هشام ميشلان

حب الاستطلاع غريزة بشرية، تزيد وتنقص من شخص لآخر، فهناك أشخاص همّهم اليومي الاستماع لأي شيء عن الآخرين، ووسائل الإعلام المختلفة والمتنوعة تمسك بهذا الخيط، وبنقطة الضعف البشرية هذه، وتشتغل عليها، وتستغلها في غسل الأدمغة بإيعاز من جهات رسمية وغير رسمية، وأحياناً خارجية أو دولية، تستعمل كل الأساليب، بما فيها الإشاعات والأخبار الكاذبة والدعايات، وعلى المتلقي أن يضع في مخه ثلاثة «فلاتر» كتلك التي يضعها رئيس دولة معروفة في ترقوته لتصفية وتنقيح أجوبته في الإعلام، فكيف يضع المواطن المقهور والمغلوب على أمره، «فلاتر» ثلاثة ليفرق بين الخبر الجيد والرديء، والصادق والكاذب ، والمفيد والتافه!؟، وكيف يمكنك إقناعه بأنه ضحية بيئة وبنية اجتماعية تتغذى على الإشاعات والمحادثات الفارغة، والثرثرة في القيل والقال، والغيبة والنميمة، وأقصى ما يحفّز تفكيره هو الأكل والإثارة، ويقضي أوقات فراغه في مشاهدة قنوات الإثارة والتوك شو، التي تلعب في دماغه بالمواضيع ذات البعد الواحد في الرؤى والهدف، وهو تحويله من كائن مفكّر إلى كائن سلبي واستهلاكي لكل ما يُعرض، سلعة كان أم فكرة، وهنا يأتي دور التضليل الإعلامي، وهو الأداة الأساسية للهيمنة على الشعوب.

أحياناً أشاهد برنامجاً على فضائية أعلم توجهها وأكون على علم كامل ومُسبق بالخبر وبمضمونه، وأستمر في متابعة مقدّمة الخبر لأقف على مدى التزييف الذي طرأ على الخبر إلى أن وصل إلى يد تلك المذيعة الحسناء، لتذيعه وكأنه إعلان مرهم لتليين البشرة، إنه غزو العقول بالخبر المغلف بالدعاية، والدعاية المغلّفة بالخبر، تتنوع الأساليب المستخدمة حسب التكنولوجيات الموجودة، لا تهم الوسائل، ولكن الأهم هو النتيجة، والنتيجة نلمسها بين المشاهدين من أقربائنا وجيراننا وزملائنا في العمل، إنها السلبية الفردية، تلك الحالة من القصور الذاتي التي تعوق الفكر وبالتالي الفعل. وهو ما تعمل وسائل الإعلام الرسمية والخاصة لبعض الدول العربية للوصول إليه، فنجحوا إلى حد كبير في إبقاء الوضع القائم على ما هو عليه، والسلبية تعيد تدوير نفسها، وتلتف على ذاتها وتظل مهيمنة على أية ردة فعل اجتماعية يمكنها أن تغيّر الظروف التي تحدّ من التقدم الإنساني.

ومع هذا التدفق المعلوماتي الهائل من الفضائيات والإنترنت، لا زال المتلقي تنقصه المؤهلات والأدوات المنهجية التي عليه تعلمها للتحرّر من الاستعباد الذي تفرضه الأنظمة على الشعوب بواسطة المؤسسات الإعلامية، وأنى له ذلك وهو ربما ينقصه التعليم الأساسي، فكيف يفطن لكل هذا ويجعل لنفسه دفاعاً فكرياً لحماية نفسه وأسرته من غسيل الأدمغة اليومي ، والخداع والسيطرة المستمرين على مدار العام، والأنظمة سواء كانت ديموقراطية أو استبداديةً تقوم على الرأي.

ويحتاج الإنسان المتعلم إلى قدر كبير من التمحيص والذكاء في التعامل مع هذا الطوفان الإعلامي والمعلوماتي الذي أغرقوا به وسائل الإعلام المتنوعة، ليس من أجل تمييز الصدق من الكذب، ولكن لتجنّب حالة خطرة تُستدرج إليها المجتمعات والحكومات والدول، وهي خلق قالب موحّد ما من شأنه أن يخضع الاهتمامات والبرامج والاتجاهات والفتاوى والمواقف والأفكار وتسخير كل ذلك للاستهلاك، ولأنماط حياة وطرق تفكير وطعام ولباس وسكن ودواء وعلاج على كافة الناس على اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم واعتقاداتهم، وإخضاع كل ذلك للفلسفة الاحتلالية، فيتحول الإعلام إلى أداة أساسية في تحويل الشعوب من شعوب حرة، إلى شعوب ذات قابلية للاحتلال المادي والمعنوي.