المنتدى

غرق في الفساد

بقلم : توجان فيصل (كاتبة أردنية) ..

وفد أردني طويل عريض (نشر أنه بحدود 200 شخص) توجّه للندن، لإقناع حضور مؤتمر لندن بمساعدة الأردن، والأهم أن يسمح له بمزيد من الاقتراض! و»الإقناع» لم يتوفر حتماً، وما توفر هو نية مسبقة لبريطانيا بشكل رئيس بالمحافظة على تجديد ربط الأردن بورثة سايكس بيكو. فالمؤتمر الذي حضره ممثلون لـ 44 دولة، لم يقدم منهم مساعدات أو حتى قروضاً سوى دولتين: بريطانيا الداعية للمؤتمر، و»الراعية» للأردن بما يذكر بأيام الانتداب، والتي قدمت منحة بـ 840 مليون دولار عن خمس سنوات (أقل من 170 مليوناً سنوياً) و140 مليون دولار قروضاً، و250 مليوناً كفالات لقروض. واليابان التي قدمت مئة مليون دولار منحة و300 مليون قروضاً. فيما ما قدّم نيابة عن أوروبا عبر بنك الاستثمار الأوروبي هو 56 مليون دولار منحة و640 مليوناً قروضاً.

ولافت التوظيف السياسي «للمعونات» بكونها ضعف القروض وكفالات القروض في حالة بريطانيا وحدها، وانخفاضها لثلث القرض في حالة اليابان رغم كون المبلغين شحيحين بالمعيار الدولي، أي أنه مزيج من «حط رجل» لليابان في الأردن وشراء تذكرة مفتوحة الأجل لأي حضور ترغبه لاحقاً.. فيما ارتفع قرض بنك الاستثمار الأوروبي، الذي وجد أصلاً لأغراض سياسيّة وليس استثماريّة مالية، لـ640 مليون دولار فيما منحته جاءت شحيحة.. وبهذا وفدنا أنجز زيادة مديونيتنا بمليار وربع المليار.

ولا يقولنّ أحد إن القروض بفوائد مخفضة ستساعد على تسديد قروض بفوائد أعلى.. فالمديونية سرطان لا يمكن وقف نموه ما لم يستأصل وتعالج مسبباته. ففي تجربة سابقة، حين بيعت أصول أردنيّة، كانت قادرة لو جرى استثمارها دون فساد على تشغيل أعداد ضخمة من الأردنيين، وإغناء الخزينة بعوائد تلك المشاريع وبالعملة الصعبة، وأيضاً بالضرائب التي ستخصم مباشرة من رواتب المشتغلين.. تلك الأصول الهائلة لم يبرز من سعر بيعها سوى 1.6 مليار دينار اشترت بها الحكومة 3.1 مليار دولار من ديونها الخارجية. ولكن خلال أشهر عادت المديونية للارتفاع «الجنوني» كما تقول لغة الأرقام. فما ضمانة أن لا يتكرّر ذلك؟!

إذا كانت الأصول ذاتها ضيعت، ولا نية لتنظيف حواضن السرطان، بل القول الجاري هو إن القروض التي ستسدّد هي المأخوذة من بنوك محليّة، أي المملوكة لحيتان مال وسياسة باتوا يملكون الأرزاق ورقاب النصف الأدنى من الطبقة المتوسطة، التي بالكاد تسدّد فوائد قرض لشقق تؤويها ولم تعرف غالبيتها أصلاً حقيقة القرض ولا حصنهم البنك المركزي من أي استغلال او استغفال.. بدلالة القوانين السارية والتي حددت حقوق المواطن بمادة واحدة هي مطالبة البنوك التجارية «التعامل بعدالة» مع عملائها، تاركة لكل بنك تحديد مفهوم تلك العدالة! وقد قبل البنك المركزي (في رد خطي موقّع من رئيسه) اقتطاع بنك 35 دولاراً من تحويلة ترد إليه (بالعملة الصعبة التي تشح) حتى إن لم تزد التحويلة على مئة دولار.. أي 35% فائدة على إيداع، وليس على إقراض!! ففيم يختلف هذا عن مفهوم العدالة الربوي الذي أورده شكسبير في «تاجر البندقية» حيث اشتُرط على المدين إن عجز عن السداد اقتطاع رطل من لحمه للمرابي اليهودي؟! فالغارمون والغارمات استثنوا حتى من قانون عفو عام مرّر مؤخراً رغم الاحتجاج الشعبي، ومثلهم غير القادرين على سداد شيك يستخلص منهم بقيمة القرض أو الحق وأية فوائد يرتئيها المُقرض ولا تظهر تفاصيلها في الشيك ولا يُسأل عنها المقرض.. هذا السجن يؤكد المساحة اللامحدودة المعطاة لرأس المال، والذي لا محالة سيفسد في ظل هكذا سلطة، كون السلطة المطلقة مفسدة مطلقة.

وبالعودة لمؤتمر لندن (ثبت أنه مؤتمرها حصرياً)، كان البحث في الأردن يجري قبيل انعقاده عن «مادة» تقدّم للمؤتمر تبرّر طلب الدعم والتمويل. أي أن المادة لم تكن جاهزة بحاجات ومشاريع مقنعة جارية أو جرت دراسات جدوى لها.. فيما لو سئل أي غارم أردني مسجون (تقول الحكومة إن سجنه يكلفها ما لا يقلّ عن ألف دولار شهرياً) لاستطاع تقديم مشروع بسيط إن لم يسدّد دينه فسيعفي الدولة من كلفة سجنه. وحتى مشروع أو مشاريع تشغيل الحكومة لهؤلاء بدل سجنهم وتعريضهم وتعريض البلاد لأضرار مادية ومعنوية وأمنية نتيجة مخالطة هؤلاء لسجناء جنائيين، غير متوفّر ولم يقدّم. الحديث كان عن توفر «فرص» و»بيئة « استثمارية و»بنى تحتية».. فيما غرقت عمان في مطر يوم واحد، بل وغرق حتى الطريق الصحراوي الواصل بالعراق، وأضيف الضحية رقم 33 للغرقى من أطفال وطالبات وشباب حاولوا إنقاذ غيرهم من الغرق في الأمطار التي تدعمنا بها السماء.. ولا توجد لدينا مشاريع للاستفادة من ذلك الدعم.

العلامات
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
X