
بقلم – ممدوح محمد الشمسي : عن ثابت عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: أتى عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ألعب مع الغلمان، فسلّم علينا فبعثني إلى حاجة فأبطأت على أمي، فلما جئتُ قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر!!، قالت: لا تخبرنّ بسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحداً، قال أنس: والله لو حدثتُ به أحداً لحدثتك به يا ثابت .. متفق عليه
إن المتأمل في هذا الموقف يجد فيه الكثير من الإشراقات التربوية، إلا أننا سنركز هنا على ملمح تربوي واحد ألا وهو التكامل التربوي بين من يقومون بالعملية التربوية.
في بعض البيوت نفتقد ذلك التكامل التربوي بين معظم الآباء والأمهات، فنجد التعارض والتباين بينهم فيما يتعلق بتربية الأبناء، مما ينعكس بالسلب على علاقتهم الزوجية، إضافة إلى التأثير العميق في نفوس الأبناء.
ففي كثير من الأحيان تقول الأم لطفلها (نعم) ويقول الأب (لا) أو العكس، وهذا الاختلاف في التربية متكرر في بعض البيوت، وتكثر الشكوى من الزوجة خاصة إذا كان زوجها لا يحترم قراراتها التربوية أمام الأبناء، ولا يقدر جهودها في تربيتهم.
وعادة لا يظهر ذلك التناقض التربوي إذا كان عمر الأطفال أقل من سبع سنوات، ولكن الخلاف يظهر بعد هذا العمر أو في سن المراهقة، ويرجع ذلك إلى أن دافع الأم في قراراتها ترجيح جانب (الحماية والخوف)، بينما الأب يرجح (التشجيع والإقدام والمبادرة).
وخطورة ذلك التناقض التربوي يعود إلى آثاره السلبية على الأبناء، حيث نجد الازدواجية في شخصية الأبناء، وعدم معرفة الصواب من الخطأ، وضعف الثقة بالنفس وزيادة الخوف والقلق، وتحطيم القدوة الوالدية، والتربية على الكذب والاحتيال.
ولعلاج تلك الآثار السلبية ينبغي أن نحقق التناغم التربوي بين الزوجين، والخطوة الأولى في ذلك هي جلسة نقاشية بين الزوجين لوضع السياسات والضوابط للتعامل مع الأبناء ويُحدد فيها توزيع الأدوار وآليات التدخل التربوي، وإذا حدث اختلاف فمن الجميل أن يتنازل أحدهما ويمرر الرأي للآخر لأن تقديم سلامة الأبناء تربوياً أفضل من إقامة معركة بين الوالدين تؤثر على صحتهم النفسية، ولكن بعد انتهاء الأمر يُفتح الموضوع بين الوالدين منفردين للوصول إلى اتفاق مستقبلي حتى لا يتكرر الخلاف العلني، ومن الرائع كذلك أن يُظهر أحد الطرفين التنازل من أجل الآخر، وفي ذلك تربية جميلة للأبناء فتقول الأم: (أنا موافقة من أجل أبيكم)، أو يقول الأب: (وأنا مع رأي أمكم وإن كان رأيي خلاف ذلك)، ومن الحلول الناجحة أن يقول أحد الوالدين نخبركم بالقرار بعد التشاور ويطلب مهلة للنقاش والحوار وعدم الاستعجال في اتخاذ القرار.
ونشير هنا إلى أن المشكلة تكون أكبر لو كان أحد الوالدين يقول (لا) ثم بعد أيام هو نفسه يقول (نعم) للعمل نفسه، أو يقول (لا) لأحد الأبناء و(نعم) لأخيه، ففي هذه الحالة نحن نسهم في تدمير أبنائنا ولا شك أن المسؤولية جسيمة، لكن استشعار الثواب العظيم يهوّن تلك المشقة.