مكانـة محـــمـود درويــش في الشـــعـر العــربـي
أحد شعراء العالم الكبار وصوت للإنسانية مثل أراجون ونيرودا
استطاع أن يزاوج بين نخبوية شعره والحضور الجماهيري
يرى المتنبي أعظم شاعر.. وهو تلخيص للشعر الذي سبقه وتأسيس لما لحقه
يعُد فلسطين فردوساً قابلاً للتحقق وليست جنة ضائعة
قال قبل رحيله: أحوال فلسطين لاتُرضي العقل ولا تسرّ القلب
يعتبر ديوانه الأول «عصافير بلا أجنحة» لا يستحق الوقوف عنده
بقلم – جهاد فاضل:
مضت عشر سنوات على رحيل الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش أحد أعظم شعراء العرب في النصف الثاني من القرن العشرين. وحوله صدرت وتصدر باستمرار دراسات وأبحاث تؤكد أهميته الشعرية لعل من أحدثها ما نشرته مجلة (فصول) النقدية المصرية في أعدادها الأخيرة، وهو يؤكد على كون محمود درويش كان واحداً من شعراء العالم الكبار مثله مثل أراجون ونيرودا اللذين كانا صوتين من أصوات الإنسانية والحرية والتقدم، لا مجرد شاعرين يخصان شعبهما لا غير.
وبتعبير أحد النقاد، فإن هذا الشاعر عمد إلى تطعيم عالمه بمشاغل شعرية ذات طموح كوني. بهذا المعنى لم تعد عناصر التجربة الفلسطينية تحتل بؤرة شعره، بل إن عناصر هذه التجربة أصبحت تتخايل عبر الأساطير التي ينسجها الشاعر أو يعيد موضَعة عناصرها التي يقوم باستعارتها من حكايات الآخرين، ومن ثم يجدلُها بحكاية شعبه وحكايته الشخصية كذلك.
بدءاً من التسعينيات من القرن الماضي أصبح محمود درويش يبني عالماً أسطورياً تتمازج فيه حكايات الشعوب وأحلامها في أرض القصيدة التي تسعى إلى وضع حكاية الفلسطينيين في أفقها الكوني وتخليصها من محليتها ومباشرتها.
الطروادي الأخير
لعل أحدث ما سيصدر قريباً من محمود درويش أو له، حواراته التي أدلى بها إلى الصحافة على مدار حياته، وذلك تحت عنوان (الطروادي الأخير). الدار التي ستصدر عنها هذه الحوارات هي دار كنعان، تقديم وتحرير سعيد البرغوثي الذي بذل جهداً كبيراً في جمعها من مصادر مختلفة. وعلى هذا فإن كتاب هذه الحوارات سيكون مرجعاً مهماً عن الشاعر ومختبره الشعري. وقد ذكر مرة في أحد حواراته: «إن الحوار في جوهره كتابة شفوية ومختبر لقراءة باطنية للشاعر. أول حوار للشاعر مع الصحافة العربية أجراه في موسكو الصحفي والكاتب اللبناني محمد دكروب نشر في مجلة (الطريق) سنة 1978. كانت الزيارة الأولى للشاعر إلى خارج فلسطين. وفي الحوار يعترف الشاعر بأن ديوانه الأول (عصافير بلا أجنحة) الذي أصدره عام 1960 لا يستحق الوقوف عنده وأن بدايته الجادة كانت مع ديوانه الثاني (أوراق الزيتون) الصادر بعد ذلك بأربع سنوات نقلة له من موقع «الثوري الحالم» إلى وعي ثوري آخر أكثر جذرية.
في حوار آخر يستدرجه صحفي آخر إلى مناطق أكثر حميمية نادرًا ما يتطرق إليها الآخرون، كمن يبني مسيرة ذاتية، أو مرآة سرية لصورة الشاعر خارج نصه، بالتوازي مع تطور تجربته الشعرية ومتطلباتها: التباس العلاقة مع الأب، الهشاشة الذاتية، ذائقة القارئ وتمرد الشاعر على هذه الذائقة. لا ينكر محمود درويش تأثره بنزار قباني ولوركا ونيرودا في إنشاء غنائيته الخاصة، وكيف تمكّن، على مراحل من جذب قارئه إلى تضاريس شعرية لا تنتسب إلى قصائده المشهورة مثل (سجّلْ أنا عربي) و(أحنّ إلى خبز أمي). فالذروة بالنسبة إليه أتت مع (الجدارية) وهي معلقته الشعرية، بالمقارنة مع منجزه الشعري «كتبتها مفترضًا أنني لن أكتب بعدها، أي أن هذه شهادتي الشعرية وأثري الشعري» .
