الدوحة – الراية:

أكد فضيلة الداعية الشيخ جاسم محمد الجابر عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن من أبرز ما تتصف به النفس البشرية أنها تُصاب بالملل والفتور؛ فتحتاج إلى الترويح لتستعيد نشاطها، وتواصل سيرها بجد نحو البناء والتقدم.

وأشار إلى أنه نظراً لهذه الطبيعة البشرية فإننا نجد أن الإسلام شرع مبدأ الترويح عن النفس؛ تخفيفاً لما تتحمله من تكاليف ومشاق؛ فعن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه قال «لقَيَني أبو بَكرٍ -رضي الله عنه-؛ فقالَ: كيفَ أنتَ يا حَنظلةُ؟ قَالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ! قَالَ: سُبحانَ اللهِ! مَا تَقولُ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَكونُ عِندَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُذَكِّرُنا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَينٍ؛ فَإِذا خَرَجْنا مِنْ عِنْدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنا الأَزْواجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ؛ فَنَسِينَا كَثِيراً. قَالَ أبو بَكرٍ -رضي الله عنه-: فَواللهِ إِنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هَذَا. فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبو بَكرٍ -رضي الله عنه- حَتَّى دَخَلْنا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ قُلْتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ يا رَسُولَ اللهِ! فَقالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا ذَاكَ؟! قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ نَكُونُ عِنْدَكَ تُذَكِّرُنا بِالنَّارِ وَالجَنَّةِ حَتَّى كَأَنَّا رَأْيَ عَينٍ؛ فَإِذا خَرَجْنا مِنْ عِنْدِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَافَسْنا الأَزْواجَ وَالأَوْلادَ وَالضَّيْعَاتِ، فنَسِينا كَثيراً. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي، وَفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُم، وَفي طُرُقِكُم، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ؛ سَاعَةً وَسَاعَةً -ثلاث مرات-).

ضياع الأوقات

وقال فضيلته إن الترويح عن النفس لا بد أن ينضبط بضوابط الشَّرع وقواعده، ويُعرَضَ على مِيزانه؛ لضمان تحقيق أهدافه التي أبيح من أجلها، حتى لا يؤول إلى وسيلة لضياع الأوقات وهَدْر المُقدَّرات، والتَّرَدِّي في مَهاوي الخمول والكسل والانحراف، وإلا كان وبالاً وهلاكاً، لافتاً إلى أنه عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي ، فَقَدْ أَفْلَحَ ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ).

الواجبات الدنيوية

وأكد أن من أهم ما تؤثر فيه النية، المباحات والعادات؛ حيث إنها تتحول بالنية إلى عبادات وقربات؛ موضحاً أن الترويح من جملة المباحات التي يثاب عليها الإنسان إذا نوى بها النشاط للطاعة والعبادة، وأداء الواجبات الدنيوية، كما أنه قد يأثم الإنسان عليها إذا قصد به الهروب من المسؤوليات، وتضييع الواجبات؛ مشيراً إلى أنه عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَفِى بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ) .

ونوّه بأن السلف الصالح رحمهم الله تعالى كانوا يحرصون على ذلك ويتعاهدون نياتهم في جميع أعمالهم؛ مستشهداً بقول معاذ رضي الله:«لكني أنام ثم أقوم فأقرأ، فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.«

وأوضح الشيخ جاسم الجابر أن الترويح عن النفس أمر أباحته الشرائع كلها؛ لكونه من متطلبات الفطرة البشرية؛ مشيراً إلى أنه من دلائل إباحة الترويح واللعب المباح ، ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة لعب الحبشة في المسجد يوم العيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لِتَعْلَمَ يَهُودُ أَنَّ في دِينِنَا فُسْحَةٌ، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ)

انتهاك الحرمات

ولفت إلى أنه مع هذه الفسحة في الترويح عن النفس، فإنه ينبغي للمسلم أن لا يجعلها غاية له وهدفاً في هذه الحياة الدنيا، وأن لا يتخذها وسيلة ومطية لانتهاك حرمات الله، وتعدي حدود الشرع، وإنما عليه أن ينظر إليها كوسيلة لغاية عظمى وهدف أسمى ؛ هو بقاء الإنسان نشيطاً، ذا همّة وعطاء، من أجل بناء المجتمعات، وعمارة الأرض، وإقامة الشرع

وقال إنه ينبغي للمسلم أن ينظم وقته بين العمل واللهو، والجد واللعب، فلا يعتدي على الوقت الذي هو حق لله تعالى؛ كوقت الصلوات المفروضة، أو أن يغفل عن ذكر الله في أوقات هو أحوج ما يكون فيها إلى القرب من ربه؛ كإهدار ساعات الليل كلها في السَّمر واللَّهو، فلا هو في نوافل العبادات قضاها، ولا لأمر واجب أحياها

بيئة مختلطة

ونبّه على أن من أشد الأمور خطورة في الترويح والترفيه أن يكون في بيئة مختلطة بين الرِّجال والنِّساء؛ وتكمن خطورته فيما يصحبه من هزل وضحك وإسقاط تكلُّف، وحينها لن يجد الشيطان بيئة أخصب من تلك البيئة ليقذف القلوب بسهامه، ويسقطها في حبائل الفتنة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ».

وأضاف: لا يعني هذا أن ينعزل الرجل عن بقية أهله، أو المرأة عن محارمها في الترفيه والترويح؛ إنما عليهم أن يراعوا حرمات الله، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأنت تراه يُلاعِبُ أهله ويمازحهم.