الخطف والإخفاء.. سياسة سعودية تلاحق المعارضين الفارّين
القبضة الأمنية في المملكة تشتد لتطال الأكاديميين والدعاة

الرياض – وكالات: يبدو أن حملة الاعتقالات التي تشنها السلطات السعودية منذ تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، بدأت تطول المعارضين الفارّين منه إلى خارج البلاد، حيث عكفت سلطات المملكة على تجهيز مذكرات اعتقال بحق عددٍ من الموجودين بالخارج، بالإضافة إلى الذين فرُّوا قبل أن تطولهم الزنازين، إلا أن مذكرات الاعتقال دوماً تسبقها سياسة أخرى تتمثل بالخطف والإخفاء، كما حصل مع الكاتب والإعلامي السعودي جمال خاشقجي. فمنذ الرابع من نوفمبر الماضي، بدأ ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حملة اعتقالات غير مسبوقة بحق عشرات، بينهم أمراء ورجال أعمال ووزراء حاليون وسابقون، قبل أن يعود ويطلق سراح عدد منهم بعد تنازلهم عن أجزاء كبيرة من ثرواتهم. وجاء اعتقال الأثرياء السعوديين، بعد حملة اعتقالات شنتها الرياض مطلع سبتمبر 2017، طالت عشرات الكُتاب والصحفيين وعلماء الدين والمحللين الاقتصاديين والروائيين والشعراء، بتهم متعددة، أبرزها الصمت وعدم المشاركة في الحملة الإعلامية على قطر، بالإضافة إلى محاولات إسكات الأصوات المؤيدة لولي العهد المعزول محمد بن نايف. لكن عدداً من الإعلاميين والكُتاب والصحفيين وعلماء الدين، الذين كان جهاز أمن الدولة قد أدرجهم على قوائم الاعتقال، قد تمكنوا من الفرار إلى دول الخليج المجاورة وإلى تركيا وبريطانيا وأمريكا. وفي حين تروج السلطات ووسائل الإعلام الموالية لولي العهد، للاعتقالات على أنها حملة لمكافحة الفساد، فإن كثيرين يرون أنها ليست سوى محاولة لقطع كل الرؤوس الرافضة لوصول بن سلمان لسدة الحكم، وكذا إسكات كل الأصوات التي تتحدث برواية مخالفة لروايته.
خاشقجي آخر المختفين
وكان من أبرز المعرَّضين للملاحقة، الكاتب والإعلامي جمال خاشقجي، الذي اختفى فعلاً بعد مراجعته القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية يوم أمس الأول، والمعارضون سعد الفقيه، وعلي آل أحمد، وكساب العتيبي، فضلاً عن ثلاثة أمراء سعوديين يعيشون في أوروبا. وعُرف الأمراء الثلاثة بانتقادهم الحكومة السعودية، وإن كانت تقارير إخبارية تشير إلى أنهم اختُطفوا أو رُحِّلوا إلى المملكة، حيث انقطعت أخبارهم ولم يُسمع عنهم شيء منذ ذلك الحين. واتخذ خاشقجي مواقف مناهضة لحصار قطر، قبل أن يعارض آلية المملكة في التعامل مع ملف الفساد، رغم تأكيده الدائم ضرورة التصدي للفساد والمحسوبية بطرق منطقية ومقبولة، وليس استخدامه كشماعة لحسم خلافات سياسية غير معلنة. وتمكن من مغادرة السعودية، قبل بدء حملة الاعتقالات بأيام قليلة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
كتّاب وحقوقيون وأكاديميون
هناك أيضاً المعارض علي آل أحمد، الذي يعمل مديراً لمعهد الخليج للدراسات في واشنطن، وهو ناشط حقوقي معروف بمواقفه المناهضة لحكومة المملكة، فضلاً عن وصفه الأسرة الحاكمة بأنها “رأس الإرهاب” في العالم. ولم يكن خاشقجي هو الهارب الوحيد الذي تمكن من “النفاذ بجلده” من حملة الاعتقالات، التي وُصفت بأنها الأكبر في تاريخ المملكة الحديث، حيث استطاع الأكاديمي والباحث الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد، الذي يعيش في منفاه الاختياري بإسطنبول، عقب ورود اسمه بقوائم الاعتقالات الخاصة بجهاز أمن الدولة، التابع لولي العهد محمد بن سلمان.وسبق أن أوقفت السلطات بن سعيد عدة مرات؛ على خلفية انتقاده قناتي “العربية” و”إم بي سي”، وتضامنه مع ضحايا “مذبحة رابعة العدوية” وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومواقفه المؤيدة للمقاومة الفلسطينية ورفض التطبيع مع “إسرائيل”. الشيخ عبد الرحمن دمشقية، وهو عالم دين وباحث لبناني، كان مقرباً من أجهزة الدولة السعودية الأمنية في عهد وزير الداخلية الأسبق نايف بن عبد العزيز وابنه محمد، وقد استطاع الفرار من السعودية عقب ورود اسمه بقوائم الاعتقالات، متجهاً إلى لندن، حيث يملك إقامة دائمة هناك.
