بقلم : دحمور منصور..

فلنكن صرحاء.. مع أنفسنا، ومع شعوبنا العربية التي باتت تتلوى على فراش القهر والحرمان، إن العالم العربي اليوم بكل ما يحمله من أطياف وطوائف، العالم العربي كرقعة جغرافية لا كجغرافيا الأفكار أصبح يعي كل شيء في نفس الوقت الذي صار فيه لا يعي شيئاً، إن إلقاء نظرة بسيطة على مشروع الغزو التراكمي للأفكار والثقافات من طرف الإدارة الغربية ومن طرف مخابر الأفكار بوجه خاص يعطينا الصورة التامة عما نعانيه داخل أوطاننا من الهروب من واقع ومن حولنا إلى واقع آخر هو الجهل فبما نحن فيه من عدم معرفة المعركة الخاسرة التي نخوضها ضد نهاية التاريخ التي يقصد بها الغرب اليوم نهاية تاريخنا كمسلمين بالدرجة الأولى ونهاية تاريخ العالم العربي كبشر لا كجغرافيا.

للأسف لن يفهم كلامي هذا إلا نخب موسومة بالأيديولوجيا رغم أنني أتمنى أن تفهمني الشعوب العربية البسيطة، ففي الوقت الراهن وأمام كل الاستفزازات الغربية للعالم العربي بالخصوص وأقصد بالعالم العربي شعوبه التي باتت تجهل صلة رحمها وتنبذ أسماء أجدادها، أضحى هذا العالم بين نخبتين اثنتين:

نخبة تنظر إلى الماضي السحيق بكل ما يحمله من أمجاد فهي تعيش على وقع الحنين إليه وليست منه في شيء، ونخبة تنظر إلى مستقبل تصنعه فلسفات الحداثة وما بعدها بكل ما تحمله من آمال وآلام فهي تعيش على وقع التمني مغيبة عن الواقع.

إن الحديث عن الذهنية العربية هو في حقيقة الواقع حديث عن التغييب والتغريب، فلم يعد للإنسان العربي كإنسان مبدأ يعرف به الحق من الباطل في عالم اكتظ بالمعلومات المؤقتة التي لا تعيش إلا مجرد يوم واحد ثم لا تعود، بينما غابت عنا تلك المعاني الأبدية للحرية والعدالة والحقيقة والوحدة والقوة والعلم بل وغاب عنا حتى معنى بيت المقدس والقضية الفلسطينية وبورما والجولان وقبرص واليمن وليبيا وغيرها من القضايا التي لا نفعل لها سوى شيء واحد صار فعلاً شرطياً مؤقتاً لا يعيش إلا يوماً واحداً فقط.

تخرج الشعوب العربية في مظاهرات عارمة منددة بصفقة القرن ولكنها سرعان ما تعود بعد يوم واحد فقط لتصير القضية مجرد نشوة عابرة، هكذا تغيرت الذهنية العربية من الحقيقة إلى الكذب والادعاء، ولم يعد للعقل العربي استيعاب لما يصير في مخابر الفكر الغربية، في مخابر الإعلام والتخطيط الاستعماري للذهنيات، صار العربي لا يؤمن أنه يتحرك بلا وعي من طرف المخابر الغربية، وهكذا صار العقل العربي والمسلم ولو أننا سنكون مجحفين في حق المسلمين غير العرب إذا جمعناهم في «لفّة» واحدة دون أن يفهم من ذلك أننا متحاملون على بني جلدتنا.

صار العقل المسلم والعربي لا يستوعب وجود إمبريالية ثقافية تعمل على فتح بوابة الاستعمار الجديد، وهو الاستعمار الذاتي الذي يعمل على غلق الآذان عن الحقائق، بالتالي يكون فيه الإعلام هو الثقافة الوحيدة الموجودة في عالمنا بعبارة أخرى صناعة ثقافة موجهة لبرمجة العقل العربي على الأمراض النفسية لتكون أمراضاً اجتماعية وهذا ما لا يعرفه حتى البعض من النخب العربية، بالتالي صناعة الوسواس القهري الجماعي، والاكتئاب الجماعي، وغير ذلك من الأمراض التي تفشت داخل المجتمعات العربية والتي بدورها خلقت حالة من الركود التام والتغييب عن الذات والغير، إلى درجة أن وصلنا إلى نقطة فقدان الثقة الجماعية التي نتج عنها السكوت عن الكثير من المشاريع الاستعمارية المعاصرة دون أن تحرك الشعوب العربية ساكناً، بل وصل الأمر إلى أن تكون القضية الوحيدة التي تجمع الشعوب العربية تفقد القيمة الدينية التاريخية الاجتماعية، فرأينا بكل بساطة وبرودة سكوت العالم العربي ككل عن صفقة القرن وكأن شيئاً لم يكن.