بقلم : سامي كمال الدين(إعلامي مصري) ..
مع عصر الفضائيات لم يكن من اهتماماتي متابعة القنوات المحلية العربية، كما أنه لا تتواجد هذه القنوات في كل مكان في تركيا، إلا لمن يبحث عنها، بالطبع أحرص على وجود جميع قنوات العالم لأنها مجال عملي، لكن ظل ريموت التلفاز يتوقف طويلاً أمام قناة محلية، وهي تلفزيون قطر، الذي يُضاهي الجزيرة في الصورة والإخراج والتكنيك والأداء.
مذيعيون ومذيعات في أبّهة، ترتدي الكلمة في صياغتها على شفاههم جرساً موسيقياً من نوع خاص، كما في رقي مَلبسهم أيضاً، يبدو أن الفريق الذي خلْف الكلمات وخلْف الكاميرات يمتلك ثقافة ووعياً وفكراً خاصاً، إضافة إلى من يقود هذه المنظومة مثل مايسترو يحرص على تناسق اللحن ودوزنته في كل نغمة.
برامج تلفزيون قطر من البرنامج الصباحي «فَي الضحى» و»جلسة الأعمال» و»حياتنا» و»نبض الاقتصاد»، حتى نشرات الأخبار والتغطيات المُباشرة لمختلف الفعاليات في قطر، والأعمال الدرامية سواء أرطغرل أو الإمام أحمد بن حنبل وكأنها مسطرة، أو كقطار يتخذ طريقه دون أن يضل محطته التالية، كذلك متابعات جولات أمير قطر وزياراته الداخلية والخارجية، من حيث المتابعة والتصوير والإخراج والعرض، كاشفة عن الجهد المبذول والإدارة الناجحة لتلفزيون قطر. ولا أستطيع تناسي التقارير السياسية المصوّرة التي لا تتعدى الدقائق، لكنها تؤرّخ لسنوات وسنوات، وتكشف دور الحصار، ومتابعتها لاغتيال السعودية جمال خاشقجي.
عشرات البرامج التي تشاهدها عبر تلفزيون قطر تقدّم الدين والسياسة والفكر والوعي، لكن كان هناك برنامجان، أولهما برنامج أعاد للغة العربية رونقها، ونبّهنا إلى جماليتها، التي تغيب في زحام التكنولوجيا وغزو اللغات الأخرى، حقق برنامج المسابقات مشاهدات كبيرة، وجعل الشباب يتهافتون على اللغة العربية وآدابها وحصد جوائز البرنامج.. ثم برنامج الحقيقة.
لا أعرف من صاحب فكرة برنامج الحقيقة، لكنه داهية سياسية ومفكّر إستراتيجي من طراز خاص، فلو اكتفت قطر بهذا البرنامج وحده لعرض الحقيقة للشعب القطري، وتعريفه بالتاريخ الدامي لدول الحصار منذ الثمانينيات وحتى الآن لأوفى وكفى.
لقد استطاع هذا البرنامج أن يستضيف الشخصيات السياسية الصانعة لجزء من تاريخ قطر والشاهدة على أحداث جِسام مثل الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وزير الخارجية ورئيس الوزراء الأسبق، والدكتور خالد العطية وزير الخارجية السابق ووزير الدفاع الحالي والشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير الخارجية الحالي، ومئات من الشخصيات السياسية والفكرية والثقافية والصحفية، ليصبح هذا البرنامج كاتيوشا في مواجهة الحصار، ويستعرض للمواطن القطري تاريخاً من التخطيط والمكر ضده والغدر به، ويبيّن للأجيال الجديدة أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها حصارها، ومحاولة الاستيلاء على ماضي وطنها وتاريخه وحاضره.
ثم هو برنامج يُناسب مقدّمه، ومقدّم يناسب برنامجه، فشخصية مقدّم البرنامج لعبت دوراً مؤثراً في تحقيق أهدافه، هدوء دون صخب، والحصول على إجابات لأسئلة عالقة في ذهن المشاهد القطري والعربي، وتلمس الحقيقة بين بواطن التاريخ، ليتجاوز البرنامج مَحليته، ويؤثر عربياً فتجيّش دول الحصار ذبابها الإلكتروني للهجوم عليه، بل ويُهاجِم البرنامجَ وزراء خارجية ومستشارون لولي العهد السعودي مثل سعود القحطاني!، وأنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية لدولة الإمارات.
محمد نويمي الهاجري مُقدّم برنامج الحقيقة تنطبق عليه مقولة محمد حسنين هيكل ”صاحب الحوار الحقيقي هو صاحب السؤال وليس صاحب الجواب“.
وقد أحسن صنعاً وفريق برنامجه في اختيار الأسئلة الواضحة المُباشرة مع الشخصيات التي تولّت مناصب سيادية، وعاصرت مراحل الغدر بهم في تاريخ دول الحصار.
لكم أحس بالحزن على تلفزيون بلدي مُقارنة لما وصل إليه حال التلفزيونات المحلية في بلاد الخليج. بعدد صغير من الموظفين في كل قناة نجد تطوراً تقنياً وذكاءً تكنولوجياً مذهلاً، بينما ماسبيرو به ما يزيد على الـ 50 ألف موظف، ومع ذلك سقط في دوّامة الروتين والواسطة والمحسوبية، وطرد العديد من مواهبه خارجه.. وكأن مصيبتنا في إعلامنا. وقوة قطر في إعلامها سواء في قناة الجزيرة أو تلفزيون قطر.
samykamaleldeen@