كنت أحفظ النشرة وأقرأها دون النظر في الورق
تقرير مجزرة «قبية» 1953 جعلني صحفياً وعمري 15 عاماً
الملك حسين طلب إحضاري من BBC للعمل بالتلفزيون الأردني
استدعوني لتسلم حقيبة الإعلام أثناء الاستعداد لحوار مع القذافي
قدمت نشرة الأخبار في BBC مستلقياً على ظهري بعد إصابتي بالديسك
حصلت على مكافأة 200 استرليني لقراءة نشرة بدل مذيع تعرض لحادث

عمان – أسعد العزوني: قال وزير الإعلام الأردني الأسبق د. سمير مطاوع إنه خلال فترة عمله في التلفزيون الأردني كان يحفظ نشرة الأخبار ثم يقرأها على المشاهدين دون أن ينظر للورق. وأكد في حواره مع الراية أن تحقيقه عن مجزرة “قبية” التي ارتكبها اليهود في هذه القرية الفلسطينية الواقعة على الحدود مع الأردن بعيد حدوثها عام 1953 جعل منه صحفياً عالمياً وعمره 15 عاماً فقط.
وكشف أنه بينما كان يستعد لإجراء مقابلة تلفزيونية عن طريق الأقمار الاصطناعية مع العقيد معمر القذافي، استدعوه إلى رئاسة الوزراء ليتسلم حقيبة الإعلام في الحكومة الأردنية عام 1997، برئاسة الدكتور عبد السلام المجالي.
وذكر أن العاهل الأردني الراحل الملك حسين هو الذي رشحه للعمل في التلفزيون الأردني وطلب إحضاره من لندن، حيث كان يعمل في محطة BBC، مشيراً إلى أنه وبسبب حادث مروري وقع لأحد زملائه المذيعين في المحطة البريطانية، ألقى نشرة الأخبار وهو مستلقٍ على ظهره بسبب إصابته بالديسك وحصل على مكافأة 200 جنيه استرليني.
وإلى نص الحوار:
• كيف دخلت إلى مجال الإعلام، ومن أي باب؟.
– كنت طالباً في مدرسة رغدان في العاصمة عمّان وعلى وشك الدخول في سن الخامسة عشرة، ورغبتي كانت أن أصبح صحفياً، لكن أبي كان يريد أن أدرس الطب، وتدخلت الأقدار لحسم الأمور لصالحي مع أنني حصلت على قبول لدراسة الطب في ألمانيا.
عندما هاجم اليهود بلدة “قبية” الحدودية ونفذوا مجزرتها المشهورة عام 1953، قررت السفر إليها للكتابة عنها، وكسرت حصالتي وكان فيها 3 دنانير أردنية، وحملت كاميرتي القديمة وتوجهت إلى موقف باصات القدس بعمان، وذهبت إلى رام الله، والتقيت هناك بشاب من “قبية” وأخبرته برغبتي في الوصول إليها فطلب مني نصف دينار ثمناً لبنزين سيارته، والتقطت العديد من الصور وكتبت الموضوع، وعدت إلى عمان، أخذت الأفلام إلى المصور أحمد الكيلاني لتحميضها، وعندما قرأ الموضوع الذي كتبته عرض عليّ نشره في الصحف، وأخبرني أن لديه صديقاً صحفياً يعمل مراسلاً لجريدة الدفاع في القدس وأرسلني إليه فسلمته التحقيق والصور، حاول إقناعي بنشر التحقيق تحت اسم مستعار لصغر سني، لكني رفضت ونشر التحقيق باسمي وشاعت شهرتي في مدارس المملكة.
وبعد ذلك انتقلت إلى كلية الحسين، ونظراً لصوتي الجهوري ولغتي العربية القوية كانوا يدعونني عند كل مناسبة وطنية لأكون عريف الحفل، استهللتها بعيد الاستقلال يوم 25 مايو 1956 بحضور وكيل وزارة الخارجية آنذاك سعد جمعة، وأخيه وكيل وزارة الخارجية لشؤون الإذاعة والصحافة والمطبوعات مدحت جمعة لأنه لم تكن هناك وزارة إعلام في ذلك الوقت.
بعد انتهاء الحفل استدعاني سعد جمعة وقال لي يجب أن تكون مذيعاً، وكان لدينا في جبل الحسين بعمان فرع للإذاعة الأردنية التي مقرها رام الله، وكنت أرسلت للإذاعة قصة قصيرة لبرنامج ركن الطالب، فاستدعاني مدير الفرع سري عويضة لتسجيلها بصوتي، وأبدى إعجابه بطريقة إلقائي.
كنت آنذاك أدرس الألمانية بعد حصولي على قبول لدراسة الطب في جامعة “إير لنجن “بألمانيا، وأخبرت سعد جمعة بالقبول ولكني أفضل العمل في الإذاعة فوعد أن يساعدني.
