بقلم – محمد علي شاحوذ – العراق:
يتصور الطغاة أنفسهم الأقدر على توجيه الناس والأعرف بالصالح العام، والأجدر بقيادة المجتمع، حتى يغدو شعارهم (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)، وهنا أساس المشكلة وعمادها، فالطغاة يرفضون النصيحة ويقلبون الحقائق بما يتوافق مع أهدافهم بالتسلط والتمدد، ولأجل ذلك يرفعون راية الإصلاح والفلاح (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ)، وهم يعتقدون أنهم يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وفي الحقيقة هم يَخْدَعُونَ أَنفُسَهُمْ وما يَشْعُرُونَ.
اليوم صرنا نعاني تُخمة في الطغاة وأشباههم، والطامة الكبرى أنّ التزلف والجهل والنفاق في المجتمع، هو من ساعد في ترسيخ وظهور الفكر القمعي والأنا الظالمة والكِبر والغرور لدى هؤلاء.
والكارثة أن سياسة وفلسفة التسلط الغاشمة المستبدة التي صارت منتشرة في كل المجتمعات الرجعية والمتخلفة، ترى أن ظاهرها الحرص على قضايا الناس ومصالحهم، ولكن باطنها تجهيلهم، واستغلالهم، ومنع كل فكر حر، وكسر أي قلم ناصح، أو ناقد، أو مخالف، وهم يسمحون فقط للأقلام الباطلة والأصوات الفاجرة.
لقد رأينا اليوم بعض الطغاة بصيغة جديدة، مُحدّثة، فلكي يصل الطاغية إلى أهدافه عليه أن يتظاهر بما يجعله مقبولاً عند الناس، فتراه خطيباً، واعظاً، متمكناً، لبقاً، منطقياً، وقد يكون أديباً، شاعراً، عالماً، ولكنه لا يختلف عن أي دكتاتور آخر، فهو يكذب ويخدع ويضلل ويزوّر، وهو يجيد التخفي وإخفاء نواياه الحقيقية باستخدام الشعار الفرعوني (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى)، هذا الشعار الذي صار منهج عمل للكثير من الطغاة الجدد والذين صاروا يقودون مفاصل العمل المختلفة في الدولة، وهم يسعون من خلال هذا الشعار إلى تمرير مخططاتهم التعسفية، وقراراتهم السادية، مستغلين جهل البسطاء والعامة.
لكن الطغاة اليوم، لا يجرؤون على البوح بهذا الشعار المكشوف علناً، فيبقوه حبيس صدورهم وداخل أدمغتهم، ولكنهم يسعون إلي تطبيقه بكل قوة على أرض الواقع باستخدام مفردات ملتوية وخداعة، ظاهرها الحرص على الناس وباطنها السيطرة على العقول والتحكم بالمصائر.
واليوم، حينما يصرُّ أي مسؤول، أو مؤتمن، أيا كانت صفته، رئيس بلد، وزير، مدير عام، رئيس جامعة، قائد معركة، مدير مدرسة، على التفرد بالسلطة، والاستبداد بالرأي، وقمعٍ الأخيار والمصلحين، وكبتِ الحريات، ومع كل هذه العيوب الفاضحة، فإنه يصور نفسهُ الواعظ، الداعية، العارف بكل شيء، صاحب الضمير الحي واليد النظيفة البيضاء، وهو ليس إلا مبتدع، وضال، ومتسلط، ومستبد، وأفاق.
اليوم، صار الكثيرون يتخذون من فرعون قدوة لهم، فهم يعملون بمبدأ (أنا ربكم الأعلى)، صحيح أنهم لا يجرؤون على البوح بها علنا، لكننا نحسها في عقولهم، ونراها في تصرفاتهم، ونلمسها في تفكيرهم المنحرف، وهنا قمة الاستخفاف والاستهتار بعقول الناس.
وهنا وقع الناس بالمحظور فارتكبوا الذنوب، لكونهم اتبعوا الطغاة ورضوا بظلمهم، فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ).
وهنا أقول لكل من كان الظلم رايته، والتسلط منهجه: أن أخرجوا فرعون من رؤوسكم، وعودوا لرشدكم، ولا تكونوا جهلة تدعون لتقديس العقل ولكنكم تخلطوه بالتدنيس وتشغلوه بالتدليس، وأقول للخانعين: لا تكونوا كالإمعة، الذي يقول، أنا مع الناس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت، بل كونوا أحراراً لا تركعوا إلا لله، فالجنة ليس فيها مكان للجبناء والمنافقين.