واشنطن بوست تؤبن خاشقجي وتعتبر كلماته الأخيرة اختصاراً للمأساة
هل سيستمر قبول القتل والتعذيب والتغييب للأبرياء ثمناً لصفقات السعودية والإمارات؟
الدوحة – الراية :
قالت محررة قسم الآراء العالمية في صحيفة “واشنطن بوست”، كارين عطية، إن “مهمة الصحافي السعودي الراحل جمال خاشقجي لكسرالقمع في المجتمعات العربية ستستمر، وإن كلماته الأخيرة قبل قتله “تعكس القسوة المدمرة التي تم بها خنق الأرواح والأحلام بالقمع والعنف الذي تفرضه الدولة مع الإفلات من العقاب”. واختارت، كارين، زميلة خاشقجي، “(لا أستطيع التنفس) عنوانا لمقالها كتعبير لقوة وتراجيديا كلمات خاشقجي الأخيرة” .
وقالت عطية : إن آخر مقال رأي نشره جمال خاشقجي في صحيفة “واشنطن بوست” بعد وفاته، كان دعوة واضحة وصريحة للحرية الصحافية في العالم العربي، وأشار في مقالته إلى آمال الربيع العربي، وكيف كان الناس “مليئين بالأمل والتوقعات بعالم عربي حر ومشرق”، إلا أن “هذه التوقعات سرعان ما تحطمت” . وأضافت: أن “خاشقجي نطق في الثاني من أكتوبر ثلاث كلمات مأساوية وقوية عندما خنقه أبناء وطنه داخل القنصلية (لا أستطيع التنفس)، ولو كان آخر مقال كتبه خاشقجي في الصحيفة هو دعوة إلى مساحة تنفس لإخوانه العرب، فإن آخر كلماته اليائسة قبل مقتله تمثل القسوة المدمرة التي تم فيها خنق الحياة والأحلام من خلال الاضطهاد والعنف اللذين أشرفت عليهما الدولة ودون خوف من العقاب” .
وتضيف عطية: “قبل أربعة أعوام كانت كلمات (لا أستطيع التنفس) هي الكلمات ذاتها التي نطق بها إريك جارنر عندما خنق بمركز بوليس في نيويورك، وأصبح (هاشتاج لا أستطيع التنفس) جزءا من صرخة التعبئة لحركة (هاشتاج حياة السود مهمة أيضًا) ضد العنصرية الأمريكية ووحشية الشرطة، وأصبح وسم “لا أستطيع التنفس” في الشهر الماضي بعد مقتل خاشقجي وسمًا وصرخة تعبئة باللغة العربية، حيث تمت مشاركة قصص على (تويتر) عن الحياة تحت ثقل الديكتاتورية والرقابة في الشرق الأوسط”.
وأشارت الكاتبة: كان خاشقجي موظفاً داخل المؤسسة السعودية الحاكمة، وظل يتنقل في منفاه بين النخبة والأكاديميين من الجامعات الراقية (آيفي ليج) ومراكز البحث ومع الشخصيات الإعلامية، وكان جارنر ضحية قوة مفرطة مارستها عليه الشرطة، فيما كان خاشقجي ضحية مؤامرة اغتيال دولية أمر بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان”.
وتستدرك عطية بأن “الرعب في القصة هو كيف واجه الاثنان نهايتهما وفي قلب المصير تفاهة الجرم الذي قتلا من أجله، فقد كان جارنر يبيع حبات السجائر، أما خاشقجي فقد ذهب للقنصلية على أمل أنه سيحصل على أوراق لزواجه المرتقب من امرأة تركية، وفي كلتا الحالتين فإن اليأس هو الذي ساد عندما راقبنا إفلات القتلة من العقاب، فرغم وجود شريط فيديو يؤكد حالة جارنر، وتقييم لـ (سي آي إيه) بمقتل خاشقجي يؤكد تورط ولي العهد السعودي، فإنه تم لوم الرجلين: لماذا قاوم جارنر الشرطة ولم يستسلم؟ ولماذا ذهب خاشقجي لقنصلية بلد يعرف أنها تريد إسكاته؟. وتقول عطية: “بعد مقتل خاشقجي كتبت مقالات رأي كثيرة عن الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط، والفساد الذي يتسبب به الأثرياء والأمراء الأقوياء، والغضب على دعم واشنطن للسعودية” .
وتستدرك عطية قائلة: “لكن علينا ألا نفقد البوصلة، ففي العام الأخير من حياته، كان جمال يسعى لجعل حياة الناس العاديين أفضل، وعلينا ألا ننسى رسالته الحقيقية، وهي أن حياة العرب مهمة، فعبر الحلم وقوله إن السعوديين يستحقون شيئا أفضل من قمع ابن سلمان كان خاشقجي يقول إن حياة السعوديين مهمة، ومن خلال الكتابة عن ناشطات الإصلاح كان يقول إن حياة المرأة مهمة، وعبر مناشدته بنهاية حرب اليمن كان يقول إن حياة اليمنيين مهمة فهل استمع العالم ؟، وتنوه الكاتبة إلى أن “مجلة (تايم) كرمته كونه واحدًا من (حراس الحقيقة) شخصية لعام 2018، وكان هذا اعترافا بعمل ومهمة خاشقجي، ولكل خاشقجي هناك مئات من الناس في العالم العربي ممن تدمرت حياتهم، لكننا لم نعرف عن أسمائهم وحياتهم” .
وتتساءل عطية: “هل سنواصل القبول بالقتل والتعذيب والتغييب القسري للأبرياء ثمنا لاستمرار الصفقات مع حكومات السعودية والإمارات؟ وهل سنتسامح مع قادتنا وهم يساعدون الأنظمة القمعية والفاسدة للتستر على مقتل الصحافيين وسجن الناشطات؟ وهل يجب وزن الحياة الإنسانية بثمن السلاح وبراميل النفط؟ وهل سيواصل صناع السياسة والمؤسسات والإعلام تجاهل الأصوات والآراء القادمة من الشعوب العربية عند صياغة المواقف والسياسات المتعلقة بالمنطقة؟ أم إننا سنقوم برفعهم ووضعهم بمركز القصص والتقارير؟” .
وتختم الكاتبة: “ خاشقجي واجه نهايته القاسية، لكن مهمته لكسر قيد الاضطهاد على المجتمعات العربية ستستمر بعده؛ لأن حياة الناس السود والملونين والعرب مهمة” .