كيف اسـتخدم السيســي القضاء لمحاربـة ثورة يناير؟

الرياض – وكالات:
في الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير 2011، يقف المصريون أمام مفارقة قضائية لافتة؛ ففي الوقت الذي يتقاطر فيه رموز الثورة على السجون، تتواصل أحكام البراءة لرموز نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، الذي قامت عليه الثورة. قبل ثماني سنوات، خرج المصريون إلى الشوارع مطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، لكنهم طالبوا أيضاً بمحاسبة من أفسدوا الحياة السياسية في مصر على مدار عشرات السنين، ومن «نهبوا» المال العام، وتسببوا في إفقار المصريين. عوّل المصريون على القضاء لتنفيذ مطالب الثورة، لكن الثورة لم تؤسس لمحاكم ثوريّة أو استثنائية، وبالفعل شاهد المصريون مبارك ونجليه علاء وجمال مع رموز النظام خلف القضبان وفي ساحات المحاكم، ينتقلون من قضية إلى أخرى، ويتوافد الشهود لإدانة النظام ورموزه، لكن مع مرور الوقت، بدت المحاكمات أقرب إلى امتصاص غضب الشارع منها إلى الوصول إلى إدانة حقيقيّة. وبعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 حدثت الهجرة العكسية لرموز مبارك من داخل السجون إلى خارجها، ليتوّج المشهد بالقاضي وهو يحكم ببراءة قيادات الشرطة المتهمة بقتل المتظاهرين، ويختتم بقوله «عودوا إلى مقاعدكم».
قانون التصالح
لم يعمل القضاء بمعزل عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في إدانة الثورة وتبرئة رموز مبارك، بل جاء «قانون التصالح» ليمثل أحد أشكال تدخل السلطة؛ فقبل انعقاد البرلمان في 2015 أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً جمهورياً بتعديل المادة «18 مكرر ب» من قانون الإجراءات الجنائية، ليفتح بهذا الباب أمام التصالح مع رموز النظام المتهمة في قضايا فساد مالي وإداري، بمقابل مادي يتحدد بواسطة جهاز الكسب غير المشروع التابع لوزارة العدل. وبإصدار القانون برّأ السيسي ساحة رموز نظام مبارك، مثل رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف المدان في قضايا إهدار المال العام، وعاد لوظيفته أستاذاً جامعياً. ورجل الأعمال أحمد عز الذي دفع ملياراً وسبعمئة ألف جنيه (الدولار نحو 18 جنيهاً) في قضية تراخيص الحديد مقابل براءته. ورجل الأعمال حسين سالم الذي تنازل عن 75% من ثروته مقابل البراءة. كما ينتظر وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي جلسة في السابع من فبراير القادم للنطق بالحكم فى إعادة محاكمته وعشرة موظفين بالوزارة لاتهامهم بالاستيلاء على أكثر من 2 مليار جنيه. القانون يعد أحد أشكال الفساد المقنن الذي وضعته الدولة لتحصيل أموال مقابل التنازل عن الجريمة التي ارتكبها وعن العقوبة المقرّرة له، أي أنه بمثابة بوابة خلفية لتهريب المتهم من أجل العقوبة مقابل قدر من المال تأخذه الدولة، وهو ما يعد جريمة في حد ذاتها، في الوقت الذي يعد قانون العقوبات في الأساس جزءاً من أجزاء تحقيق العدالة بتطبيق العقوبة على من يرتكب الجريمة، بحسب ما قالته فوزية عبد الستار، أستاذة القانون الجنائي للجزيرة نت. وتقول عبد الستار إن تحوّل الجريمة إلى بيع وشراء أمر غير وارد في منظومة العدالة، وهو بمثابة تكريس للفساد، ويساعد على زيادة الجريمة، بأن يحمل أي شخص له سلطة على ارتكاب الجريمة غير خائف من العقوبة، لأنه يضمن دفع أموال في مقابل هذا، بينما لا يتم تطبيق القانون إلا على الضعفاء ومن لا حيلة له.
قوانين الإرهاب
في مقابل سعي النظام المصري خلال الأعوام الأخيرة إلى محاصرة رموز ثورة يناير؛ أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2015 قانون «الكيانات الإرهابية»، الذي وضع الكثير من النشطاء من ثورة 25 يناير ضمن قوائم الإرهاب. القانون أثار حالة من الغضب والجدل، لا سيما مع تجريم العديد من الشخصيات العامة، مثل لاعب الكرة المصري محمد أبو تريكة، وعشرات الرموز السياسية والدينيّة.
مفارقة
رغم أحكام البراءة المتتالية لرموز مبارك، سواء بمبادرة من القضاء أو عبر القوانين التي أصدرها السيسي، يتقاطر رموز ثورة يناير على السجون حالياً، في حين يقبع وراء القضبان الكثير من نشطاء ثورة يناير، مثل: علاء عبد الفتاح ومحمد عادل وأحمد دومة وغيرهم، بالإضافة إلى القيادات السياسيّة والحزبية في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي. هذه المفارقة دفعت العديد من المنظمات الحقوقيّة الدوليّة، مثل منظمة العفو الدولية وهيومان رايس ووتش، إلى إصدار تقارير تؤكّد غياب العدالة وزيادة القمع منذ تولي السيسي الحكم عام 2014، حيث وصل عدد المعتقلين السياسيين – بحسب تقرير لهيومان رايس ووتش – إلى ستين ألف معتقل، الأمر الذي نفاه الرئيس المصري مؤخراً في حوار تلفزيوني له على قناة «سي بي أس» (CBS) الأمريكية، مؤكداً طوال الوقت استقلال القضاء ووجود نظام عدالة مستقل في مصر. وتقول حركتا «استقلال القضاء» و «قضاة معارضون لتسييس القضاء» إن السلطة تستخدم عدداً محدوداً من القضاة لتنفيذ أهدافها، عبر تخصيص دوائر ومحاكم بعينها للقضايا السياسيّة، وهو النهج المتبع منذ عصر مبارك، مؤكدين أن النسبة الكبرى من القضاة يرفضون تدخل السلطة في عملهم أو استخدام القضاء كأداة في الصراع السياسي. غير أن السيسي لم يكتف بنهج مبارك في استخدام القضاء، بل صادق في أبريل 2017 على قانون مثير للجدل أثار غضب عموم القضاة، لأنه يمنح السيسي حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية، وهو ما رفضه نادي القضاة، واعتبره مخالفاً للدستور المصري، الذي حدد الاختيار بالأقدمية لضمان استقلال القضاء بعيداً عن قبضة السلطة.