بقلم : أحمد ذيبان (كاتب وصحفي أردني) ..
تجدّد الضربات الجوية الإسرائيلية لمواقع عسكرية ومنشآت حيوية داخل سوريا، يُعيد طرح الأسئلة عن مزاعم النظام واحتفائه، بما يُسميه الانتصار على «مؤامرة كونية»! وتصفيق مؤيديه من النخب السياسية العربية لهذه «الانتصارات»، التي هزمت «مؤامرة» استهدفت دور النظام، باعتباره رأس حربة في «محور المقاومة»! وأكثر من ذلك، يُثير إعلام النظام ومؤيديه ضجيجاً، حول بعض التحركات السياسية والدبلوماسية العربية، بشأن إمكانية عودته للجامعة العربية، ويعتبر أن ذلك اعتراف بـ «انتصاره»، وأن العرب الذين قاطعوه عادوا إلى دمشق «صاغرين مهزومين» يطلبون الصفح!
انتصار بطعم العلقم، على شعبه بدعم خارجي! كان حصاده مقتل مئات الآلاف وجرح أضعاف هؤلاء، أو التسبب لهم بإعاقات ومآسٍ اجتماعية، وتشريد أكثر من عشرة ملايين سوري في مخيمات بائسة، يعيشون فيها بظروف بالغة القسوة، ويموت يومياً العديد من الأطفال والمرضى والمسنين، بسبب البرد والأمراض ونقص الخدمات، كما حدث مؤخراً في «مخيم الركبان» على الحدود الأردنية، حيث تُوفي 15 طفلاً بسبب البرد!
وكان من تداعيات الأزمة أن زاد النظام من مُمارساته القمعية، فامتلأت السجون بآلاف الأشخاص، يتعرضون لمختلف صنوف التعذيب، ومات منهم الكثيرون، فضلاً عن تخريب منهجي للمجتمع السوري وتدمير بنيته التحتية، فحتى لو انتصر عسكرياً، كيف له أن «يتفاخر» بالعودة إلى نقطة الصفر، بالاستمرار في حكم شعب سبب له كارثة بهذا الحجم، ربما لم يحدث مثلها لو ضرب البلاد زلزال بقوة «8 درجات» على مقياس ريخيتر!
لكن هذا التبجّح بتحقيق الانتصارات يقف عاجزاً، أمام أسئلة تتكرّر عن عدم مُواجهة الغارات الصهيونيّة المُتواصلة، التي تجاوز عددها «300» غارة خلال بضع سنوات، كان أحدثها سلسلة ضربات نفذت الأسبوع الماضي!
كان النظام السوري قبل اشتعال الحرب الأهلية، يقول إنه سيردّ في» الوقت المناسب»، وأصبحت هذه العبارة مادة للتندر! لكنه طوّرها بصيغة إصدار بيانات عن تصديه للطائرات والصواريخ الإسرائيلية وإسقاط بعضها!
الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية ليست الوحيدة، فقد تحوّلت البلاد إلى أرض مُستباحة، ومنذ انطلاق الانتفاضة الشعبية عام 2011 للمطالبة بالحريات وإصلاحات سياسية فقدت البلاد سيادتها، وغرقت بتدخلات دولية وإقليمية، ربما لم تتعرض لها دولة من قبل، فاستعان النظام بعددٍ من القوى الخارجية لحمايته، على رأسها روسيا التي لها حساباتها «الجيو- سياسية»، فسوريا الدولة الوحيدة في المنطقة التي يوجد لروسيا قواعد عسكرية فيها، وبذلك تحوّلت الأزمة السورية إلى ورقة مهمة تستخدمها موسكو، في تجاذباتها مع واشنطن ودول الغرب الكبيرة، فيما يُشبه نسخة ناعمة عن «الحرب الباردة»، والدولة الأخرى التي استنجد بها النّظام إيران ومن خلفها حزب الله!
ومقابل ذلك أصبح الباب مفتوحاً لعشرات التنظيمات المسلحة، بالإضافة إلى تدخل مقابل، من خلال الحلف الذي تقوده الولايات المتحدة، ويضم أكثر من «60 « دولة، وإنشاء أمريكا ودول أخرى قواعد عسكرية داخل الأراضي السورية، وبالنتيجة «اختلط الحابل بالنابل»، والضحية هو الشعب السوري!
تعقد اجتماعات على مستوى القمم والوزراء والخبراء، وتجرى مفاوضات ومساومات تتعلق بمستقبل سوريا، وأبرز الأطراف الفاعلة فيها «روسيا وتركيا وإيران»، ثم أمريكا المعنية بحماية الأكراد، لكن النظام غائب عن هذه التحركات، والحقائق تؤكّد أن صاحب القرار الأوّل، بشأن تطورات الأزمة السورية هو الرئيس الروسي بوتين، إلى درجة أن وزارة الدفاع الروسية أصدرت من موسكو، بياناً عن نتائج الغارات الإسرائيلية الأخيرة على سوريا، وبضمنها مقتل عدد من الجنود السوريين!
ثمة تنسيق فيما يُشبه «الحبل السري» بين موسكو وتل أبيب، بشأن الغارات الإسرائيلية، وأبرز المؤشرات زيارات نتنياهو ووفود عسكرية إلى موسكو!. وعليه فهي غير معنية بمُساعدة النظام في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية، رغم أنها تمتلك قاعدة «الحميميم»، المزوّدة بأحدث الطائرات وصواريخ «إس «400» المضادة للطائرات والصواريخ!
ثم أين هي صواريخ «إس 300» الحديثة التي زوّدت بها سوريا، أليس هذا وقت استخدامها؟ الواضح أنّ القرار بيد الروس، وأن هناك توافقاً بين موسكو وتل أبيب على إبقائها مجرّد ديكور!