منظمات حقوقية تهاجم السعودية وتندد بإحالة ناشطات للمحاكمة
تصريح النيابة العامة إشارة مروعة على تصعيد السلطات لشن حملة قمع ضد النشطاء
الرياض لم تفعل شيئاً للتحقيق في مزاعم خطيرة بممارسة التعذيب ضد الناشطات
السلطات السعودية تصمت عن الجلادين وتحاكم النساء لمجرد أنهن ناشطات في مجال حقوق المرأة
نددت عدة منظمات حقوقية، بقرار السعودية محاكمة ناشطين بينهم نساء تم اعتقالهن قبل عام تقريباً دون توجيه الاتهام إليهم، وما زالت هذه القضية الإنسانية تتفاعل محليا وإقليميا ودوليا لاسيما أن الناشطات على وجه الخصوص قد تعرضن إلى شتى أنواع التنكيل على يد عناصر من الدائرة المقربة من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وأعلن مكتب النائب العام السعودي، انتهاء التحقيق حول هؤلاء وبينهن نساء ربما تعرضن للتعذيب والتحرش الجنسي أثناء احتجازهن. وأضاف المكتب أنه ستتم إحالة النشطاء للمحاكمة دون أن يحدد عددهم أو تهمتهم أو تاريخ المحاكمة. وقال مايكل بايج، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” إن الرياض لم تفعل شيئا للتحقيق بمزاعم خطيرة بممارسة التعذيب. وأضاف: إنهم النشطاء في مجال حقوق المرأة، وليس الجلادين، الذين توجه إليهم التهم ويُحاكمون.
وكما يبدو أن بيان النيابة العامة السعودية قد جاء في أعقاب الحملة الإعلامية التي نظمتها عائلة المعتقلة لجين الهذلول على خلفية تعذيبها وضربها والتحرش بها، والتهديد باغتصابها في سجن ذهبان بمدينة جدة على يد المستشار السابق لولي العهد سعود القحطاني، حيث كتب شقيقها وشقيقتها عددًا من المقالات في الصحف الغربية. وكانت قد تسربت أنباء أخرى عن تعرض المعتقلة في ذات القضية إيمان النفجان للتحرش الجنسي والضرب والتهديد بالقتل.
قالت الجمعية الفرانكفونية لحقوق الإنسان إن إعلان النيابة انتهاء التحقيقات مع عدد من معتقلي الرأي في البلاد، يثير شكوكا ومخاوف حول ظروف الاعتقال والتحقيق التي أدت إلى اعتراف النشطاء بالتهم المنسوبة إليهم، وفق ما ورد في بيان النيابة السعودية. وعلى إثر ذلك، أطلقت الجمعية الفرانكفونية دعوة للسلطات السعودية بالإفراج الفوري عن المعتقلين والسماح لمراقبين دوليين بالوصول لهم؛ وعددهم 17 ناشطا وناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة؛ من بينهم لجين الهذلول وإيمان النفجان وعزيزة يوسف. واتهمت السلطات السعودية النشطاء بـ”الإضرار بمصالح المملكة العليا، وتقديم الدعم المالي والمعنوي لعناصر معادية في الخارج”، فيما اتهمتهم وسائل إعلام موالية للحكومة بأنهم “خونة” و”عملاء للسفارات” ورأت الجمعية الفرانكفونية أن الاتهامات للناشطين والناشطات فضفاضة ومستهجنة، علاوة على أن الاعتقالات التعسفية، وما رافقها من حملة منظمة لتشويه سمعة المعتقلين وتخوينهم، تنذر جميعها بأحكام قاسية ضد النشطاء الـ 17؛ حالهم كحال المئات من معتقلي الرأي في السجون السعودية. ودعت الجمعية، المجتمع الدولي للقيام بدوره للتأكد من احترام السلطات السعودية للالتزامات الواقعة عليها بموجب مصادقتها على مواثيق حقوق الإنسان، وبموجب الأحكام الدولية العرفية ذات الصلة بحقوق الإنسان وحظر التعذيب والاعتقال التعسفي.
مخاوف حيال مصير معتقلي الرأي
علق وليد الهذلول، شقيق المعتقلة الحقوقية لجين الهذلول، على بيان النيابة العامة السعودية، الذي زعم عدم تعرض المعتقلين لسوء المعاملة. وقال الهذلول في حسابه عبر “تويتر”: بناء على البيان الذي صدر من النيابة العامة، يمكن أن نعرف نتائج التحقيق في التعذيب قبل أن يتم تحويل المعتقلات إلى المحاكمة؟. وتساءل: أليس أنتم من تحدثتم عن أنكم ستحققون في دعاوى التعذيب؟ ثم رد مجيبا على تساؤله: لم يحقق أحد مع لجين بخصوص التعذيب. وأضاف وليد : إن كان هنالك اعتراف، فهو اعتراف تحت التعذيب. بدورها، شككت علياء الهذلول، شقيقة لجين، ببيان النيابة العامة، لافتة إلى أنه في تاريخ 17 رمضان 1439، تعرضت لجين إلى أبشع أنواع التعذيب. وأضافت أن شقيقتها كانت تعتقد أنها لن تعيش يوما آخر في هذه الدنيا. وأكدت علياء أن كل شيء وقّعت عليه لجين كان تحت التعذيب والتهديد بالقتل. ولم يسمح لها إطلاقا بتوكيل محام.
