هذه الاختيارات جمعها وراجعها عبدالرحمن بن عبدالله بن زيد آل محمود، ونسقها وحققها الدكتور رياض عبد الحميد مراد، وصدرت طبعتها الثانية عن وزارة الثقافة والفنون والتراث في قطر عام 2013.
وقد جاء في مقدمة الكتاب لعبدالرحمن آل محمود: “فقد وجدت وأنا أقلب في أرشيف والدي رحمه الله الكثير مما يمكن أن يشكل مادة لأكثر من كتاب، وكان منها ما لاحظته من كثرة الأشعار التي كتبها رحمه الله في مفكرته وفي أوراق كثيرة مبعثرة بين ملفاته وكتبه.. ووجدت أن ما اجتمع عندي من الأشعار كمية كبيرة تكفي لتأليف كتاب في هذا المجال يحتوي على اختياراته الشعرية التي جمعها خلال مراحل حياته”.
هي إذن اختيارات لم يؤلفها الشيخ عبدالله آل محمود في كتاب وإنما الذي جمعها في كتاب وأعطاها اسم (جواهر الشعر) هو ابنه عبدالرحمن بن عبدالله آل محمود. وحسناً فعل الابن، فإن هذه الاختيارات تعطي القارئ والمتصفح لها فائدة عظيمة في سمة الثقافة الأدبية والعلمية التي يتمتع بها علماء قطر وقضاتها خاصة في النصف الأول من القرن العشرين، وفائدة أخرى في التزام عالم الفقه والقضاء بالثقافة الأدبية الشعرية التي تجود علمه الشرعي، واللغة العربية وعيونها الإبداعية الشعرية عونٌ لعالم الدين والقضاء.
والشيخ عبدالله بن زيد آل محمود (1329هـ- 1417هـ(1997م) من علماء قطر، تولى القضاء الشرعي في قطر عام 1940 حتى وفاته رحمه الله. وهناك سيرة وافية لحياته في مقدمة الكتاب.
جاء في فهرس الكتاب أن الاختيارات الشعرية تتألف من عشرة أبواب هي: شعر الحكمة، وشعر الغزل، وشعر الرثاء، وشعر الزهد، وشعر الفخر، وشعر المديح، وشعر الهجاء، وشعر الوصف، والشعر الديني، والشعر التعليمي. وتلك هي أغراض الشعر العربي قديمه والحديث. وجاءت الاختيارات الشعرية في هذه الأبواب لشعراء من العصر الجاهلي حتى العصر الحديث مما يدل على سعة اطلاع الشيخ ابن محمود وحرصه على تتبع الجيد من الشعر في كل العصور، وتدوينه في أوراقه، ومراجعته وحفظه.
ومما يلفت النظر في هذه الاختيارات الشعرية كذلك التنوع الفريد في موضوعاتها، وكثرة تفريعاتها وشعرائها وتلك إشارة إلى تنوع الثقافة الأدبية والشعرية لدى صاحبها، ونستطيع أن نعدها مصدراً مهماً من مصادر الشعر في مكتبتنا العربية، إضافة إلى أن العديد من مقطوعات الشعر التي وردت في الكتاب لم يجد لها المحقق مصدراً مطبوعاً ومتداولاً الآن، مما يُبقي (جواهر الشعر) لابن محمود المصدر الوحيد لها.
مما جاء من قصائد الحكمة في الكتاب، وهي قصيدة أرسلها سابقٌ البربري الشاعر إلى عمر بن عبدالعزيز، يقول فيها:
باسمِ الذي أُنزلت من عنده السورُ
والحمد لله – أما بعد – يا عمرُ
إن كنتَ تعلمُ ما تأتي وما تذرُ
فكن على حذرٍ قد ينفع الحذرُ
واصبر على القدر المجلوبِ وارضَ بهِ
وإن أتاكَ بما لا تشتهي القدرُ
فما صفا لامرئٍ عيشٌ يُسرُّ بهِ
إلا سيتبعُ يوماً صفوَهُ كَـدَرُ
إنّ التُّقى خيرُ زادٍ أنتَ حاملهُ
والبِرُّ أفضلُ شيءٍ نالهُ بشرُ
من يطلُبُ الجَوْرَ لا يظفر بحاجته
وطالب الحق قد يُهدى له الظفَرُ
ومما جاء في الصديق الصدوق، في الكتاب، قول الشاعر:
إذا عادى صديقُكَ من تُعادي
فقد صافاكَ ما حانَ الحِمامُ
وإن صافى صديقُكَ مَن تُعادي
فقد عاداكَ وانقطعَ الكلامُ
لعلنا نجد في مثل هذه الكتب القيمة ضالتنا من جيد الكلام، وروعة المبنى والانسجام، ومتعتنا في تدبر جمال ثقافة أهل قطر الكرام.
رحم الله الشيخ ابن محمود، وجزا الله ابنه عبدالرحمن خير الجزاء.