حول فلسطين يقول محمود درويش في حوار له مع جريدة (لوموند) الفرنسية عام 1983: «فلسطين فردوس قابل للتحقق وليست جنة ضائعة. فلسطين ليست ذكرى، إنها أكثر من وجود ليست ماضياً ولكنها مستقبل. فلسطين هي جمالية الأندلس. إنها أندلس الممكن» .
مصير الشعر العربي والمتنبي
وفي حوار آخر يقول محمود درويش «لو أعدت كتابة دواويني لاكتفيت بخمسة أو ستة، ويبدو أنه كان يائساً من مصير الشعر العربي بقدر حرصه على ألاّ تقع قصيدته في التكرار: «أحسّ بأننا نحن العرب ذاهبون إلى مكان تركه الآخرون من قرن» . ويضيف: «علاقتي بالشعر الحديث تغيّرت. لي الآن نظرة مختلفة تجاه ما يُسمّى بشعر الرواد الذي طالما احتفينا به. كثير منه لا أستطيع أن أقرأه اليوم» . وفي هذا الحوار يؤكد الشاعر على القلق بخصوص شعره أكثر من الطمانينة، استجابة لشهوة الشعر الصافي أو ما يقاربه، جمالياً لا إيديولوجيا. كما ينحاز في حوار آخر إلى الطرواديين لأن بوسع الضعفاء والمهزومين أن يكتبوا تاريخهم أيضا: «الشعر دائماً حليف الخسائر الصغيرة والخيبات، وهو المتفرج المحايد على الجيوش الأمبراطورية: «أعتقد أن العشب الذي ينبت على خوذ الجنود هو الشعرن وليست الخوذ هي الشعر» .
ويحضر المتنبي في معظم هذه الحوارات بوصفه علامة فارقة في الشعر العربي وأحد الآباء الشرعيين لمحمود درويش. فهو لا يتردد في القول في وصف شعرية المتنبي: «كل ما أردت أن أقوله قاله هو في نصف بيت: «على قلقٍ كأن الريح تحتي» . المتنبي أعظم شاعر في تاريخ اللغة العربية برأيه، وهو كما يبدو له «تلخيص لكل الشعر العربي الذي سبقه، وتأسيس لكل ما لحقه. «نحن الآن نطرز بعض أبيات المتبني» !
اللقاء الأخير
أمران آخران يستحقان الوقوف في حوارات محمود درويش أولهما: وقائع ندوة جرت في برلين عام 2002 قادها الشاعر السوري أدونيس احتفاءً بمحمود درويش وقد افتتحها بقوله: «إن شعره يفلت من الوسائط والبنى ومن الحتميات والموضوعيات كلها، كمثل وردة تنغرس في أحضان المادة، غير أن العطر لا يجيء من شهيق هذه الوردة وزفيرها. هكذا يصعد عالمنا نحو آفاق إنسانية كونية» . ورأي أدونيس في شعر محمود فاجأ محمود فعلّق عليه بالقول: «تربطني بأدونيس علاقة شخصية منذ ثلاثين سنة، ولكن قد يكون من المفارقات أنني لم أسمع رأيه في شعري إلا الآن في برلين» .
أما الأمر الثاني فهو مشهديات اللقاء الأخير مع محمود درويش قبل سفره إلى أحد مستشفيات تكساس لإجراء عملية دقيقة في القلب انتهت بوفاته. ومما قاله لصديقه الناقد فيصل دراج في هذا الوداع الأخير حول قضية وطنه فلسطين:
«لا شيء يدعو إلى الأمل وأحوال فلسطين لا تُرضي العقل ولا تسرّ القلب، وأنا متشائم، وأرفض تصدير الآمال الزائفة»!
