
بقلم : عبدالحكيم عامر ذياب (كاتب فلسطيني) ..
اعتذرت الجبهة الشعبية والديموقراطية عن تشكيل الحكومة التي عزمت السلطة الوطنية الفلسطينية تشكيلها، وبات واضحاً أن خطواتها مُتعثّرة، بحجة عدم التحاور مع حركة حماس، لكنهم لم يلتفتوا أن دعوتهم لتشكيلها هي نيّة مُبيّتة أن تكون حكومة فصائلية وتوافقية.
حزب الشعب أيضاً لم يُبد استعداده تجاه المُشاركة في الحكومة بعد مُشاورته، رغم تردّده، بعد أن طرحت عليه حركة فتح الأمر، وقالوا إن رئيس الوزراء الفلسطيني يُجري مُباحثاته مع كل فصيل على حدة، ما يدعونا للتفكير أننا لسنا أمام حوار وطني!.
لكن الحقيقة أنه ارتباط رفضه برفض الجبهتين للأمر، ما يؤكد أننا لسنا أمام حكومة توافق وطني بسبب عدم تعاون الفصائل، وليس كما أُشيع أن حركة فتح هي المُتسبّبة في تشكيل حكومة فتحاوية بامتياز ولأنها أيضاً أكبر فصيل من فصائل منظمة التحرير، أو أننا أمام حكومة مُستقلين، وهنا نستطيع أن نقول إن موقف الفصائل هو الذي رسم شكل خريطة الحكومة الجديدة.
وحين تُشكِّل السلطة الوطنية الفلسطينية حكومة مُستقلين وكفاءات وطنية يضعنا العالم تحت عينه ليقول إن الفصائل ليست كفاءات، ولا تتبّع مصلحة الوطن، وأعتقد أنهم هنا يظلمون كل المُناضلين والمُفكّرين الذي اصطفوا حسب وجهات أيديولوجية خلف فصيل، أو حزب، وهذا لا يعكس أبداً الحقيقة، لكن الفصائل عمّمت طبيعة الصورة التي تنقل مُساهمتهم في إدارة تلك الأحزاب على مبدأ الولاء للحزب، وليس للكفاءة، وبذلك ظلمت العقول، ليبرز دور مسؤولية الحزب لبقائه أكثر من أن يُحافظ على ثوابت أكبر منه.
ربما في وضعنا الحالي من المُبكّر الحديث عن حكومة مُستقلين لأن أمرنا يخضع لسيطرة احتلال، لم نعرف بعد أن نخرُج من كيده وظلمة واستبداده.
ولأن أيضاً في حالتنا الفلسطينية يجب أن تتشكّل حكومة تعكس حالة الكفاح الوطني لتعزيز الصمود وإدارة الموارد الشحيحة، بما لا يتماشى مع ما تريده إسرائيل، أو تفرضه من مبدأ الحصار، أو إدخال المواد، أو المفاوضات، أو حتى رفاهية الشعب، وكل ذلك يجب أن يخضع لما يريده الشعب أكثر مما تريده الفصائل، وبالتالي أية حكومة يجب أن تتشكّل في هذه الظروف، عليها أن تكون حكومة فصائلية مع مُراعاة الاختصاص، والكفاءات، خاصة أن كل المؤسسات والنقابات تقودها الفصائل، وهذه حالتنا الفلسطينية بواقعها الحقيقي، لذا على الحكومة أن تكون من الشعب وإلى الشعب.
وبين الأمنيات الجميلة أن ينتهي الانقسام، وبين الطموح لإصلاح الحال الفلسطيني وترميمه عبر تقريب وجهات النظر، وأن تسعى فتح وحماس لتخطي كل العقبات، والخضوع لمبدأ حماية الوطن والشعب وإنهاء الانقسام، والواقع الذي يفصلنا عن ذلك مسافة طويلة لا تقرّبها الإشادة بالفصائل، ولا الحديث المُنمّق عن أطراف تتحمّل الجزء الأكبر مما نحن عليه الآن. صحيح أن الاحتلال ليس بريئاً من إيصال الحالة الفلسطينية إلى هذا المستوى المتردي، حد إقناع الشباب بالهجرة، وإفقاد الناس الأمل بكل شيء، من شأنه إنجاح المُبادرات للإصلاح، لكن الفصائل أظهرت عجزاً واضحاً في إدارتها للوضع الداخلي ولقدرتها على بناء نظام سياسيّ يرقى إلى مستوى الأنظمة الحضارية وكذلك على مستوى بناء المؤسسات، بل كانت الأسوأ على مستوى مُلاحقة الناس وكبت حُريّاتهم وطرق مُحاكماتهم، وعقابهم وسجنهم على الاختلاف في الرأي، فكل هذا تتحمّله الفصائل، وتتحمّله حماس في غزة، عدا عن محاولات إسرائيل الدائمة للتفنّن في إفشال كل جهد فلسطيني، وإيقافه، بل وإضعافه، لتُبقي مفاتيح اللعبة بين يديها وتحت سيطرتها.
فقد ضرب الاحتلال عبر سنوات المشروع الوطني بكل السبل، منذ انطلقت الثورة في بيروت إلى أن حُوصرت غزة لأكثر من 12عاماً وتوزيع المستوطنات على حدود وعمق الضفة الغربية.
وكلها كانت ضربات سياسية قاسية أفقدت الفلسطينيين توازنهم ومهّدت الطريق لانقسامهم بلا رجعة، لكن ما يُوجعنا أكثر أننا انسقنا كفلسطينيين في الوجهة التي أرادت لنا إسرائيل أن نتجه إليها، وكل ذلك أيضاً يَعدِم كل نيّة وطنية وإيجابية لتشكيل حكومة بإمكانها أن تحمل ألهم الفلسطيني كجهة مسؤولة عن كل الشعب في الضفة وغزة والشتات، ما استدعى لها أن تكون بلا قيمة حتى أمام المواطنين، مُقارنة بزمن الشهيد الرئيس ياسر عرفات.
القول الفصل، أننا نريد حكومة وطنية فصائلية بامتياز، لكن هذا التوجه للأسف أصبح غير مأمول به بسبب موقف الفصائل، ولا تحظى برعايتهم، وهنا تكمن مُشكلة أن الحكومة في واد، والفصائل الفلسطينية في واد آخر، وعدم التوافق هذا يُبقينا على خيار حكومة التوافق الفلسطينية، وإن لم يكن الرضا عنها كبيراً، إلا أن وجودها في هذا الوضع السياسي السيئ أفضل من أن نصنع حكومة نرجمها إلى الأبد ونزيد من فجوة العلاقات الداخلية بيننا دون مبرّرات !.