منتقياتٌ شعرية مميزة للشيخ علي بن عبدالله بن قاسم آل ثاني – رحمه الله تعالى -. وقد صدرت في ثلاثة مجلدات عام 1963 من منشورات المكتب الإسلامي في دمشق.

على هذا الجيل من أبناء قطر أن يعتز بمثل هذه الكنوز الأدبية التي زخرت بها مؤلفات أدباء قطر في النصف الأول من القرن العشرين وهي الفترة الأولى التي سبقت الاستفادة بعوائد النفط والغاز في قطر، فتأليف هذه الكتب جاء سابقاً لتاريخ طباعتها، مما يدل على زخم فكري وثقافي تمتع به آباؤنا الأوائل في قطر.

جاء في مقدمة هذا الكتاب القيّم لناشر الكتاب: « وبعد، فإن هذه المختارات من عيون الشعر العربي، جمعتْها يد أديب مطلع على كنوز لغة العرب، مجالسه اليومية عامرة بمدارسة القرآن الكريم وتفسيره، والحديث الشريف وعلومه، والتاريخ وخفاياه، واللغة وآدابها، ذلك هو: الشيخ علي بن الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني.

وقد اضطلع الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، رحمه الله تعالى – حكم قطر في الفترة من 1949-1960- : بمهمة جليلة في خدمة العلم والعلماء والأدب والأدباء، فهو عدا عن أن مجالسه كانت مجالس علم وأدب، فقد قام بطباعة العديد من كتب العلماء والأدباء قديمها والحديث، (من ماله الخاص) كما صنع ذلك والده الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني، وجده مؤسس قطر الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني، وقد كانت الكتب تطبع في الهند ودول أوروبا والدول العربية وتوزع في أصقاع الأرض. ذاك تاريخ جليل لحكام قطر. ومازال الأبناء والأحفاد على هذا الدرب سائرين.

يقول الناشر في مقدمة الكتاب : « وقد كانت أصول هذه المختارات بعض كراريس كتبها في سن الطفولة بإشراف والده الأديب الحافظ المرحوم الشيخ عبدالله بن قاسم، وفيها مقطوعات مما حفظه، وفيها محفوظات جده المرحوم الشيخ قاسم بن محمد بن ثاني، كما أن فيها مجموعات كثيرة كتبها الشيخ علي بنفسه، إذ كان يسجل ويستنسخ مرات كل ما يطرب له من جيد الشعر أثناء مطالعاته إلى أن يحفظه، وكثيراً ما نجد في مخطوطاته هذه الكثير من الشرح للغريب والإحالة على المراجع. وقد سلم إلينا هذه المجموعات لنشرها، على أن نراجعه فيها خطوة خطوة».

فالكتاب يحوي ثقافة الشيخ علي وآبائه، وتلك ميزة كبرى في الكتاب.
جاء الكتاب في ثلاثة مجلدات، يضم الجزء الأول منه قصائد لأكثر من ثمانين شاعراً من الفحول في أبواب الفخر والحماسة والمدح، ولنا أن نختار من هذا الجزء بعض المنتقيات الشعرية.
أبيات لعنترة العبسي وهي من المعلقات العشر:

هل غادر الشعراء من متردّم
أم هل عرفتَ الدارَ بعدَ توهّمِ
يا دار عبلة بالجواء تكلمي
وعِمي صباحاً دارَ عبلةَ واسلمي
فوقفتُ فيها ناقتي وكأنها
فِدنٌ لأقضي حاجةَ المتلوّمِ
وتحلُّ عبلة بالجواء وأهلنا
بالحرنِ فالصّمّان فالمتثلّمِ
حيّيتَ من طللٍ تقادمَ عهدُهُ
أقوى وأقفرَ بعدَ أم الهيثمِ

تلك أبياتٌ من عيون الشعر العربي معنىً وصياغةً وجزالةً وفصاحةً، وأن تأتي في أول مختارات الكتاب في جزئه الأول فتلك إشارة على عمق ثقافة صاحب الكتاب، وسلامة ذوقه الشعري، وحرصه على أن تكون مختاراته في أجزائها الثلاثة من الشعر العربي الفصيح رغبة منه في تأصيل العلم باللغة العربية وكنوزها الشعرية الأولى والأساس.

ولنا أن نتصفح الكتاب وننتقي من كنوزه ما نشاء من قصائد ومقطعات من العصر الجاهلي حتى عصرنا الحديث، لتجلي لنا هذه الكتب القيمة تاريخ قطر وثقافتها المتمكنة من أصولها العربية والإسلامية. ولعل أجيالنا المعاصرة تقوم بمهمتها الأولى في التعرف عليها ودراسة ما فيها والتمتع بجواهرها والافتخار بها.

من أبيات للشاعر حافظ إبراهيم في الجزء الأول من الكتاب في قصيدة يمدح فيها عمر بن الخطاب:

حسب القوافي وحسبي حين ألقيها
أني إلى ساحة الفاروق أهديها
لاهُمَّ هب لي بياناً أستعينُ به
على قضاء حقوقٍ نامَ قاضيها
قد نازعتني نفسي أن أوفّيها
وليس في طوق مثلي أن يوفّيها

رحم الله الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني وأسكنه فسيح جناته.