هذه العينات من حوارات محمود درويش وردت في مقال لخليل صويلح في عدد لجريدة (الأخبار) اللبنانية في 9 أغسطس المنصرم 2018. وتستكمل تحليل شعر محمود درويش، مضمونه وآفاقه، ودور الشاعر في حاضر الشعر العربي، استنادًا إلى مقالات حديثة عنه نشرتها مجلة (فصول) المصرية في بعض أعدادها الأخيرة وقد كتبها باحثون ونقاد عرب كبار من المشرق العربي والمغرب العربي منهم فخري صالح (من فلسطين) والميلود حاجي (من تونس) ومحمد عبدالمطلب (من مصر) وهي تُجمع على أنه ولد للعرب في النصف الثاني من القرن العشرين شاعر استثنائي كبير مختلف عن أي شاعر عربي آخر.
تطوير الأدوات الشعرية
يرى فخري صالح أن محمود درويش يعد أهم شاعر أنجبته فلسطين وواحداً من كبار الشعراء العرب المعاصرين فقد عمل على مدار سنوات عمره على تطوير أدواته الشعرية ما جعله يحتل مكانة رفيعة في تاريخ القصيدة العربية في القرن العشرين، كما أنه استطاع على النقيض من عدد من الشعراء العرب أن يزاوج بين نخبوية نصه الشعري والحضور الجماهيري الذي جعل عشرات الآلاف من محبي الشعر يتوافدون إلى قراءاته الشعرية في العواصم والمدن العربية ولا يعود هذا الحضور الجماهيري إلى كونه فقط الناطق الشعري باسم فلسطين منذ كتب سطوره الشعرية الشهيرة «سّجل أنا عربي» فصار جمهوره يطالبه بقراءتها حتى بعد أن باعد الزمن بين قصيدة «بطاقة هوية» وشاعرها الذي تطورت تجربته فعانق وعيه الثقافي والشعري آفاقا جديدة قربته من شعراء العالم الذين عبّروا عن القضايا الإنسانية الكبرى. إن هذا الحضور وتلك الشهرة والنجومية التي تمتع بها درويش تعود إلى قدرته على جعل نصه الشعري يتمتع بطبقات متراكبة من المعنى، بعضها قريب من أفهام الجمهور العام الذي يعثر على فلسطين وصورها وهي تتخايل في قصائد درويش في الوقت الذي يسعى الشاعر الخلاق إلى جعل فلسطين مجازا لعذابات الإنسانية ومجلى لمآزقها الوجودية.
إنه علامة أساسية في الشعر العربي المعاصر، قبل درويش كان الشعر العربي شيئا وصار بعده شيئا آخر، لقد غير الذائقة وأقنع قراءه وسامعيه أن الشاعر يمكن أن يكون نجمًا جماهيريًا دون أن يخاطب الغرائز أو يكرر السائد والمعروف وما يحب الناس أن يسمعوه لقد قاد قراءه إلى قمة الشعر فاتحا الآفاق وسيعة لخيال السامعين والقراء.
شعر يحكي عن الجرح الفلسطيني
كانت غاية محمود درويش أن يكتب شعراً يحكي عن الجرح الفلسطيني دون صخب، وكان حلمه أن يكتب شعراً صافيا لا ضجيج فيه ولا إيقاعات عالية. لكنه كان شاعرًا لافتًا حتى في تلك القصائد التي كان جمهوره يطالبه بقراءتها في أمسياته جميعها وكان محمود يرشو الجمهور نازلاً عند رغبات هذا الجمهور لكي يقرأ له ما يريد هو: قصائد كبيرة من مجموعات: هي أغنية هي أغنية، لماذا تركت الحصان وحيدًا، جدارية، كزهر اللوز أو أبعد، لا تعتذر عما فعلت، أثر الفراشة، وسواها.
موقع درويش على خارطة العر العربي يتمثل في قدرته على تزويج الإيقاع للمعاني والتجارب الوجودية العميقة، في تلقيح هذا الشعر بغبار طلع الكتابات الشعرية العالمية المميزة، بشعر فيدريركو غارثيا لوركا ووليم بتلر بيتس وبابلو نيرودا ويانيس ريتسوس وغيرهم من الشعراء الكبار الذين تتألق قصائدهم في ذاكرة الشعر العالمي، ولأنه عرف كيف يطعم شعره بشعرهم ويزوج التراجيديا الفلسطينية لتراجيديات البشرية وعذابات الإنسان في كل زمان ومكان، فقد أصبح قبل وبعد رحيله واحدًا من الشعراء الكبار.