وكان وليد الهذلول الذي يعيش في كندا، قد كتب مقالا لـCNN في وقت سابق قال فيه: بعد شهر واحد من حبسها، اتصلت بي لجين من رقم محجوب. أخبرتني أنها محبوسة في فندق في جدة، وليس في سجن رسمي.. خلال المحادثة، قالت لجين: حين أصبح حرة، سأساعدك حتى تجد فتاة أحلامك. قلت لها: دعينا نركز على إخراجك من هناك، وبعد ذلك سنفكر في الحب والرومانسية. لجين تمتلك قلبا كبيرا، وكانت تهتم بالآخرين أكثر من اهتمامها بنفسها. في ذلك الوقت، لم نكن نعلم أنها تخضع للتعذيب المستمر والدائم. ومع كل الألم الذي كانت تعاني منه، جسديا ونفسيا، كانت تفكر بالآخرين.
شقيق لجين ينتقد بيان النيابة ويذكّر بتعذيبها
نشرت وكالة “بلومبيرج” الأمريكية تقريرا تطرقت فيه إلى لائحة الاتهام التي وجهتها النيابة العامة السعودية إلى الناشطات المعتقلات في السجون. وقالت الوكالة إن احتجاز معتقلات الرأي أصبح رمزا لحملة القمع السياسي التي يقودها محمد بن سلمان، الذي اعتقل العشرات من النقاد المحليين -الليبرالي والمحافظ- بمن فيهم رجال الدين ورجال الأعمال والأكاديميون. وقالت الوكالة إن حبس الناشطات ووصفهم بـ “الخونة” شكل صدمة للنخبة السعودية. وسيُحال ناشطون سعوديون في مجال حقوق المرأة معتقلون منذ نحو عام إثر موجة قمع استهدفت الحقوقيين، على القضاء، بحسب ما أوردت وسائل إعلام حكومية سعودية. وكان تم توقيف عشرة ناشطين من النساء والرجال، في السعودية في مايو 2018 قبيل الرفع التاريخي للحظر على قيادة السعوديات السيارة في يونيو من العام ذاته. واتهم معظمهم بالخيانة وضرب استقرار المملكة. وأفرج عن بعضهم لاحقا. ونقلت وكالة الأنباء السعودية بلاغا قصيرا للنيابة العامة جاء فيه: إن النيابة العامة تود الإيضاح أنها انتهت من تحقيقاتها ومن إعداد لوائح الدعوى العامة ضد المتهمين (..)، وهي حاليا بصدد إحالتهم للمحكمة المختصة. ولم تورد النيابة أسماء المتهمين ولم تعلن تاريخا بشأن بدء محاكمتهم.
بلومبيرج: وصف الناشطات بـ «الخيانة» صدمة للنخبة السعودية
تم اعتقال الناشطين من رجال ونساء، في مايو 2018 ، قبيل إلغاء حظر قيادة المرأة للسيارة في الشهر التالي. واتهم معظمهم بالخيانة وتقويض استقرار المملكة، وبدورها، اعتبرت منظمة العفو الدولية تصريح النيابة بأنه إشارة مروعة على تصعيد السلطات لحملة قمع ضد نشطاء حقوق الإنسان. وأشارت إلى مخاطر إحالة النشطاء للمحاكمة بمن فيهم النساء الرائدات في العمل لحقوق المرأة، مؤكدة أنها تطالب بالإفراج الفوري عن سجناء الرأي. لكن إعلان النيابة العامة أثار تكهنات حول إمكانية الإفراج عن هؤلاء تحت غطاء عملية قضائية بعد الانتقادات الشديدة ضد سياسة القمع التي يتبعها ولي العهد السعودي. وبين أولئك الذين ما زالوا محتجزين، عزيزة اليوسف، البروفيسورة المتقاعدة في جامعة الملك سعود في الرياض، والناشطة لجين الهذلول. وقد تكون الهذلول أحدى اللواتي تعرضن للتحرش الجنسي والتعذيب أثناء الاستجواب، وفقاً لأسرتها وجماعات حقوق الإنسان.
انتقادات واسعة لسياسة ابن سلمان القمعية
50 منظمة حقوقية تطالب المجتمع الدولي بالإفراج عن الناشطين
بعثت أكثر من خمسين منظمة حقوقية، على رأسها منظمة العفو الدولية، رسالة إلى أكثر من ثلاثين وزيرا للخارجية لمناشدة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لاتخاذ قرار في الدورة الأربعين لمجلس حقوق الإنسان يدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عن الناشطات والناشطين الحقوقيين المعتقلين، إضافة إلى إنشاء آلية مراقبة حول انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة. وقال الموقعون في الرسالة: نشعر بقلق بالغ إزاء تقارير التعذيب وإساءة المعاملة للمدافعين والمدافعات عن حقوق النساء المحتجزين والمحتجزات في السعودية. وقد سُجنوا منذ منتصف عام 2018 بسبب حملاتهم السلمية من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق النساء.
وجاء في الرسالة أيضا أن التقارير الأخيرة تظهر أن بعض الناشطات المعتقلات تعرضن للصدمات الكهربائية والجلد وتلقين تهديدات بالعنف الجنسي، وغيرها من أشكال التعذيب الأخرى. وتشير الشهادات إلى أن هذه الإساءة قد تركت بعض النساء غير قادرات على المشي أو الوقوف بشكل سليم. ورحبت الرسالة بقرار بعض الدول، بما في ذلك الدنمارك وفنلندا وألمانيا وهولندا والنرويج وسويسرا، بوقف صفقات الأسلحة مع السعودية، وجاء فيها: لقد طالبت بعض منظماتنا بوقف مبيعات الأسلحة بسبب وجود مخاطرة حقيقية باستخدامها في ارتكاب جرائم بموجب القانون الدولي، وغيرها من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في اليمن. وناشدت جميع الدول لوقف تصدير الأسلحة إلى السعودية.