الذي أقنعني بالتمسك بالعمل في الإذاعة كان المدير العام عبد القادر الجاعوني الذي صادف وجوده في الإذاعة يوم سجلت برنامج ركن الطلبة. فناداني ليستفسر إن كنت موظفاً جديداً فتفاجأ بصغر سني. وعندما علم أنى أستعد للسفر إلى ألمانيا لدراسة الطب ،أثناني عن ذلك وعرض عليّ العمل في الإذاعة وبراتب شهري قدره 30 ديناراً أردنياً، وكان مبلغا خيالياً بالنسبة في ذلك الوقت بالمقارنة مع ربع دينار ( أي خمسة وعشرين قرشاً قيمة مكافأتي عن إذاعة الحلقة الواحدة من برنامج ركن الطالب )، وتم تعييني في الأول من يناير 1958 في فرع الإذاعة بعمان.
• كيف سارت مسيرتك بعد ذلك؟.
– ذهبت إلى بيروت وقدمت طلب توظيف إلى مكاتب إذاعة BBC هناك، ولكن وصفي التل الذي أصبح مديراً عاماً للإذاعة وكان ضابطاً في قوة حدود شرق الأردن مع والدي رفض الاستغناء عني، فلم أتمكن من العمل في BBC لأنهم كانوا يشترطون موافقة من الإذاعة الأردنية.
بعد ذلك جاء من يقول لوالدي إن إذاعة هولندا تبحث عن مذيعين عرب وكان صحفياً كبيراً وأقنع أبي بعدم الممانعة، ورتب لي أيضاً أن أتدرب في دار الصياد اللبنانية.
• متى انتقلت إلى BBC ؟
– بعد ست سنوات من عملي في الإذاعة الهولندية ذهبت إلى إذاعة BBC وأجروا لي فحصاً وكانت نتيجتي علامة كاملة، وعندما أدركت BBC قدراتي في اللغة الإنجليزية، وكانوا يبحثون عن مذيع/ راوية لقراءة التعليق والشرح لفيلم وثائقي عن صحراء الربع الخالي، وقع اختيارهم عليّ، وبعد نجاحي في هذا البرنامج عرضوا عليّ العمل في BBC فوافقت. أثناء عملي بالإذاعة أصبت بالديسك ومكثت في البيت ، وذات يوم وقع حادث سير لمذيع الأخبار، وكان منزلي هو الأقرب للإذاعة ، فاتصلوا بي وطلبوا مني الحضور، وأرسلوا لي سيارة إسعاف، ودخلت الأستوديو محمولاً على النقالة، وقربوا المايك المتدلي من السقف إلى وجهي ، فقرأت نشرة الأخبار مستلقياً على ظهري، وحصلت على مكافأة راتب شهري مقدارها 200 جنيه استرليني.
• كيف انتقلت إلى التلفزيون الأردني؟
– كان الملك حسين في زيارة إلى لندن ويتابع برنامج “نيوز نايت” الذي يقدمه المذيع البريطاني المشهور بيتر سنو، فرآني وتذكرني، وعندما تم تكليف محمد كمال لتأسيس التلفزيون الأردني رشحني للعمل معه وطلب منه إحضاري إلى الأردن. أصبحت نجم التلفزيون الأردني لأنني كنت أقرأ نشرة الأخبار غيباً وأنظر إلى الجمهور، لكنني لم أستمر طويلاً بسبب الخلاف على الراتب.
• كيف أصبحت وزيراً للإعلام؟
– كان الملك حسين يؤمن بقدراتي في البحث والدراسات باللغة الإنجليزية، خاصة بعد صدور كتابي عن دور الأردن في حرب 1967 الذي نشرته لي جامعة كامبريدج البريطانية العريقة، ولذلك عينني مستشاراً إعلامياً له في الديوان الملكي ورئيساً لدائرة الدراسات والأبحاث وناطقاً رسمياً وعملت بمعيته طيب الله ثراه خمس سنوات.
رجعت إلى لندن بعد أن عينوا شخصاً آخر في وظيفتي، بعد فترة التقيت بالأستاذ ناصر جودة الذي كان قد عين مديراً للتلفزيون في حينه فعرض عليّ العمل في التلفزيون الأردني مجدداً، فاشترطت أن يكون لي برنامج من العيار الثقيل، ووافقوا، واستضفت في هذا البرنامج واسمه أحداث وشخصيات العديد من كبار المسؤولين العالميين أمثال الرئيس الأمريكي جيمي كارتر ووزير الخارجية الأمريكية جيمس بيكر والرئيس السوداني عمر البشير وشمعون بيرس والدكتور عبد السلام المجالي وعدداً كبيراً من الزعماء العرب والعالميين.
بعد ذلك اقترح عليّ الملك حسين إجراء مقابلة مع العقيد معمر القذافي، وأثناء استعدادي لإجراء الحوار عن طريق القمر الاصطناعي، اتصل بي د. عبد السلام المجالي وطلب مني الحضور لرئاسة الوزراء فوراً، وهناك قدموا لي التهاني لأنني عينت وزيراً للإعلام وكان ذلك عام 1997.