تمارين شعرية
يتحدث فخري صالح عن أعمال محمود درويش الأولى التي كتبها في فلسطين المحتلة فيصفها بأنها كانت مجرد تمارين في الكتابة العشرية التي ستأتي لاحقًا في «أحبك أولا أحبك» (١٩٧٢) و«محاولة رقم ٧» (١٩٧٤) وتتطور تجربته الشعرية فيما بعد، وتتحقق هذه الانعطافة في مجموعتيه: «هي أغنية هي أغنية» (١٩٨٦) و(ورد أقل» (١٩٨٧) حيث تصبح القصيدة أكثر كثافة واختزالاً وأكثر التفاتاً إلى ما هو كوني في التجربة.
وفي هذا المفصل من مفاصل التجربة يتمكن الشاعر من صوغ الشخصي والجماعي الفلسطيني بطريقة بعيدة عن الشعاري والبطولي الذي ميز التجربة الشعرية الفلسطينية على مدار أكثر من ربع قرن.
أصبح درويش في هذه المرحلة صانع أساطير يولد حكايات من حكايات ويبني عالمًا أسطوريًا تتمازج فيه حكايات الشعوب وأحلامها في أرض القصيدة التي تسعى إلى وضع حكاية الفلسطينيين في أفقها الكوني وتخليصها من محليتها ومباشرتها وقد انعكس ذلك غموضا فاتنا على صوره وعالمه الشعري الذي ظل يحاول لفترة زمنية طويلة التخلص من حمولته السياسية المباشرة لصالح إنجاز قصائد كبيرة قادرة على أن تجدل الراهن بالعابر للتاريخ والمتجدد عبر الزمن.
لماذا تركت الحصان وحيدًا
ويتحول درويش في مجموعتيه «لماذا تركت الحصان وحيدًا» (١٩٩٥) و«سرير الغريبة» (١٩٩٩) إلى كتابة شبه سيرة ذاتية إلى توليف عناصر من عيشه الشخصي مع عناصر من التاريخ الفلسطيني الجماعي، والحكايات والأساطير والاقتباسات القرآنية والتوراتية، للتعبير عن الإحساس العميق بالمنفى الجماعي والشخصي، لكن الانشغال هنا بحكاية السيرة، يفتح الوعي على هذا العالم والانغماس في الحب، لا يخفف من الشعور الملازم بالغربة والمنفى.
وهو شاعر حب أيضا يربط القراء في العادة شعر محمود درويش بقضية فلسطين، فهو المعبر بصورة واستعاراته وقصائده الملحمية عن تحولات هذه القضية وانعطافاتها لكنه في مجموعته «سرير الغريبة» يغير هذه الصورة النمطية والطريقة التي يصور بها شعره. فهو يكتب قصائد حب يتأمل حالة عشق متحولة بين رجل وامرأة منفيين هما على الأرجح فلسطينيان. لكن درويش يرفع حالة الحب التي يكتب أغانيه عنها إلى الشريط الإنساني العابر للحالات الفردية والانتماء الوطني والقومي. إنه يعيد وصف شاعر المحب في ضوء ما تعلمه من قصائد الحب وحكاياته وأساطيره: من مجنون ليلى، وجميل بثينة وأساطير الحب السومرية وصولاً إلى كتاب الكاماسوطرا الهندي.
الإحساس بالمنفى
يتخذ الشاعر من بعض العشاق الأسطوريين قناعا له يختفي وراءهم ليحكي لقارئه عن طبيعة مشاعره التي يمتزج فيها إحساسه بالمنفى والغربة بالعبث والخسارة والانحاء من الوجود في قصيدته «قناع لمجنون ليلى» يتجسد هذا الشعور المركب الذي يلقي بظله الثقيل على قصائد «سرير الغريبة» التي تجمع الإحساس بنشوه الحب إلى الشعور بانقضاء الحب والتهديد الملازم بالفقدان والخسارة وعدم الاستقرار:
أنا قيس ليلى
غريب عن اسمي وعن زمني
لا أهز الغياب كجذع النخيل
لأدفع عني الخسارة، أو أستعيد
الهواء على أرض نجد
… أنا من أولئك،
ممن يموتون حين يحبون. لا شيء
أبعد من فرسي عن معلقة الجاهلي
ولا شيء أبعد من لغتي عن أمير
دمشق. أنا أول الخاسرين..