الأمراء المختفون
وخلال السنتين الماضيتين، اختفى ثلاثة أمراء سعوديين يعيشون في أوروبا، وعُرفوا بانتقادهم الحكومة السعودية،وهناك تكهنات منتشرة بأن الأمراء الثلاثة إما اختُطفوا وإما رُحِّلوا إلى المملكة، خاصة مع انقطاع أخبارهم، وعدم سماع أي شيء عنهم منذ ذلك الحين. والأمراء الثلاثة؛ هم: سلطان بن تركي بن عبد العزيز، وتركي بن بندر آل سعود، وسعود بن سيف النصر، وثلاثتهم لهم مطالبات كثيرة بالإصلاح واتهامات للأسرة الحاكمة بالفساد وانتهاك حقوق الإنسان. وهناك أمير سعودي آخر انشق عن الأسرة المالكة، وهو الأمير خالد بن فرحان آل سعود، الذي ذهب إلى ألمانيا وحصل على اللجوء السياسي فيها عام 2013، وهو أيضاً يخشى أن يُجبر على العودة للرياض. يقول الأمير خالد لـ “بي بي سي”: “كنا أربعة أمراء بأوروبا، انتقدنا الأسرة المالكة وحكمها في السعودية، فاختُطف ثلاثة منا، وبقيت أنا الوحيد الذي لم يُخطف”. وعن احتمالية أن يكون الدور عليه لينضم إلى قائمة المختطَفين، يقول الأمير خالد: “أنا مقتنع بذلك منذ زمن طويل. إذا فعلوا ذلك الآن، فإنهم سيكونون قد قاموا بذلك من قبل، أنا حذِر جداً، لكن هذا ثمن حريتي”.
رغم نفي الرياض مسؤوليتها
أمير سعودي يلمّح لاختطاف خاشقجي
الرياض – وكالات: ألمح أمير سعودي إلى اختطاف السلطات السعودية، الكاتب جمال خاشقجي، من مبنى القنصلية في إسطنبول. وأشار الأمير خالد بن عبدالله بن فيصل بن تركي آل سعود، إلى الأكاديمي المقيم في إسطنبول أحمد بن راشد بن سعيد، وقال له في تغريدة: “ما ودك تمر على السفارة السعودية؟”. وتابع: “يبوك (يريدونك) في كلمة رأس”. وقال ناشطون إن تغريدة الأمير “تفضح” أن السلطات السعودية اختطفت بالفعل جمال خاشقجي داخل القنصلية في إسطنبول. في الإطار ذاته نفى مسؤول سعودي التقارير العربية والغربية التي تحدثت عن اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي بعد مراجعته للقنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية.ونقلت وكالة رويترز للأنباء عن مسؤول سعودي لم تسمه قوله إن “التقارير الصحفية الواردة من واشنطن عن فقد الكاتب السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول كاذبة”. وأضاف المسؤول السعودي أن خاشقجي “زار القنصلية لطلب أوراق عمل وخرج بعد فترة قصيرة”.