المنبر الحر

قراءة في الأزمة الفرنسية الحالية

بقلم – يونس شهيم :

تعيش فرنسا حاليا على وقع احتجاجات شعبية عارمة، حيث شهدت العديد من المناطق الفرنسية مظاهرات لم تخل من حالات شغب وتدمير وإحراق من جانب المحتجين، كما عرفت انفلاتا أمنيا في بعض الحالات من جانب الشرطة، حيث سجلت حالة وفاة بمدينة «نانت» راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر، كما تم حرق إحدى السيارات التابعة للشرطة، الشيء الذي أدى إلى إظهار فرنسا في أبشع صورة، فرنسا المتناقضة مع الشعارات التي تقوم عليها الجمهورية الخامسة منذ عهد ديغول إلى الآن، والتي تكمن في مبادئ الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، صورة دفعت بعض النشطاء المغاربة إلى تقاسم بعض صور الحراك الفرنسي المنفلت مقابل صور أخرى تعود لحراك الريف المغربي وكذا حراك حركة عشرين فبراير السلميين محاولين وضع مقارنة بين البلدين مع ترجيح الكفة لصالح المغرب كنموذج للسلمية.

هذا ويرجع محللون أسباب هذه الانتفاضة إلى الرأسمال المعولم، وإلى سياسة ماكرون التقشفية، ثم التعبير عن رفض زيارة ولي العهد السعودي إلى فرنسا. وإن كان السبب الرئيسي، من وجهة نظرنا، يرجع بالأساس إلى السياسة الضريبية التي انتهجتها الدولة، فضلا عن تزامن هذا الحراك مع مظاهرات عمت مجموعة من عواصم العالم ومنها فرنسا للمطالبة بحماية البيئة، كما شهد الوضع الداخلي أيضا انتفاضة عمال الصحة رفضا لغياب شروط العمل الكريم والعلاج، بالإضافة إلى التظاهر ضد قانون العمل الجديد، وتظاهر النساء في 24 نوفمبر2018.

وارتباطا بالسياقين الإقليمي والدولي فإن الأحداث الفرنسية التي تزعمتها حركة «السترات الصفراء» والتي سبقتها حركة «وقوفا في الليل» من قبل ، ما هي سوى نسخ مكررة لحركة «الساخطون» الإسبانية والتي تحولت إلى جوب «بوديموس» بعد ذلك، وحركة سيريزا اليونانية كذلك. في هذا الصدد يقول عالم الاجتماع الفرنسي ألبرت أوجين: إن نظام الديمقراطية التمثيلية سبعون عاما من السلام بعد الحرب العالمية الثانية، تعرض للصدأ بعض الشيء، هذا أمر طبيعي، يوضح أن المواطنين غير راضين عن طريقة حكم حكوماتهم. إنها ظاهرة عامة جدا في أوروبا، توجد أماكن النفور من الأداء الضعيف للنظام التمثيلي أدى إلى ظهور أحزاب تريد ممارسة السلطة اليوم.

وما يعزز هذا الطرح الدعوة الحالية إلى توسيع دائرة الاحتجاجات والحديث عن حراك «السترات الصفراء» ببلجيكا ودول مجاورة أخرى. وفي فرنسا يلاحظ ارتفاع الأصوات المطالبة باستقالة الرئيس ماكرون، ومن جانب الرئيس فإنه لم تسجل أي خطوة تنازلية أو تراجعية حيث أقر ماكرون في خطابه الأخير وأكد على أنه لن يتم التراجع عن قرار رفع الضرائب، الشيء الذي ينذر بمزيد من الاحتقان.

مما تقدم يبدو أن التشكيلة الحكومية هي تشكيلة هجينة وغريبة عن المشهد السياسي الفرنسي، حكومة يصعب معها تحديد طابعها المذهبي وخطها الأيديولوجي، حكومة يصعب التكهن في ظلها، بمستقبل البلد الذي يبقى مفتوحا على كل الاحتمالات ومن بينها احتمال الزج بالبلد إلى حرب أهلية تعيد ذكرى أحداث الحرب الأهلية التي شهدها البلد الجار إسبانيا في عهد الجنرال فرانكو بين سنة 1936 و1939.

كما أنه يمكن القول إن الأزمة الحالية كشفت عن فشل الأحزاب السياسية التقليدية في مواجهة هذه التحولات حتى أن هنالك من اتهم هذه الأحزاب بالتواطؤ مع العولمة الجشعة. فيما تحدث البعض عن إمكانية الخروج من الأزمة باعتماد مقاربة دولية وذلك بعقد اتفاقيات دولية تحث على نوع من الرقابة السياسية على المجال الاقتصادي، وكبح جماح العولمة الرأسمالية إضافة إلى إلغاء جميع الحدود أمام الأشخاص للتنقل والهجرة بكل حرية، إضافة إلى تعزيز مكانة ودور المجتمع المدني ومعه مجموعات الضغط من أجل الدفع بالحكومات إلى تطبيق هذه الحلول.

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X