أنا قيس ليلى، أنا
وأنا.. لا أحد!
وهو يستخدم خبرته الشعرية وجماليات قصيدته التي تعوّدها قارئه لكي يغري هذا القارئ بمواصلة استكشاف هذه التجربة التي تقيم على الأعراف بين الحياة والموت، بين الغناء والخلود، بين الوجود والعدم وبين ضمن هذه الجماليات التي يستخدمها الشاعر في «جداريته» القافية الأساسية التي تتكرر إلى منتصف القصيدة تقريبا وتوفر القافية المتكررة نوعا من الوحدة والرباط الداخلي الذي يشد المادة المتنافرة التي تتكون منها القصيدة الشاعر يعرف كيف يستبقي قارئه معه وهو يستخدم إضافة إلى التقفية الخارجية نوعًا من التقفية الداخلية التي يمكن التمثيل عليها بالمقاطع التالية:
١– في زمان السيف والمزمار
بين / التين والصبار
٢– وكل نبض فيك يوجعني،
ويرجعني..
٣– وأنا الغريب تعبت من «درب الحليب»
إلى الحبيب..
٤– ويرمونني بالحجارة:
عد بالعبارة..
وتحت عنوان «تحولات اللغة في شعرية الحداثة» يتحدث الناقد المصري محمد عبدالمطلب عن محمود درويش وقصيدة النثر يقول إن بعض شعراء الحداثة مثل سعدي يوسف وأدونيس توقفوا عند قصيدة النثر وأطالوا الوقوف عندها مثل نزار قباني الذي أنتج في رحابها ديوان «مئة رسالة حب» سنة ١٩٧٠.
وإذا كان نزار قد أطال الوقوف فإن محمود درويش قد توقف توقفًا مؤقتًا أنتج خلاله قصيدته «مزامير» من ديوانه «أحبك أو لا أحبك» سنة ١٩٧٢ وهي قصيدة طويلة تبلغ أربعمائة وتسعين سطرًا، وهو ما يعادل ديوانًا كاملاً من دواوين قصيدة النثر.
الاستعارات في شعر درويش
وتحت عنوان «الاستعارة في نماذج من شعر محمود درويش»، مقاربة عرفانية يتساءل الباحث التونسي الميلود حاجي: ما دامت الاستعارة نشاطًا ذهنيًا ينهض بدور مهم في معرفة حقائقنا اليومية، فإلى أي حد يمكن قراءة الاستعارات التي وظفها محمود درويش في شعره؟ ويجيب: لاشك في أن ممعن النظر في البنية الاستعارية في ديوان «لماذا تركت الحصان وحيدا» يدرك أن جل القصائد المكونة لهذا الديوان تستقطبها استعارة تصورية كبرى تتواليد منها استعارات عدة توالدًا ذهنيًا وحدسيًا أساسه الكفاية التصورية القادرة على بنية الانساق الفكرية التصورية استنادًا إلى التجارب الفيزيائية المرتبطة بعناصر العالم الخارجي.. وعليه يمكن القول إن حاضر محمود درويش ليس إلا ماضيه المدون في المعلقات السبع التي لم يبق من أسسها شيء يستحق تأليف معلقة أخرى ذلك أن ماضية نشوة وانتصار بلحظة الخلق الأولى، وهي لحظة ولادة الحروف. أما مستقبله فهو لغته، إذ لا زمان ولا مكان للشاعر خارج لغته وما حاضره إلا عدم، كما يتأكد لنا طموح درويش الجامح لتحقيق وجوده ووطنه من خلال التأسيس داخل اللغة، أي تأسيس كينونته ووجوده ووطنه في اللغة تعويضا عن الخسائر التي تحوطه في الواقع اليومي.