بقلم : سليم عزوز(كاتب وصحفي مصري) ..
لا نعرف إلى الآن مُلابسات عمليّة اختطاف وتحرير الفرقة العسكريّة المصريّة في ليبيا. فكل ما أُذيع أن قوة من الجيش والمخابرات السودانيّة، تمكنت من عملية التحرير، مع حرص الجانبين: المصري والسوداني على عدم الدخول في التفاصيل، حيث يكمن الشيطان بسلامته!

الشكر موصول، للقوة السودانيّة التي نجحت في مهمّة التحرير، فكما قالت العرب: «الناس لبعضها»، ولأنها كذلك، فإن هذه القوة لا تكون قد فعلت أكثر ما عليها فهذا واجبٌ قامت به، وقديماً قالت العرب أيضاً: «لا شكر على واجب»!

في البداية قرأت الخبر في موقع «الأحداث نيوز» السوداني، وكان عبارة عن بيان مقتضب، وفي المقابل التزم الجانب المصري الصمت، لكني تمكنت بعد سؤال، من الوقوف على صحة المنشور في الموقع السوداني، وصرحت مصادر لـ «الجزيرة» أيضاً بذلك بدون تفاصيل أكثر مما نشر موقع «الأحداث»، ورغم أن النشر تم صباح الاثنين، فقد راعني إنه «لا حس ولا خبر» في المواقع المصريّة، وقد كان التلفزيون المصريّ مشغولاً بنقل وقائع مؤتمر يُشارك فيه السيسي، بعد يومين قضاهما في مؤتمر آخر، ليخرج من مؤتمر ويدخل في آخر، وهو لا يحضر جلسة أو أكثر ثم يذهب إلى ما يشغله، ولكنه يشارك في الجلسات كلها، وهو أمر لا يفعله أي رئيس دولة أخرى، يبدو أنه «يتحدّى الملل»!

هل كان الأمر مُخجلاً لأهل الحكم في مصر، لدرجة أنهم لم يُعلنوا شيئاً عن عملية التحرير، التي قامت بها قوات دولة أخرى؟ صحيح أن العلاقة الآن بين «البشير» و«السيسي» على ما يُرام، وقد كانت الزيارة العائليّة التي قام بها الأخير للأول كاشفة عن ذلك، وقد اصطحب السيدة حرمه معه، والتي التقت بحرم الرئيس السوداني، ولا نتذكّر آخر مرّة اصطحب فيها رئيس مصري زوجته في زيارة للسودان، ربما لم يحدث هذا ولو في عهد الرئيس السادات مع قوة العلاقة التي كانت تربطه بالرئيس جعفر النميري.

بيد أنه من الواضح، أن الأمر مُحرجٌ للقيادة المصريّة، مع ما يربطها بالقيادة السودانيّة الآن، ولهذا كان تجاهل عملية تحرير القوات السودانيّة، للفرقة العسكريّة المصريّة، المُختطفة في الشقيقة ليبيا، لأن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس!

فلما جنّ الليل، عقدت السلطات السودانيّة مؤتمراً صحفياً لتُعلن فيه هذا الإنجاز العسكري لقواتها المُسلحة، ولمخابراتها، القادرة على الوصول إلى العمق الليبي، فتتمكّن مشكورة من تحرير فرقة مصريّة عسكريّة، وإن كان المُعلن أيضاً في المؤتمر/‏ المهرجان، لم يتطرّق إلى تفاصيل، فلم يتجاوز من حيث المعلومات البيان المُقتضب المنشور في موقع «الأحداث»، وقد نشر بكثافة صوراً للقوة المصريّة التي جرى تحريرها، والتي تتشكّل من ضابط وأربعة من الجنود، وعندئذ نشر المُتحدّث العسكري بياناً مقتضباً تشكر فيه القوات المسلحة المصريّة نظيرتها السودانيّة وقوات الأمن في معاونتها لعودة «الدورية المفقودة»، فبدا البيان كاشفاً عن الحرج ومُنطلقاً منه!

بيان المتحدّث العسكري (المتأخّر) يُوحي بأن الفرقة المصرية العسكرية، ليست أكثر من دوريّة، ضلّت الطريق وأن القوات السودانيّة تمكنت من معاونة القوات المُسلحة المصريّة في إعادتها، دون ذكر لأين توصلت إليها القوات السودانيّة: في ليبيا أم في الأراضي المصرية؟ فهل للسودان قوات داخل حدود الدولة المصرية؟!

والبيان لم يذكر واقعة الاختطاف التي ذكرها السودان على أيدي فرقة ليبية متمرّدة، لكن التعامل معها على أنها دورية مفقودة، يعني أنها ربما ضلّت الطريق فتجاوزت الحدود المصريّة، ربما إلى الحدود السودانية، أو الليبية!

من جانبه، أكد البيان السوداني أن القوة المصرية كانت مختطفة من قبل متمرّدين في ليبيا، إلا أنه لم يذكر مكان الاختطاف، وإن كانت الإشارة أن هذا تم في الحدود المصرية الليبية، فهل القوة المصريّة، مُقاتلة، أم من حرس الحدود؟!

