدر ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X