
بقلم : أحمد ذيبان (صحفي وكاتب أردني) ..
حظي موضوع التبشير بـ «عقد اجتماعي جديد» و»مشروع نهضوي»، بحصة كبيرة من مناقشات البرلمان الأردني، للبيان الوزاري لحكومة الدكتور عمر الرزاز، وامتد النقاش حول الموضوع بشكل أفقي إلى المجتمع،عبر الصالونات السياسية ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي !
وما يثير المرارة في النفس، أنه وسط الحديث عن «عقد اجتماعي» جديد، تعاني شرائح اجتماعية واسعة في المحافظات والقرى وحول العاصمة عمان، من العطش ونقص هائل في الخدمات الأساسية ! والأدهى من ذلك أن فضيحة فساد كبرى انفجرت في وجه الحكومة، تتعلق بتصنيع وإنتاج دخان بطريقة غير مشروعة !
استمر «ماراثون» مناقشات الثقة خمسة أيام، وقد حرصت بحكم المهنة على متابعة المناقشات على الهواء مباشرة، حتى لحظة محاولة انتحار أحد المواطنين تحت القبة، في الدقائق الأخيرة من عملية التصويت على الثقة، التي أربكت المجلس وتسببت بفوضى وذهول ! ذلك أن عمليات الانتحار أو المحاولات الفاشلة، لم تعد مستغربة تحت ضغط الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية، لكن الجديد أن تحدث سابقة مثيرة تحت القبة، أمام أنظار ممثلي الشعب والحكومة !
وكانت المفارقة أنه خلال فترة المناقشات، نشر خبر توقيع اتفاقية بين الأمن العام وسلطة المياه، يتضمن إيقاع الحجز التحفظي على مركبات المواطنين المتخلفين عن دفع فواتير المياه، رغم أن سلطة المياه تمتلك صلاحية قطع المياه عن المتخلفين، لكن يبدو أنه إمعاناً في إذلال الناس وممارسة المزيد من الضغوط، تم إشراك الأمن بتحصيل فواتير المياه، بما يشبه معاقبة أصحاب السوابق ! ويا ليت أن المياه تصل «المحرومين «، وعندها أظن أن المتخلفين أو غير القادرين عن الدفع، مستعدون لتسليم أنفسهم لـ «شرطة المياه « !
«المعذبون « في الأطراف، جراء نقص المياه والخدمات، لا يعنيهم ترف الحديث عن «عقد اجتماعي» جديد، و»مشروعِ نهضوي شامل»،ومن يهتم منهم ربما ينظر بسخرية لفكرة أثارت زوبعة من العصف الذهني، ربما وردت بالصدفة ودون التفكير بأبعاد استراتيجية، وعلى الأرجح أنها ستنتهي إلى الأرشيف كما انتهت مشاريع ووثائق عديدة، أعدتها لجان وخبراء واستهلكت مناقشات طويلة، مثل «الميثاق الوطني» و»الأجندة الوطنية»، و»مخرجات لجنة الحوار الوطني» وغير ذلك كثير !
رئيس الوزراء رجل «حالم «، وصاحب خبرات ومؤهلات متعددة وسيرة نزيهة، وجاء في رده على النواب بأن تعبير «العقد الاجتماعيّ» ورد في كتاب التكليف الملكي بوضوح»، والبيان الوزاريّ عرّف مفهوم العقد الاجتماعيّ على أنّه «يستند إلى الدستور»، وهو العمل على ترجمة القواعد العامّة في الدستور» !
كلام عام جميل، ومن يتمعن في مضمونه يلحظ أنه لا يحمل جديداً. ذلك أن التعريف البسيط للعقد الاجتماعي يعني» الدستور»، وما ينبثق عنه من قوانين يتم إصدارها بالتوافق بين السلطتين والتنفيذية والتشريعية. والالتزام بتطبيقها وتكريس ثقافة احترام القانون وقيم العدالة الاجتماعية، وقيام الحكومة بواجباتها في تقديم الخدمات للمواطنين، دون تمييز أو حاجة إلى واسطة ومحسوبية ! لكننا أمام حالة وكأننا نمارس السياسة بـ»القطعة»، أو على طريقة عمال المياومة، نبدأ من الصفر مع كل حكومة جديدة !
«العقد الاجتماعي « كما تؤكد معطيات التاريخ، فكرة طرحها فلاسفة ومفكرون في ظروف وبيئة تطلبت ذلك، لتنظيم العلاقة بين أطرف المجتمع، وبين السلطة الحاكمة والمواطنين، وربط علاقة الحاكم بالمحكوم من خلال الدستور والقوانين، وتنفذ من خلال حكومة يختارها الشعب، أو تحظى بثقته من خلال مجلس منتخب.
وعندما طرحت الفكرة عبر كتاب « العقد الاجتماعي أو مبادئ الحق السياسي» للفيلسوف «جان جاك روسو» عام 1762، لم يكن هناك دولة بالمعنى الحديث، تحكمها دساتير تنظم العلاقة العمودية بين السلطة الحاكمة والمواطنين، وأفقياً بين أطراف المجتمع. وكان الكتاب مصدر إلهام لبعض الإصلاحات السياسية والثورات في أوروبا، خاصة فرنسا.
وبعد سقوط الشرعية الملكية والدينية كأساس للحكم في أوروبا، أصبح من الضروري البحث عن شرعية بديلة، تتحدد على أساسها مسؤوليات الحاكم والمحكوم، والواجبات والحقوق المترتبة على كل منهم. لذلك ظهر العديد من المفكرين والفلاسفة، الذين عملوا على إيجاد ميثاق شرعي جديد يحكم العلاقة بين الطرفين، وكان من بين هؤلاء «روسو» ومجموعة أخرى من المفكرين التنويريين، أمثال» توماس هوبز» و»جون لوك».