وقد تكون يد الغدر طالت الفرقة المصريّة داخل الحدود المصريّة، وهنا يكون مبعث الحرج، وقد تكون الواقعة تمّت على الأراضي الليبيّة وهنا يثور سؤال ومن أرسل هذه القوات والدستور المصري يحظر إرسال أي قوات من الجيش إلى أي دولة إلا بعد عرض الأمر على البرلمان؟!

وفي التأكيد من جانب المُتحدّث العسكري، بأن القوات السودانية كانت تعاون القوات المسلحة المصرية، في الأمر يُقلل من حجم الانتصار السوداني، الذي بدا واضحاً في التعاطي مع الحدث في السوشيال ميديا، من قبل سودانيين، وأيضاً في زهوة الانتصار التي تبدّت للناظرين لمن شاركوا في المؤتمر الصحفي، فهذا بيان انتصار في معركة حربيّة، وليس مجرد «معاونة»، لأن الدور المُساعد هنا كان يلزم السودان بتسليم أفراد القوة المُحرّرة للجانب المصري، الذي يقوم بعملية البحث في ليبيا، وكما قالت العرب: «ليس بين الخيرين حساب».

المؤتمر/‏ المهرجان، لا يوحي بأنها «عملية عثور» على «مفقودين»، كدور مساعد، ويبدو أن القوم في القاهرة لم يوافقوا على هذا الصخب، ولهذا فلم يحضر السفير المصري في الخرطوم مراسم استقبال الفرقة العسكرية لحظة وصولها للأراضي السودانية، فكان المهرجان سودانياً خالصاً!

مبعث الحرج في الموضوع هو «بيت القصيد»، فلم يسبق أن أعلن أولو الأمر (منهم) في القاهرة عن «فقد دوريّة» مصريّة، ولم يتم الإعلان الآن متى كان هذا «الفقد»، والبعض يُرجعه إلى نحو شهرين، ولن أجاري ما نُشر على السوشيال ميديا في انتظار رد على سؤال: متى دخلت «الدورية» المصرية في عداد «المفقودين»؟!

الحرج كذلك، لأن القوات السودانيّة، هي التي توصلت إلى «المفقودين» في الأراضي الليبية، وقد كنا في عهد الرئيس المخلوع نعلم أن المخابرات المصرية موجودة ومتمدّدة وليبيا هي مركز نفوذها، فماذا جرى حد العجز، فتكون المساعدة من القوات المسلحة السودانية؟!

«الناس لبعضها» ما في ذلك شك، وأنا من جيل تربّى على أن مصر والسودان بلد واحد، وحتى الحساسيّات ما بين الشعبين: المصري والسوداني أحياناً، تستثني أهل الصعيد، فـ «البساط أحمدي» بين السوداني والصعيدي، لا تحكمنا «عقدة» ولا تحرّكنا «أزمة»!، فالذي أهدف إليه شيء آخر، مرتبط ارتباطاً وثيقاً، بفقد القوات المصريّة لياقتها إلى هذا الحدّ!

الشاهد من هذه الواقعة، أن الجيش السوداني أيضاً يلعب في ليبيا، ويبدو أن جيوش العالم كله هناك، وليس هذا هو الموضوع، فالموضوع يتلخص في أمرين:

الأول: أن مصر فقدت دور الأخ الأكبر للجميع، فصارت طرفاً في نزاع لا يملك أي فريق القدرة على حسمه. وهذا الدور كان حاضراً حتى في عهد مبارك بدرجة ما، لا سيما أن الجيش المصري كان فوق السياسة، لدرجة كانت تعليمات صدام حسين في حرب تحرير الكويت للقوات العراقيّة أنهم عند الاستسلام ينبغي أن يقوموا بتسليم أنفسهم للجيش المصري.

ثانياً: أن القوات المصريّة فقدت لياقتها في ليبيا، إلى حد أن من تحرّر قوة مصريّة هناك هي القوات السودانية حديثة العهد بليبيا وأراضيها، وإن كنت لا أعرف هل نجاح مهمتها كان بعد عملية قتاليّة مع الخاطفين، أم بعد مفاوضات حافظت على أرواح الخاطفين والمخطوفين؟!

إن من حق مصر أن تحمي حدودها مع ليبيا، لكن أن يكون هذا بالدفع بالقوات اللازمة، فلا تتمكن قوة متمرّدة من اختطاف دورية مصرية!

ويؤسفني أنه في اللحظة التي كان الجيش السوداني يقوم فيها بتحرير المخطوفين من الجيش المصري، أن وزيرة الصحة المصريّة كانت تعلن في حضرة عبد الفتاح السيسي أن الجيش سينتج لبن الأطفال!
إن لياقة الجيوش لا تكون بالأغاني الركيكة وفرضها في المدارس كأغنية: «وقالوا ايه علينا دولا وقالوا ايه؟»، لأنه في ساعة الجد، وجدنا القوات السودانية هي من تنقذ ولم نعثر لـ «خالد مغربي»، «على جرة» وهو الذي وصفته الأغنية الركيكة بأنه «دبابة»

قولوا للسيسي ألا يُرهق الجيش بعيداً عن مهامه القتاليّة، فالأغاني لا تعوّض «الفقد» ولا تستردّ «الدوريّات المفقودة»!
  
[email protected]